إذا كان مهما أن نتحدث عن سيناء وما يجري فيها من أحداث.. فان الأكثر أهمية أن يستند حديثنا إلي معلومات حقيقية حتي لا يضيع منا الطريق, إذا خطونا في الاتجاه الخاطئ, سنجد أنفسنا وسط الأمواج المتلاطمة نصارع أسماك القرش المتوحشة بدلا من بلوغ شاطئ الأمان وأجوائه المنعشة. علي سبيل التحديد فانه عقب حادث رفح الغادر واستشهاد ستة عشر عسكريا, ارتفعت أصوات بأن الفلول وراء ما حدث لعرقلة خطي رئيس الجمهورية.. ثم وفي اليومين التاليين ارتفعت أصوات بأن عناصر خارجية تريد ضرب النظام الجديد في مصر. وهكذا توالت التحليلات من الذين يجدونها فرصة للكلام والنشر, ومن الذين ينتهزون الفرصة لضرب من يتصورون أنهم خصوم.. وكل هذه وغيرها تأويلات ليست دقيقة تماما.. فان أحداث سيناء بدءا من موقعة رفح الغادرة وما بعدها تكشف عن مؤامرة ليست جديدة تستهدف الأمن القومي في مصر وتقويض سلامتها وبالتالي سلامة أمم ثلاث هي العربية والاسلامية والافريقية التي تنتصب مصر في كل منها عمودا فقريا, اذا انكسر, لا قدر الله, ينهار الجسد مشلولا عاجزا. لكن لماذا نقول دائما ان مصر.. مستهدفة ؟ ولماذا نقول ان ما يجري في سيناء مؤامرة.. وألا يمكن ان يكون هذا من باب التهويل والمبالغة ؟ عن الشق الأول من التساؤل, فانه لا حاجة الي اجابة تشرح وتستطرد, ذلك أن التاريخ يغنينا عن هذا سواء في العصور القديمة أو الوسيط أو الحديثة والمعاصرة. الأمر الذي يجعلنا نوجز فنؤكد, أن مصر لم تسيطر أو تبادر بالعدوان ضد أي بلد.. ولم تستغل أو تستنزف أحدا طوال تاريخها. كما أنه لم يحدث ان شاهدت بلدا يتعرض للعدوان الا سارعت بغوثه ومساعدته بقدر ما تتحمل وتطيق بل وباكثر من هذا.. وفي نفس السياق فانها وقفت وتقف بجوار أي بلد يتعرض لأي محنة. وقد وقفت مصر وتقف, وقت السلم, بجوار أي بلد تسهم في نهضته وتقدمه. ومن هذا فان ما يجري الآن في سيناء هو أحد معارك المؤامرة التي تستهدف مصر والمنطقة كلها.. وهي ليست مؤامرة جديدة وقد برزت أنيابها علي السطح في بداية تسعينات القرن العشرين من خلال ما سمي بإستراتيجية السيطرة والهيمنة الأمريكية ثم من خلال مشروع الشرق أوسطية الذي تحدث عنه الإسرائيليون والأمريكيون.. وهو بلورة لما فكروا فيه عقب حرب أكتوبر المجيدة. اعتمدت الإستراتيجية/ المؤامرة علي ضرورة تفتيت العرب فلا يصبحوا أمة واحدة وأكثر من ذلك ضرورة تفتيت كل دولة.. وأعدوا لذلك سيناريوهات وبدائل تنفذ حسب المقتضي.. أي عندما تتجمع الظروف في بلد معين وترشحه للتنفيذ. لكن سيناريوهات المؤامرة الاستراتيجية تتسم بالمرونة.. فهي جاهزة للعمل وفق المقتضي اذا ما حان الوقت. هنا تقفز علامات الاستفهام. أولها: هل حان الوقت بالفعل. واذا كان ذلك كذلك.. فلماذا سيناء لتكون المدخل.. وما الذي يجري فيها تحديدا ؟ والاجابة ان سيناء, تم اختيارها, لأنها الحلقة الأنسب. وهنا لابد من الاعتراف بأن الحكومات المصرية المتعاقبة منذ استكمال تحرير سيناء ابريل 1982, أي منذ أكثر من ثلاثين عاما.. قد ارتكبت خطايا فادحة بعدم الاهتمام الكافي بسيناء.. واستكمالا نقول ان العلماء المصريين لم يقصروا واذا راجعنا وثائق الدولة سنجد دراسات عن سيناء منذ ستينات القرن الماضي, ثم وبعد حرب اكتوبر المجيدة تشكل فريق علمي رفيع المستوي من أساتذة الجامعات والمراكز البحثية باشراف الراحل الدكتور محمد صبحي عبد الحكيم وأنتجوا الهيكل التخطيطي لشبه جزيرة سيناء في مجلد ضخم صدر عن جامعة القاهرة أخر عام 1981.. يتضمن كل المعلومات وتخطيطا لنشر التنمية والعمران في كل الانحاء. إن المشروعات التي تم تنفيذها في سيناء ليست كافية ولم تكن في مجملها مراكز تنمية حقيقية.. ودون اسهاب في هذا المجال مع ان التفاصيل فيه كثيرة ومهمة فقد بقيت سيناء تشكو عواء الخوف والفقر والفراغ علي مساحة واحد وستين ألف كيلو متر مربع.. يقيم بها ما لا يزيد عن مائتي ألف مواطن متناثرين في بقاع شتي وكان حريا علينا وضروريا ومهما ان نوفر لهم الحياة المستقرة المنتجة الكريمة بحسن استثمار الثروات الموجودة, والمواقع الفريدة, دون ان نتركهم يصارعون.. ويعانون من الفراغ.. ويتسلل اليهم الذين تحركهم عناصر المؤامرة لمحاولة تجنيد البعض.. ولتحويل الجبال والكهوف الي اوكار للارهاب. إنني أحسب ان هناك عدة اغراض وليس غرضا واحدا.. ولكنها كلها تندرج تحت هدف استراتيجي رئيسي هو محاولة تركيع مصر بمحاولة تفتيتها.. واذا كان محركو المؤامرة قد جربوا بذر بذور الفتنة بين المسلمين والمسيحيين لكنها لم تنبت ولم تنفع, فقد جربوا عمليات عنف خاصة في تسعينات القرن الماضي لكنها هي الأخري قد فشلت.. ومن ثم فانهم يركزون علي سيناء الآن مستغلين انها الحلقة الأضعف لاهمالها تنمويا ولأنها الأنسب لقربها من الحدود التي تتيح تهريب السلاح وغيره.. وقد بدأت تجهيزاتهم وتحركاتهم منذ سنوات, لكنهم لم يتحركوا بعنف الا في العامين الأخيرين مع الغياب الأمني ومع حالة الارتباك التي سادت. واذا كنا قد لاحظنا أن الإرهابيين الذين اختطفوا المدرعتين قد انطلقوا بهما عبر معبر كرم أبو سالم الذي تراقبه إسرائيل فان هذا يفضح وجود علاقة ما بين الطرفين.. وربما كان ظن الإرهابيين ان الإسرائيليين سيتركونهم كما كانوا يتركون سيارات عديدة يسرقونها من مصر.. ولكن الإسرائيليين قتلوهم وهذا لا يعني عداء بين الطرفين.. وانما يعني أن هؤلاء الإسرائيليين قد ضحوا بالإرهابيين درءا للشبهات ومنعا للاحراج امام المجتمع الدولي. إن جماعة أصحاب الرايات السوداء الجهادية لا يمكن أن تكون دينية.. فلا يوجد دين يحرض علي القتل والدمار.. وانما هو الارهاب الأسود.. وهو يروج لحساب من يتصورون أنهم سيفلحون في تركيع مصر, أو في اجتزاء قسم من سيناء لضمه الي غزة.. لاقامة دويلة مثل تلك الدويلات الموجودة في مناطق من العالم, تحترف التهريب والجاسوسية والخدمات الترفيهية, وأبدا لن تكون سيناء هكذا.. وأبدا لن تركع مصر. المزيد من مقالات محمود مراد