ليست هذه هى المرة الأولى التى أتعرض فيها إلى هذا الملف، ولكن هناك عوامل تفرض الموضوع علينا الآن أولها تكاثر وتناسل هذه الإعلانات بنحو هائل وعلى مستوى صار يهدد الحالة النفسية والمزاجية للناس، ويشوه شكل المدن المصرية ويطمس جهود تنظيفها، أو إبراز مواطن الجمال فيها، وثانيها هو تفاعل الجمهور مع قضية الضغط الذى يعانونه من تورم وتضخم الإعلانات التليفزيونية بما يطرح أيضا وبالتبعية والضرورة مناقشة موضوع إعلانات الشوارع.. لقد أصبحنا نعيش فى غابة من الإعلانات، وشبكة عنكبوتية من الرسائل التى توجه إلينا لتحرضنا على شراء العقارات فى الكومباوندز المتناثرة فى ربوع البلد أو تفضيل نوع معين من المسلى الطبيعى أو الصناعى، أو حتى الإعلان عن أشخاص كالمذيعين والإعلاميين والممثلين ورجال الأعمال على نحو نرجسى مريض، وصار الأفق أمامنا محجوبا فى أى طريق نسير فيه أو نقود سياراتنا وراء إعلانات ضخمة، وبات المواطن المصرى مشتتا بين الرسائل المتعارضة والصاخبة التى توجهها له هذه الإعلانات، ونتساءل بعد ذلك عن أسباب «توهان» المواطن، وعدم قدرته على التركيز وعصبيته التى تتزايد يوما وراء يوم، ولهذا تداعياته فى مجالات كثيرة، ولكننى أشير اليوم إلى تأثيراته السياسية، فنحن أمام مواطن غاضب وعصبى باستمرار، وهو جاهز إذن للانفجار إزاء أى مثير أو منبه مفاجئ يتعرض له، وعلينا أن نوفر له بيئة تدفعه إلى الهدوء والعيش فى حالة طبيعية ومتوازنة.. وطبعا مجرد الحديث عن هذا الموضوع سوف يدفع الشركات الإعلانية والجهات التى تؤجر لها مساحات الإعلان الآخذة فى الاتساع إلى طرح سؤال على المجتمع يقول: (ومن أين نجئ بأموال الدخل الذى تدره علينا الإعلانات؟) والإجابة ببساطة هى تقليل مساحة الإعلانات، وزيادة سعرها.. تزاحم واكتظاظ البلد بالإعلانات على النحو الذى نراه هو مظهر من مظاهر (شبه الدولة) لأنه تجل آخر للفوضى والعشوائية والاعتداء الممنهج على حق المواطن فى العيش بسلام وسكينة وتشويه شكل الحياة فى مصر بشكل يدمر فرص مواطنيها فى التعرف حتى على شكل بلدهم أو بعض ما تحقق فيها من إنجازات، أو محاولات للتحسين والتجميل واحترام الفراغ فوق البيوت وعلى الكبارى وفى الطرق السريعة. لمزيد من مقالات د. عمرو عبدالسميع