الانغماس في الدنيا ونسيان الدار الآخرة، سبب رئيس للاكتئاب وزيادة الهموم، لذا أكدت الأحاديث النبوية، أن الدنيا ليست النهاية، بل هي محطة للحياة الحقيقية بالآخرة. فقد أكد رسول الله، صلى الله عليه وسلم، أن ما يصيب المرء من همِّ أو غمِّ أو أذى، حتى الشوكة، من أكدار الدنيا؛ يُكفِّر الله بها ذنبه، ويضاعف بها أجره، في الجنة. قال، صلى الله عليه وسلم: "مَا يُصِيبُ الْمُسْلِمَ مِنْ نَصَبٍ، وَلا وَصَبٍ، وَلا هَمٍّ، وَلا حُزْنٍ، وَلا أَذًى، وَلا غَمٍّ، حَتَّى الشَّوْكَةِ يُشَاكُهَا؛ إِلا كَفَّرَ اللَّهُ بِهَا مِنْ خَطَايَاهُ". (البخاري). وعلَّم، صلى الله عليه وسلم، أصحابه؛ أدعية وأذكارا؛ للتخلص من الهموم، فكان، كَثِيرًا مَا يَقُولُ: "اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الهَمِّ وَالحَزَنِ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنَ العَجزِ وَالكَسَلِ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنَ البُخلِ وَالجُبنِ والهِرم، وَأَعُوذُ بِكَ مِنَ ضَلَعِ الدَّينِ، وَغَلَبَةِ الرِّجَالِ". (البخاري عن أَنسٍ). وفي رواية للبخاري أيضا: "وَأَعُوذُ بِكَ مِنَ غَلَبَةِ الدَّين، وقهر الرِّجَالِ". وعند نزول الْكَرْبِ، كان، صلى الله عليه وسلم، يدعو ربه، فيقول: "لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ الْعَظِيمُ الْحَلِيمُ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، رَبُّ السَّمَوَاتِ وَرَبُّ الْأَرْضِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ". (البخاري عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ). قَالَ عُلَمَاءُ: "الْحَلِيمُ الَّذِي يُؤَخِّرُ الْعُقُوبَةَ مَعَ الْقُدْرَةِ، وَالْعَظِيمُ الَّذِي لَا شَيْءَ يَعْظُمُ عَلَيْهِ، وَالْكَرِيمُ الْمُعْطِي فَضْلًا". بل "كَانَ النَّبِيُّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يقول: "يَا حَيُّ يَا قَيُّومُ بِرَحْمَتِكَ أَسْتَغِيثُ".(حسَّنه الألباني في "صحيح الترمذي" من حديث أَنَسِ بْنِ مَالِك). وعن أَنَسَ أيضا، قَالَ: "قال رَسُولُ اللهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لِفَاطِمَةَ: "مَا يَمْنَعُكِ أَنْ تَسْمَعِي مَا أُوصِيكِ بِهِ أَنْ تَقُولِي إِذَا أَصْبَحْتِ، وَأَمْسَيْتِ: "يَا حَيُّ يَا قَيُّومُ بِرَحْمَتِكَ أَسْتَغِيثُ.. أَصْلِحْ لِي شَأْنِي كُلَّهُ، وَلَا تَكِلْنِي إِلَى نَفْسِي طَرْفَةَ عَيْنٍ". (حسنه الألباني في "صحيح الترغيب والترهيب"). وعن "القيوم" قال "ابن القيم" إنه "القائم بنفسه، المقيم لغيره". وفي "لَا تَكِلْنِي إِلَى نَفْسِي طَرْفَةَ عَيْنٍ". قال المناوي في "فيض القدير": "لا تصرف أمري إلى نفسي، ولا تسلمني إليها، ولا تتركني هملا طرفة عين أي تحريك جفن، مبالغةً في القلة". وغير بعيد، قدم عائض القرني، نصائح ذهبية، في كتابه: "لا تحزن"، كالتالي: "انظر إلى الصباح، وارتقب الفتح من الفتاح، وأكثر من الاستغفار. الشدائد تقوي القلب، وتمحو الذنب، فلا تهتم بتوافه الأمور، واجعل همك واحدا: لقاء الله عز وجل.. "يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لَا تَخْفَى مِنْكُمْ خَافِيَةٌ (الحاقة: 18﴾". وأضاف: "لا تحزن من قلة ذات اليد، فإن القلة معها السلامة. والمرض يزول، والمصاب يحول، والذنب يُغفر، والدين يُقضى، والمحبوس يُفك، والغائب يقدم، والعاصي يتوب، والفقير يغتني. فاختر لنفسك ما اختاره الله لك: قُم إن أقامك، واقعد إن أقعدك، واصبر إذا أفقرك، واشكر إذا أغناك". أما ابن القيم فأكد أن: "الحزن يرحل بسجدة، والفرح يأتي بدعوة"؛ مضيفا، في كتابه "الفوائد": "إذا أصبح العبد، وأمسى، وليس همُّه إلا الله وحده؛ تحمَّل، سبحانه، حوائجه كلها، وحمَل عنه كل ما أهمَّه، وفرَّغ قلبه لمحبته، ولسانه لذكره، وجوارحه لطاعته، وإن أصبح وأمسى، والدنيا همُّه: حمَّله همومها، وغمومها، وأنكادها، ووكله إلى نفسه، فشغل قلبه عن محبته بمحبة الخلق، ولسانه عن ذكره بذكرهم، وجوارحه عن طاعته بأشغالهم. قال تعالى: "وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ". (الزخرف: 36). [email protected] لمزيد من مقالات عبدالرحمن سعد