قليلا ما أتعرض لكتابات الصحف أو أقدم رؤيتى النقدية لها، فأنا أفضل عروض الكتب التى ما تقدم رؤية أكثر اكتمالا ويمكن فيها مناقشة حجم الإضافة التى يقدمها كاتب أو يعرضها بإفاضة وتفصيل، إلا أن ذلك الموقف لا يمنعنى أن أتناول بعض الأعمال الصحفية بالعرض خصوصا إذا ارتبطت بقضية كبيرة تتطلب المساندة والدعم، ومن ذلك أخيرا ما سطرته الكاتبة الهامة والممتازة سحر الجعارة فى جريدة (الوطن) تحت عنوان: (ليست نكتة.. الدواء فيه سم قاتل)، وتعرضت فيه لحالة الغش الجماعى والاجتماعى والمهنى والتجارى السائدة فى سوق الدواء المصري، والتى تتداول فيها الصيدليات ودوائر العلاج أدوية مقلدة وقليلة الفاعلية، ولا تأثير لها، وهذه الواقعة التى كتبت عنها سحر الجعارة، هى شيء نعرف جميعا أنه صار ظاهرة سائدة، ينبغى معها فتح ملف صناعة وتجارة الدواء فى مصر، رغم ما لاحظته فى السنوات الماضية من هياج مؤسسات صناعة الدواء وولائها، والأطباء والصيادلة الذين يخدمون أغراضها، كلما فتح واحد فمه أو نبس ببنت شفاه حول موضوع الدواء، وكأن التقليب فى ذلك الملف عيب وحرام وخطأ وخطيئة، إن هيئات مثل (حماية المستهلك) لا تكفى لمواجهة هذه الظاهرة وإنما ينبغى أن تضطلع بها هيئة (قانونية) أخري، كما يجب أن تغلظ العقوبات بشأنها، فصحة الإنسان ليست ساحة للعبث أو الهزر، وإذا كان الخطاب الرئاسى فتح باب التأمين الصحي، وتطوير المستشفيات، فيجب أن يترافق ذلك مع فتح ملف الدواء وتجارته أو صناعته.. الموضوع الذى فتحته سحر الجعارة ينبغى ألا يعمد أحد إلى الهرولة وإغلاقه فى دهولة مسرعة، لا بل نبقيه مفتوحا وتحت أوسع مساحة من الضوء.. الرقابة على الدواء أهم من الرقابة على الطعام، وحتى الرقابة الطبية على الدواء التى تقوم بها بعض الهيئات المهنية والفنية التى يُشترط موافقتها على تداول الدواء فى الخارج حتى يصير مباحا، لا تكفي، وإنما مصر تحتاج تقنينا أعقد وأكثر إحكاما لدائرة تصنيع وتجارة وتداول الدواء والملف كله ينبغى أن يكون على مائدة حوار قومى شامل، وحملة سحر الجعارة انطلقت لتبقى مفتوحة حتى علاج هذا الملف على نحو (سياسي) و(قانوني) و(اجتماعي) قبل أن يكون تجاريا أو طبيا. لمزيد من مقالات د. عمرو عبد السميع