عشنا مشهدا مهيبا فى قرية ميت العطار ببنها، فلقد خرج أهالى القرية عن بكرة أبيهم فى وداع الأستاذ «السيد الشافعى» الابن البار الذى اتسم بالتواضع الشديد، ودماثة الأخلاق، وقدّم للطلبة ما لم يقدمه غيره، من دروس بأقل القليل، وكان يرفض أن يتقاضى أى أجر من غير القادرين، بل إنهم نالوا اهتمامه، وسؤاله المستمر عنهم، ومتابعته الدائمة لهم، وكرّمته مديرية التربية والتعليم بالقليوبية بمنحه لقب «المعلم المثالى».. والأكثر من ذلك أنه كان يتابع مسيرة طلابه بعد تخرجهم وعملهم، بل وزواجهم فى مسيرة امتدت حتى رحيله. لقد بكيناه بشدة، وافتقدنا فيه إنسانا قلما يوجد مثله، وكم نتمنى أن ينشأ بيننا من يسير على دربه، ويتخذه مثلا أعلى فى الحياة، وليت المسئولين عن التربية والتعليم وهم يدركون حجم عطائه يطلقون اسمه على مدرسة ميت العطار الإعدادية المشتركة، تقديرا له، وتشجيعا للآخرين للسير على دربه. ولكاتب هذه الرسالة أقول: إن خروج أهالى قريتكم فى وداع هذا المعلم الفاضل، أكبر دليل على صنيعه مع أبنائهم، ولقد كان على النحو الذى ذكرته فى رسالتك قدوة حسنة لمن أراد السير على دربه، والنجاح فى الحياة، فمثلا نجد أن شخصية الرسول صلى الله عليه وسلم، قد أنتجت ذلك العدد الهائل من الصحابة الكرام، وهناك الأئمة الكبار الذين تتلمذ على أيديهم الكثيرون، وكذلك العلماء والمفكرون فى كل زمان ومكان. ولقد حثنا الله على اتخاذ قدوة حسنة حيث قال: «قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِى إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ» (الممتحنة 4)، ففى هذه الآية دلالة على أن من يريد النجاة فى هذه الدنيا والفلاح فى الآخرة أن يقتدى بخير قدوة وهى شخصية الرسول الأكرم، فلم يكن رسول الله ذا شخصية مقيدة بل كان شمولى التصرف والأخلاق، فلقد شارك غيره من المسلمين فى بناء مسجد قباء، وقاتل مثل أى مسلم فى أُحد وبدر، وكان رحيما عطوفا بأبنائه وزوجا مثاليا، كما كان أكثر الناس تطبيقا لما يقول، وهذه أولى الصفات التى يجب أن يحتذى بها القدوة الحسنة، لذلك كان رسول الله يعلم الناس القرآن وعندما سألت زوجته عائشة عن خلقه قالت كان خلقه القرآن. وكثيراً ما نلاحظ أن الطفل يقلد أباه، وهو لا يدرك ما يفعله، ولذلك يجب أن يحافظ الأب على أن يكون قدوة حسنة لأبنائه منذ الطفولة؛ وأن يتعمد إظهار التصرفات الأخلاقية أمام أبنائه ليقتدوا به، ومن الواضح أن أستاذكم الفاضل رحمه الله كان يعى ذلك جيدا، فاتخذ كل طلبة القرية على مر الأجيال أبناء له، وكان نعم القدوة، ولذلك حزن الكل لرحيله، ومن حقه رحمه الله، ولكى تنشأ أجيال جديدة على دربه، ويتذكره أهالى القرية على الدوام، من المهم إطلاق اسمه على المدرسة التى ارتبط بها، أو أى مدرسة أخرى، فهكذا نحيى سير العظام والمخلصين، وأسأل الله له الرحمة وأشكركم على موقفكم النبيل.