سأل أحدهم الإمام علي بن أبي طالب.. أليس في دينكم أن كل شيء مذكور في والقرآن.. قال نعم.. فقال الرجل إذن أخبرني ماهو عدد الأرغفة التي تنتج عن كيلة دقيق.. قل له أجر يا فلان نادي لي علي الخباز، فلما أتي ألقي عليه سؤال السائل, فرد الخباز بالرقم الصحيح, في حضرة السائل فأخبره بالرقم فقال السائل أنا وجهت السؤال إليك يا إمام لتخرج لي الإجابة من القرآن. فأجاب الإمام: القرآن يقول: فسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون والخباز هنا هو أهل الذكر لأنهم الأكثر دراية من الإمام. فالخباز هو الجندي المجهول طوال العام رجل يؤدي عمله في صمت لم نرهم في مظاهرات فئوية.. ولم نسمع ضجيجهم أو أن أحدهم تزمر اليوم لأن هناك فئات تربح أكثر منه, وكأنه شخص مصنوع من عجينة مختلفة من فولاذ تقريبا. فمنذ مئات السنين وهو يؤدي نفس المهنة بنفس الدقة ربما يكون في نفس المكان, فهو شخص لا يعرف الكلل أو الملل من تكرار الصنعة التي غالبا لا يوجد فيها فرصة للإبداع.. لكنه أبدا لم يتوقف سواء في لهيب الصيف أو برد الشتاء القارص. يقف بعزيمته أمام نار الفرن لينتج لنا الحياة.. أو لقمة الحياة. فالفران ليست مهنة الصدفة.. ولكنها مهنة يمتهنها من لديهم اصرار.. وهذه أول حكاية. يا بني المصاريف تقيلة علينا وإخواتك عايزين يتعلموا ولازم تسيب المدرسة علشان تساعدنا التقفت يد ابنها أحمد ابن العشرة أعوام ولم تفلتها إلا في فرن أبوشك ليشتد عوده علي نار الفرن كلمات قالها لي عم أحمد عبدالكريم الفران60 عاما مكملا.. أنا أعمل في هذه المهنة منذ نصف قرن تقريبا, لدي جدول ثابت حيث يبدأ يومي قبل أن يستيقظ البشر النوم في الثالثة فجرا من احضار الدقيق وتجهيز العجين وتقطيع العيش واشعال الفرن للخبيز ثم عملية الخبز أمام الفرن حتي تخرج باكورة اليوم في الخامسة صباحا.. نعم في كل يوم يولد علي يدي ألالاف الأرغفة الطازجة. لا اهتم أبدا بالوقت ولا أحسب حسابا للساعات فموعد عملي ينتهي مع غياب آخر ضوء للشمس.. الملم بعدها حالي وأذهب إلي البيت لأسرد لأولادي الأحاكي وأناقش معهم مشكلاتهم دون أن يسمعوا مني مشاكلي فهذه طبيعة الفران صامد.. صامت.. يؤدي عمله في هدوء.. لا نعرف الاجازات ففي الوقت الذي يستريح فيه الجميع في أيام العيد مثلا نعمل ليل نهار دون كلل أو ملل لأننا الوحيدون في العالم الذين لا يمكن أن يتوقف انتاجهم ساعة واحدة لأن ذلك معناه أن تتوقف الحياة.. ونحن ليسوا دعاة موت.. بل نحن من ينتج للناس أكسير الحياة. حتي في أصعب أيام مصر.. أيام ميلاد الثورة كنا نعمل ليل نهار متحدين البلطجية.. والانفلات الأمني.. متحدين كل شيء حتي الخطر نفسه.. لم تسمع أننا في يوم توقفنا.. لن تسمع في يوم أننا خربنا.. أو شكونا نار الفرن أخرجت لمصر خبازين من نوع فريد يضحون في صمت كل ما نريده فقط أن تستمر الحياة.. وأن تثمر لأبنائنا مصر جديدة يقل فيها العناء ويأخذ فيها الخباز حقه دون أن يكون مجرد جندي مجهول. ينتج لكم الحياة.. ولا نتذكره إلا حينما يفارق الحياة. أحمد الزهيري