"أكبر حرب تجارية فى تاريخ الاقتصاد العالمي". .. هكذا وصفت الصين ما أقدم عليه الرئيس الأمريكى دونالد ترامب الأسبوع الماضى من تنفيذ "فعلي" لتهديداته بفرض تعريفات جمركية بمليارات الدولارات على الواردات الصينية، لتدخل أكبر قوتين اقتصاديتين فى العالم أولى معارك حرب تجارية تنذر – إذا اكتملت أركانها وتواصلت معاركها - بعواقب وخيمة على الاقتصاد العالمي. فبعد شهور من التهديدات المتبادلة والمفاوضات التى باءت بالفشل، فرضت أمريكا رسوما بنسبة 25٪ على منتجات صينية بقيمة 34 مليار دولار تشمل معدات صناعية وإلكترونيات وأجهزة متطورة، لترد الصين فى اليوم نفسه بإجراء انتقامى مماثل وتبدأ فى تطبيق رسوم على قائمة من المنتجات الأمريكية بذات القيمة. وحذرت الصين من أن الولاياتالمتحدة تطلق النار على العالم كله وعلى نفسها أيضا، منتقدة ما وصفته بالتنمر الأمريكى فى التجارة، ومؤكدة أن الجمارك الأمريكية ستضر بالعديد من الشركات العالمية وليست الصينية فقط. ورغم الانتقادات الداخلية والخارجية التى تواجهها إدارة ترامب فى هذا الشأن، فإن الرئيس الأمريكى يبدو مصمما على خوض تلك المقامرة الاقتصادية الكبرى مع الصين - أكبر شريك تجارى للولايات المتحدة – حيث يقول إن الرسوم تهدف إلى وقف الأنشطة التجارية الصينية غير العادلة التى تضر بالاقتصاد الأمريكى مثل سرقة الملكية الفكرية ونقل التكنولوجيا الأمريكية المتطورة إلى الصين, ويؤكد ترامب أنه يريد تشجيع الصناعات الأمريكية التى تضررت بالواردات رخيصة الثمن فضلا عن تقليل العجز التجارى الأمريكى مع الصين والذى بلغ 375 مليار دولار فى 2017. وبعيدا عن الاقتصاد، تتخذ الحواجز التجارية التى أقامها ترامب مع الصين بعدا سياسيا خفيا حيث تسعى الإدارة الامريكية إلى ردع بكين عن خطتها " صنع فى الصين 2025" التى تهدف من خلالها الصين أن تصبح رائدة فى مجال التكنولوجيا العالمية من خلال ضخ مليارات الدولارات فى صناعات مثل الروبوتات والسيارات الكهربائية وشرائح الكمبيوتر وغيرها. وفى المقابل، لا تخلو الرسوم الانتقامية الصينية من أبعاد سياسية أيضا، إذ تستهدف أهم الصادرات الأمريكية وهى المنتجات الزراعية مثل فول الصويا والقطن مما يهدد المزارعين الأمريكيين فى الولايات التى دعمت ترامب خلال الانتخابات الرئاسية مثل تكساس وآيوا، وهو ما قد يؤدى إلى خسارة الحزب الجمهورى الذى ينتمى إليه ترامب أصوات المزارعين فى هذه المناطق فى انتخابات الكونجرس المقررة فى نوفمبر المقبل. والسؤال الآن هو : إلى أى مدى ستذهب تلك المناوشات العدائية بين أمريكاوالصين؟ بداية يؤكد خبراء الاقتصاد أن التعريفات التى دخلت حيز التنفيذ حتى الآن سيكون لها تأثير محدود على نمو البلدين، رغم ما ستسفر عنه هذه الرسوم من ارتفاع الأسعار على المستهلكين والشركات، إلى جانب الاضطرابات فى البورصات وحالة عدم اليقين التى ستنتشر بين المستثمرين الذين سيضطرون إلى تأجيل خططهم الاستثمارية المستقبلية. ولكن الخطورة الحقيقية التى تهدد مستقبل الاقتصاد العالمى كله هى فى مواصلة ترامب معاركه وتنفيذ تهديداته الأخيرة بفرض تعريفات إضافية على منتجات صينية بقيمة 16 مليار دولارمن المقرر أن تدخل حيز التنفيذ أواخر يوليو الحالي، فضلا عن تهديد أخطر أطلقه ترامب الأسبوع الماضى بأنه يستهدف فى نهاية المطاف فرض رسوم على سلع صينية بقيمة 500 مليار دولار، أى ما يعادل نحو إجمالى واردات الولاياتالمتحدة من الصين فى العام الماضي، وهى بالتأكيد إجراءات – إذا تم تطبيقها بالفعل - ستقابل بأخرى من جانب الصين. ويحذر الخبراء أيضا من أن استمرار التصعيد من جانب الولاياتالمتحدة سيدفع الصين إلي معاقبة الشركات الأمريكية الشهيرة العاملة فى الصين مثل شركات التليفون المحمول الذكي، والمقاهى الأمريكية الشهيرة، وإنتاجات هوليوود من خلال تشديد الرقابة الصحية والأمنية والمالية، وتأخير حركة الاستيراد أو تنظيم مقاطعة لهذه الشركات، وغيرها من الأساليب التصعيدية التى ستؤثر فى النهاية على النمو العالمي، إلى حد تحذير بعض الاقتصاديين من أن الوصول الى مرحلة الحرب التجارية الشاملة من شأنه أن يقود الولاياتالمتحدة والعالم إلى حالة الركود.