الدكتور محمد عوض رئيس مركز دراسات الإسكندرية والبحر المتوسط بمكتبة الإسكندرية وأستاذ فلسفة العمارة.. وله نشاط كبير في مجال الحفاظ علي تراث الإسكندرية حتي أطلق عليه البعض عاشق الإسكندرية. وله متحف باسمه في مكتبة الإسكندرية يضم وثائق جمعها من دول مختلفة حول تاريخ الإسكندرية علي مر العصور.. ويبذل كل جهده في الحفاظ علي الأماكن الأثرية من الهدم والانهيار.. كما يهتم بمجال العمارة الحديثة الممزوجة بالأصالة القديمة. وفي حواره مع الأهرام.. أعرب عن حزنه بسبب تدهور مدينة الإسكندرية, وانهيار العمارة بها, وازدياد المخالفات التي ستؤدي إلي كارثة محققة من وجهة نظره.. كما تناول في الحوار محاور اقترحها من خلال مركز الدراسات السكندرية لنهضة المدينة وعودتها مدينة عالمية انشأها الإسكندر الأكبر. وفي الحوار رد عوض بصراحة علي اتهامات وجهت له بإهدار المال العام في أثناء تولي شركته لأعمال ترميم قصر انطونيادس.. وفي الحوار تفاصيل أخري: يطلق عليك البعض عاشق الإسكندرية.. فكيف تراها الآن؟ أراها في تدهور.. وحزين علي مدينتي وما وصلت إليه من تدهور عمراني.. فهي كانت عروس البحر المتوسط.. والآن أصبحت من أقبح المدن في العالم.. ووصل الحال بها إلي تدهور مستوي المعيشة لأهالي الإسكندرية بأن يعيش06% منهم في عمران غير آدمي.. كما تدهورت المواصلات والمرافق جميعها.. وكذلك أدي إلي هجرة أهلها. فنحن نفتقد الإسكندرية التي عشقتها وأصبحت بالنسبة لنا ذكري. ما هي الأسباب التي تجعل الإسكندرية تصل لهذا الحد من التدهور؟ مشكلة الإسكندرية أنها خلال السنوات الستين الماضية لم يحدث لها تخطيط عمراني يسمح بامتداد المدينة, بحيث إننا عندما نتحدث عن تخطيط لا يكون حبرا علي ورق.. إنما يجب تنفيذه لانشاء أحياء جديدة بها يسمح بالامتداد العمراني المطلوب. ولكن ما حدث بالإسكندرية وفي تلك الفترة اعتمادها علي زيادة كثافتها وبناء في المدينة عما هو مخطط لها في الأساس بحيث أنها كانت تسع لحوالي من005 إلي007 ألف نسمة.. وهي الآن تحوي5.5 مليون نسمة, وهذا أدي إلي زيادة الكثافة بالمناطق المخطط لها, وكذلك العشوائية وكل ذلك أدي إلي انهيار البنية الاساسية والتحتية. وكل ذلك نتيجة غياب القانون وتطبيق التخطيط العمراني والذي أدي إلي زيادة وانتشار المخالفات سواء بالبناء في المناطق العشوائية أو بزيادة الأدوار عن الحد المصرح به.. ويتم ذلك عن طريق المقاولين عديمي الخبرة في المجال بالاتفاق مع العاملين في المحليات والذين لا يحولون المخالفات للقضاء ليأخذ مجراه مع المخالفين, وبالتالي لا يعاقب أحد علي فعلته. هناك مقولة.. إن الإسكندرية من أكثر المناطق تأثيرا وتضررا في حال وقوع هزة أرضية.. فما رأيك في تلك المقولة؟ بالفعل لو حدثت هزة أرضية بالإسكندرية ستكون كارثة بكل المقاييس.. لأن المباني في الإسكندرية متلصمة. فكل ما يهم المقاولين هو بناء الأدوار بسرعة, ولذلك تشد الخراسانات دون تركها المدة الكافية, بحيث يتم قيام الدور في أسبوع واحد.. وهذه مواصفات خاطئة ولا تجد رقابة عليها من الدولة.. مما سيؤدي إلي مشاكل عمرانية وإلي سقوط العمارات دون حاجة إلي هزة أرضية أو حتي تتأثر بعوامل تعرية. كيف يتم استدراك الموقف لتلافي كوارث انهيار المباني بالإسكندرية؟ يجب انشاء جهاز لمعالجة الكوارث العمرانية.. لأن القضية ليست بانتظار حدوث زلزال ليدمر.. بل ممكن حدوث حرائق دون أن يستطيع رجال الاطفاء التمكن من اخمادها لأن المباني غير مجهزة اساسا بمواصفات سليمة لمنع ومواجهة حوادث الحريق.. كما يجب تطبيق القانون وردع كل من تسول له نفسه مخالفة القانون بمعاقبتهم بشدة.. وأن يحدث تقييم للمباني الموجودة, حيث إن أي مبان غير مطابقة للمواصفات يجب أن تهدم حتي لو كان بها سكان لأنها تمثل خطورة علي المباني المجاورة.. كما يجب محاسبة المقاولين المخالفين بشدة ويمنع علي المباني المخالفة دخول المرافق إليها ولا يسمح بالسكني فيها. ويجب أن يمنح أي مالك للعقار شهادة بصلاحية المكان ومطابقته للمواصفات قبل التعامل مع المواطنين. ما الآليات المطلوبة لإعادة الإسكندرية لسابق عهدها؟ الأسكندر الأكبر عند بداية انشائه للإسكندرية شيدها لأن تكون مدينة عالمية وتختلط فيها الأجناس والشعوب والثقافات, والإسكندرية طوال تاريخها منذ انشائها هي المدينة التي حصلت علي التعددية والعالمية.. ويجب أن يحافظ علي ذلك في إعادة البناء والتعمير.. وحيث توضع حلول جذرية لهيكلة كل أجهزة ومرفق المدينة.. بالإضافة إلي أن المدينة تحتاج إلي تعيين محافظ من أهل الإسكندرية حتي لا يأخذ فترة طويلة في فهم ظروف وطبيعة البلد ومعرفة مدي أهمية تاريخ الإسكندرية. ذكر الكثير عن مشاكل بمكتبة الإسكندرية.. فكيف تصف الوضع الحالي داخل المكتبة؟ سؤال صعب لأنه مرتبط بالسياسات لحد كبير داخل المؤسسة وكيفية ادارتها في المستقبل.. ففي خلال الفترة الماضية أري أنها في تقديري كانت لتأسيس مراكز الدراسات بالمكتبة والتي تصل ل9 مراكز بحثية. أما عن المشاكل وما يذكر عنها.. فنحن نركز في العمل البحثي.. فإدارة المكتبة شيء ودور المكتبة ووظيفتها شيء آخر.. فكل مهمتنا أن نتواصل مع الثقافة والحضارة في العالم كله, وأري أن مكتبة الإسكندرية مثل الهرم لأنها مخزون مصر الثقافي وعظمتها. وهل الوضع الإداري يساعد ويتيح لكم العمل بالمكتبة؟ بالطبع.. فنحن لم ننشيء مبني فقط, بل هو كيان كامل غرضه الأساسي التواصل مع الحضارة في العالم, مع المحافظة علي الميراث الثقافي والتاريخي وننشره. هناك منشآت ومؤسسات كثيرة عانت الفساد في ظل النظام السابق.. فما موقع المكتبة من ذلك؟ هل تريدين, أن أتحدث عن الفساد في مكتبة الإسكندرية.. أنا شخص مستقل في قراراتي.. وأري أنني عندما أعمل في مكان لا يسمح بالعمل بالحرية فأتركه, ولكني أمارس عملي بالمكتبة في الفترة السابقة والحالية.. وأعمل أي شيء في حدود الامكانيات المتاحة. هناك تقرير رقابي تم نشره في إحدي الجرائد واتهم بإهدار المال العام داخل المكتبة وذلك بالتعاقد لتأمين قصر انطونيادس مع شركتك الخاصة.. فما ردكم علي ذلك؟ بالنسبة لقصر انطونيادس تنازلت عنه محافظة الإسكندرية إلي مكتبة الإسكندرية وآلت ملكية القصر إليها.. وحالة القصر كانت وشيكة علي الانهيار.. وكان لابد من البدء في أعمال التدعيم الانشائي لترميم القصر. أما بالنسبة لتولي شركتي لأعمال التعميم الانشائي للقصر.. فقد تم ذلك بشكل قانوني وتم الاسناد بعد مفاصلة نتيجة ممارسة تمت بين شركتي وشركات أخري.. وتم الاسناد لشركتنا نظرا لتميز التصميم الذي قدمته عن العطاءات الأخري.. وثبت أنه الأنسب.. وذلك لأن شركتي متخصصة في ترميم المباني التراثية.. وهي الشركة الوحيدة التي قامت بترميم مبان أثرية في مصر, هذا كله بالإضافة إلي أنني أعمل كاستشاري في المكتبة ومندوب من الجامعة ليومين فقط بالأسبوع.. ولست موظفا بالمكتبة.. ولدي تصريح بمزاولة مهنة الهندسة.. ولدي أعمال كثيرة مع شركات ومؤسسات كثيرة بالإسكندرية. ولهذا كله فإن العطاء الذي أسند لي خاص بعملية التدعيم الانشائي وباقي المراحل سيتم طرحها للجميع وهما مرحلة الخدمات والتشطيبات. بالنسبة للأبحاث التي تعدها في المكتبة.. يتم الاستفادة منها في المجال اليومي؟ {{ بالتأكيد الأبحاث التي تعدها تفيد المجتمع المصري كله.. فلدينا باحثون يعملون في مجالات مختلفة منها في التاريخ والأدب والعمارة, بالإضافة إلي أننا لدينا مجموعة محاور نعمل عليها لحل مشاكل المدينة.. مثل مشروع خاص بترعةالمحمودية والتي نري فيه عمل تخطيط واستثمار المباني والعقارات علي ضفتي الترعة.. وهذا سيخلق فرصا جديدة للمدينة, بالإضافة إلي رؤيتنا في عمل مدخل صحراوي وآخر زراعي للمدينة وانشاء محاور أخري ومداخل اضافية للمدينة, وذلك يسهل المرور, بالإضافة إلي رؤيتنا لتطوير المناطق الموجودة حول الميناء والتي تحوي مناطق مهمة.. ويمكن أن تشكل منطقة ترفيهية والعمل في نفس الوقت. بالإضافة إلي محور مهم وهو انشاء منطق جديدة امتداد الظهير الجنوبي للمدينة, بحيث تكون مناطق جديدة مرتبطة بوسائل مواصلات مع المدينة الأم. هل تقدمت بتلك الرؤي للجهات المسئولة لتفعيلها؟ لدينا برتوكول تعاون مع المحافظة.. وعلي اساسه قدمنا لهم قاعدة البيانات.. وعملنا نظم المعلومات لكل المجالات في الإسكندرية من صحة وتعليم وصناعة وزراعة. ما هي باقي الأنشطة في مركز دراسات الإسكندرية بالمكتبة؟ { نحن نعد أبحاثا في التراث وقمنا برصد كل المباني العمرانية والأثرية في المدينة علي مر العصور, كما نقوم برصد المخالفات التي تخص هذه المباني, بالإضافة إلي أبحاث التراث في الأدب وقدمنا أعمالا كبيرة في ذلك المجال مثل موسوعة شوارع الإسكندرية.. للجزايرلي كما تشجعنا العائلات الكبيرة لكتابة مذكراتها ونقوم بنشرها, وكذلك نعد خرائط ارشادية للسائحين.. بالإضافة إلي ترجمة كتب لمولفين أجانب عن الإسكندرية وتاريخها. ما هي المشاكل التي تواجهكم في هذا العمل؟ المشكلة التي تواجهنا هي التسوق.. فالعمل الكبير يحتاج إلي جهد أكبر وامكانيات أكثر. لماذا اهتممت بالتراث وليس بالعمارة الحديثة بالرغم من أنها تخصصك الأساسي؟ اهتمامي بالتراث لم يبعدني عن مجال العمارة, بل أضاف إلي بحيث أمزج الحداثة بالأصالة.. وهذا ساهم في بحثي عن الهوية المصرية في العمارة الحديثة.. ولي أعمال كثيرة في ذلك المجال. لك متحف يحمل اسمك في المكتبة.. فهل المحتويات به تخصك؟ نعم.. كل الوثائق الموجودة داخل المعرض بالمكتبة ملكي.. وجمعتها من بلاد مختلفة وتشمل صورا ولوحات وخرائط كلها تتحدث عن الإسكندرية وتاريخها علي مر العصور. وهل أهديت تلك الوثائق للمكتبة؟ { أعرتها للمكتبة لكي أحافظ عليها, ولكن في حالة تعرضها لأي اتلاف أو اهمال سوف اسحبها من المكتبة نظرا لقيمتها التاريخية وندرتها. كم عدد الوثائق التي تملكها؟ لم استطع حصرها ونحن بصدد إعداد كتالوج من052 صفحة ويظهر حوالي ثلث مجموعة الوثائق بالمتحف. هل هناك وثائق تراها الأقرب لنفسك؟ من أندر الوثائق بالمتحف كتاب محمود الفلكي.. خصوصا أنها النسخة الأصلية بخط يده والتي دون فيها تاريخ الإسكندرية والحفائر التي عملها بالمدينة, وكذلك وثيقة خريطة الإسكندرية بعام2881 والتي أعدها مجلس الأورناطو والذي كان يدير شئون المدينة في ذلك التاريخ.. ولا توجد خرائط في العالم سوي تلك الخريطة من إعداد هذا المجلس. ما أغلي وثيقة اشتريتها في المتحف؟ أريد أن أوضح أنني اشتريت الوثائق علي مدار سنوات طويلة وثمنها في الماضي يختلف عن ثمنها الآن.. فهناك وثائق يصل ثمنها حاليا إلي مائة ألف جنيه. ولقد اشتريت لوحتين ب02 ألف جنيه استرليني من انجلترا. ذكر أنه يوجد مدينة أثرية تحت مبني المحافظة الحالي.. فما هي الإجراءات التي يجب اتخاذها لإظهار تلك الآثار؟ يجب أن تبدأ عمليات البحث والتنقيب الأثري في المنطقة قبل أن يقوم أي مقاول بعمل أساسات جديدة للمحافظة.. ونشجع علي نقل مبني المحافظة لمكان آخر كما نطالب المجلس الاعلي للآثار بتشكيل فريق عمل لبدء أعمال التنقيب الأثري في المنطقة. هل يقتصر دور المركز علي رصد المخالفات في قطاع المناطق الأثرية والتراث أم يتابع إزالة المخالفات عنها؟ نحن نرصد المخالفات التي تخص هذه المباني. ونتابع العمل علي رفع أي مخالفة وعودة الأثر لحالة جيدة, ولكن تواجهنا مشاكل وحدث ذلك بخلافي مع المحافظ السابق لعدم مراقبة مشكلة العمران التراثي والتي تعد مشكلة كبيرة جدا في الانفلات بهدم الفيلات بصفة عامة وتندرج فيها المباني التراثية, وزادت المخالفات بعد الثورة برغم كل المحاولات التي نبذلها من أجل تسجيل كل المناطق الأثرية ومحاولة الحفاظ عليها وتنبيه المسئولين كما يحدث أول بأول لإنقاذها. ما هي أهم الأبحاث التي تراها تميزا للمركز وتعتبرها إنجاز؟ بالتأكيد هناك موسوعة شوارع الاسكندرية والتي ألفها وأعدها الجزايرلي في35 عاما قمنا بتجميعها في موسوعة من ثلاثة أجزاء وكذلك ترجمة كتاب ل هيرمان تيرش عن فنار الاسكندرية بالإضافة الي كتاب يضم كل أنواع الأكلات في الاسكندرية علي مر العصور وكتاب عن الحمامات واخر عن صهاريج المياه بالإضافة الي اننا نعد مجلة دورية تتيح الفرصة لمن لديه الهواية ان يكتب موضوعات خاصة بالاسكندرية بها, ويضاف الي هذا كله الجائزة السنوية باسم المهندس حسن فتحي والتي تمنح كل عام للفائز بأحسن التصميمات في الموضوع الذي يتم اقتراحه لكل عام.