بحروف كثيرة متشابكة وقوية، وقع الرئيس الأمريكي ترامب قبل أيام مرسوما يقضي بإنشاء فرع سادس في القوات الأمريكية المسلحة يختص بالفضاء الخارجي. لم يأت هذا المرسوم من فراغ، بل سبقته تصريحات لترامب خلال الأشهر الماضية حول أهمية السيادة الأمريكية العسكرية علي الفضاء الكوني. والفكرة من حيث المبدأ تبدو براقة ومنسجمة مع شعار جعل أمريكا أمة عظيمة مرة أخري. ولكن كيف يتم إنشاء هذا الفرع، وماهو موقف القادة العسكريين، ولماذا تحتاج أمريكا نشر قوة عسكرية في الفضاء؟ وبداية، فإن القوات المسلحة الأمريكية تتكون حاليا من خمسة أفرع، هي الجيش والبحرية وسلاح مشاة البحرية والقوات الجوية وحرس السواحل، وتعد القوات الجوية أحدث هذه الأفرع حيث أُنشئت في أعقاب الحرب العالمية الثانية، صحيح أن استخدام الطائرات كسلاح في الجيش الأمريكي سبق ذلك بسنوات طويلة، لكن العاملين علي هذا السلاح كانوا تابعين لأفرع أخري. ورغم أن أعضاء الكونجرس تقدموا منذ عام 1926 بحوالي ثلاثين مشروع قانون لجعل القوات الجوية وحدة مستقلة ذات مخصصات مالية منفصلة، إلا أن هذه المحاولات باءت بالفشل، إلي أن أقر الكونجرس قانونا بذلك، ووقع عليه الرئيس هاري ترومان 1947. ومن الناحية الفعلية، توجد وحدة خاصة بعمليات الفضاء تابعة حاليا للقوات الجوية الأمريكية. ولم يكن ترامب أول من يفكر في تحويل هذه الوحدة إلي فرع مستقل، فقد سبقه في عام 2000 دونالد رامسفيلد وزير الدفاع في إدارة بوش الابن، لكن الفكرة سرعان ماتلاشت في أعقاب حوادث الحادي عشر من سبتمبر 2001. وإذا عدنا إلي تصريحاتهم السابقة، فإننا نلمس عدم تحمس القادة العسكريين للفكرة، فقد نُقل مثلا عن وزيرة الطيران هيذر ويلسون قولها إن البنتاجون كيان معقد بدرجة كبيرة وإنشاء الفرع الجديد سيزيد من مشاكل تعقيده، ويستنفد موارده المالية، وأنه إذا تمت زيادة الموازنة العسكرية فسيكون الأجدر أن توجه للتطوير الفعلي للقوات وليس للجهاز الإداري لوزارة الدفاع. وقبل سبعة أشهر فقط، أعرب جيم ماتس وزير الدفاع في رسالة له إلي الكونجرس عن معارضته لفكرة إنشاء قوة مسلحة فضائية كفرع مستقل في الجيش الأمريكي، لكن منذ توقيع ترامب مرسوم إنشاء هذا الفرع، وهؤلاء القادة يلتزمون الصمت، ربما لعدم رغبتهم معارضة قادئهم الأعلي، وربما لأن هناك مناقشات وراء أبواب مغلقة، ولأن الأمر رهن بموافقة الكونجرس المنوط بتمويل هذا الفرع حال الموافقة علي إنشائه. ويبقي التساؤل البديهي، لماذا تحتاج أمريكا قوة عسكرية فضائية؟ والإجابة باختصار هي التهديدات الروسية والصينية، ففي حالة نشوب حرب سيكون اعتماد أمريكا حاسما علي الأقمار الصناعية، وإذا كانت لدي كل من الصين وروسيا القدرة علي تدمير هذه الأقمار أو علي الأقل التشويش عليها، فإن هذا السيناريو يمثل تحديا مصيريا ذا أولوية قصوي، أو كما قال ترامب، مسألة أمن قومي. غير أن برنامج الفضاء الأمريكي في الوقت الراهن يبدو متواضعا، حيث يتكون من مجموعة من الأقمار الصناعية الموجودة في مدارات حول الأرض تستخدم في أغراض الاتصالات والملاحة والتنبؤ بالأحوال الجوية والاستطلاع، وهذه الأقمار عاجزة عن الدفاع عن وجودها، فما بالك بشن هجوم علي دول أخري أو حتي الدفاع عن أمريكا. من هنا يكون التحدي العاجل أمام واشنطن هو تطوير ما لديها من تكنولوجيا وتحديث هذا السلاح لمواجهة التهديدات العسكرية المحتملة، وللتأكيد علي صورتها كقوة مهيمنة قادرة علي شن حرب الكواكب، وهي خطوة في اتجاه سباق تسلح من نوع آخر.