هل حان الوقت ليجلس لبنان مع إسرائيل على مائدة المفاوضات لينتزع حقوقه المسلوبة ؟ وهل يرجع ذلك إلى رغبة أمريكا ودول الخليج فى مواجهة إيران بتقليم أظافر حزب الله، وهل تستطيع إسرائيل أن تعقد صلحا وسلاما مع لبنان بالرغم من سلاح حزب الله، والدور الإيرانى الفاعل فى بغداد ودمشق والجنوباللبنانى الواقع تحت سيطرة وقوة حزب الله؟ وهل يقبل حزب الله بهذا السلام وهو فى مركز قوى مدعوما بالمال والسلاح من إيران والأسد ؟ وهل تطمح أمريكا وإسرائيل من وراء ذلك فى تحجيم التوسع الإيرانى فى المنطقة؟ وهل يندرج هذا السلام المزمع تحقيقه ضمن صفقة القرن التى يروج لها الرئيس الأمريكى دونالد ترامب، وإسرائيل لحل القضية الفلسطينية كما يحلو لأمريكا، لا كما يريد الفلسطينيون ؟ المعطيات السياسية فى لبنان مطلع يونيو الحالى تؤكد الإجابة بنعم عن كل التساؤلات السابقة، حيث تلقى لبنان عرضا أمريكيا بحل النزاع البرى والبحرى مع إسرائيل بما فيه مزارع شبعا المحتلة ،وجاء العرض الإسرائيلى بحلٍّ متكامل فى البرّ والبحر، بعد محادثات أمريكية-إسرائيلية جرت أخيراً فى تل أبيب بين مسئولين أمريكيين مهتمين بملف النفط البحرى بين لبنان وإسرائيل، وبين رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتانياهو. وعلى الفور تلقف لبنان العرض، وعقد اجتماعا ثلاثيا مطلع الشهر الحالى فى القصر الجمهورى فى بعبدا، بين رئيس الجمهورية ميشال عون، ورئيس مجلس النواب نبيه برى، ورئيس حكومة تصريف الأعمال سعد الحريرى، واقتصر اللقاء الذى لم يعلن عنه سابقا، على بحثِ العرض الأمريكى، علماً بأنّ عون وبرى كانا على اطلاع على تفاصيل هذا التطوّر، وقرر الرؤساء الثلاثة فى هذا الاجتماع تأكيد موقف لبنان الموحّد من هذه المسألة وحقوقه فى أرضه وكيانه وثرواته من دون أيّ مساس فيها أو انتقاص منها. وقدم لبنان عدة ملاحظات حول العرض الإسرائيلى المدعوم أمريكيا إلى الوسيط الأمريكى. وينتظر توضيحات، فإذا كانت إيجابية سيتعاطى معها بإيجابية، على أن تُعقد الاجتماعات فى الناقورة بين ممثّلين عسكريين لبنانيين وإسرائيليين وفى حضور قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة «اليونيفيل» وتحت علم الأممالمتحدة. وكشف رئيس مجلس النواب اللبنانى نبيه برى حليف حزب الله ، ، عن عرض إسرائيلى نقله الأمريكيون إلى لبنان يتضمّن التفاوض حول الحدود البريّة والبحرية، ومن ضمنها مزارع شبعا،وأكد برّى أن الوفد الأمريكى الذى زار لبنان الأسبوع الماضى، وضم عضو الكونجرس الأمريكى من أصل لبنانى داريل عيسى، نقل إلى رئيس مجلس النواب ورئيس الجمهورية ميشال عون كلاماً إسرائيلياً حول الرغبة فى حوار كامل حول الحدود مع اسرائيل، وضمناً مزارع شبعا المحتلة، وأضاف برّى أن لبنان طلب من الوفد العودة بتأكيد رسمى أمريكى حول هذا الأمر، كما أشار برى إلى كلام وزير الطاقة الإسرائيلى يوفال شتاينتز، الذى أكّد أن «طرح أفكار جديدة لإنهاء نزاع بحرى بين إسرائيل ولبنان، عطل التنقيب عن الغاز والنفط. ومن جانبه قال رئيس الحكومة المكلف سعد الحريرى إنه بحث مع الرئيس العماد ميشال عون ورئيس مجلس النواب اللبنانى نبيه برى موضوع الحدود ،وكانت الأجواء إيجابية، مؤكدا أن الحديث مع الرئيس عون ورئيس مجلس النواب نبيه برى كان يستهدف توحيد الأفكار والرؤى والقرار فى شأن ترسيم الحدود البرية والبحرية مع إسرائيل، وكانت »الأجواء إيجابية». وكانت الولاياتالمتحدةالأمريكية قد أقرت حزمة عقوبات اقتصادية ومالية ضد حزب الله وقياداته وشخصيات داعمة له ،وأيدتها دول مجلس التعاون الخليجى ،والدول الأوروبية ،متهمة إياه بممارسة الإرهاب ودعمه فى لبنان وسوريا واليمن والبحرين ،وأن الحزب يتلقى دعما لوجستيا بالمال والسلاح والخبراء من إيران ،وهو الأمر الذى نفاه الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله أكثر من مرة. كما أن إسرائيل دائمة الاعتداء على لبنان منذ وجود المقاومة الفلسطينية التى خرجت من لبنان بعد الاجتياح الإسرائيلى لبيروت عام 1982 وحدوث مذابح صبرا وشاتيلا، وكذلك اجتاحت لبنان ودمرت بنيته التحتية فى يوليو 2006، واستمرت الحرب شهرا كاملا، حتى انتهت بتدخل الأممالمتحدة، وفصل قوات حفظ السلام الدولية «اليونيفيل» التابعة للأمم المتحدة بين لبنان وإسرائيل، واتخاذ ما يعرف بالخط الأزرق حدا فاصلا بين إسرائيل ولبنان، فيما ظلت مزارع شبعا المتنازع عليها فى قبضة إسرائيل، الأمر الذى أعطى حزب الله مشروعية الحفاظ على سلاحه لتحرير ما تبقى من تراب الوطن، بالرغم من أن مزارع شبعا تتبع لبنان وسوريا معا، كما قال رئيس مجلس النواب نبيه برى. ومع وجود حزب الله فى الأحداث الجارية فى العراق وسوريا،جنبا إلى جنب قوات الأسد وإيران، ومع التهديدات المستمرة بين الطرفين إسرائيل وحزب الله، وبعض المناوشات المسلحة فى الجولان السورى المحتل،شرعت إسرائيل فى تأمين جبهتها الشمالية مع لبنان ببناء جدار عازل مثل ذلك الذى أقامته مع قطاع غزةالفلسطيني, وأعلن لبنان أن الجدار الذى تنوى إسرائيل بناءه على الحدود يمس سيادتها، وذلك خلال اجتماع بين عسكريين لبنانيين وإسرائيليين برئاسة قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة. ومن ناحية الحدود البرية والبحرية التى يتحدث عنها العرض الأمريكى للسلام بين بيروت وتل أبيب ويريد حلها، فإن التوتر بين إسرائيل ولبنان قائم بسبب الخلاف حول الجدار، وخطط لبنان للتنقيب عن النفط والغاز فى مياه بحرية متنازع عليها. وكان جيش الاحتلال الإسرائيلى قد أعلن أن أعمال البناء تتم على أرض تخضع للسيادة الإسرائيلية. وتقول الحكومة اللبنانية إن الجدار يمر عبر أراض تابعة للبنان لكنها تقع على الجانب الإسرائيلى من الخط الأزرق الذى حددته الأممالمتحدة والذى رسم حدود انسحاب إسرائيل من جنوبلبنان فى العام 2000. وقال الجيش اللبنانى فى بيان له: «عرض الجانب اللبنانى مسألة الجدار الذى ينوى العدو الإسرائيلى إقامته على الحدود اللبنانيةالفلسطينية»، مؤكدا موقف الحكومة اللبنانية الرافض لإنشاء هذا الجدار كونه يمس السيادة اللبنانية، خصوصا أن هناك أراضى على الخط الأزرق يتحفظ عليها لبنان». ولم يكن العرض الأمريكى الذى رحب به لبنان لترسيم الحدود البرية والبحرية مع إسرائيل هو الأول كمحاولة لإنهاء حالة الصراع والعداء بين بيروت وتل أبيب، حيث تم من قبل توقيع اتفاق سلام بين البلدين ،عقب الاجتياح الإسرائيلى للبنان عام 1982، وبعد القضاء على المقاومة الفلسطينية بواسطة قوات شارون وبعض التيارات المسلحة فى لبنان،عرف باتفاق 17آيار، الذى وقعته الدولتان اللبنانية والإسرائيلية فى 17 آيار سنة 1983 فى عهد الرئيس أمين الجميل، ورئيس الوزراء شفيق الوزان، ونص على الانسحاب الإسرائيلى الكامل غير المشروط للجيش الإسرائيلى من كل الأراضى اللبنانية، ونال الاتفاق تأييد رئاسة الجمهورية، ومجلس الوزراء ومجلس النواب، كما باركته معظم الدول العربية. ولكن الوجود السورى فى لبنان وقتها رفض الاتفاق عبر التيارات المساندة له فى الداخل اللبنانى، واشتعل الشارع بمظاهرات منددة بالاتفاق ووصفه بالتبعية والخنوع، ولم يدم الاتفاق كثيرا إذ سرعان ما أصبح كأن لم يكن. فهل تسعى الولاياتالمتحدةالأمريكية الآن، لإحياء إتفاق 17آيار ،لتأمين حدود إسرائيل الشمالية من صواريخ حزب الله التى هدد أنها ستطال كل المدن الإسرائيلية، وهل تنجح أمريكا وإسرائيل مع الموافقة اللبنانية الرسمية على العرض فى سحب بساط القوة من تحت أقدام حزب الله، وبالتالى نزع سلاحه، وهو الذى أصبح أكثر قوة، مع تحقيقه نسبة لا بأس بها فى المقاعد النيابية الأخيرة، مما يساعده على الحصول على حصة فى الحكومة المزمع تشكيلها قريبا؟ وهل يدخل العرض الأمريكى الإسرائيلى للبنان ضمن ما يعرف بصفقة القرن، وتصفية قوى المقاومة العربية سواء فى لبنان أو فلسطين،مع تحجيم الدور الإيرانى المتنامى فى المنطقة؟ وهل تريد إسرائيل فى مقابل عرضها للسلام تحجيما لحزب الله؟ وهل يقبل حزب الله بالعرض الإسرائيلى برعاية أمريكية ؟ وماذا يحدث لو وافق لبنان واعترض حزب الله؟ الأيام القادمة وحدها ستحمل الإجابة بعد تقديم الوسيط الأمريكى إجابات واضحة حول الإيضاحات التى طلبها لبنان، عون وبرى والحريرى.