بلا شك أن الإعلان من أكثر العناصر تأثيرا فى الوعى العام لشعب ما، فهو يحمل رسائل مباشرة وموجهة وقصيرة ومتكررة، وفى معظم الأحيان مغلفة فى إطار جذاب. ولكن مع الاعلانات التى نراها اليوم الرسائل ليست كلها واضحة ومباشرة، بل هناك أخرى خفية ومبطنة، تتسلل بهدوء ودأب الى الوعى الباطني، حيث يتشكل توجه جديد، فى أغلبه خطير. فهناك الإعلان الذى يؤكد ضرورة أن «نثق فقط فى الأسماء الكبيرة», فما دام الاسم كبيرا، فيجب أن نختاره دون تردد. هذا الإعلان يضع النهاية الحتمية لآمال أى شاب أو شابة، يبدأون حياتهم بمشروعات صغيرة وأسماء صغيرة، ويأملون فى أن تجد التشجيع والتحفيز لكى تنطلق. هؤلاء الشباب يفقدون الثقة فى النفس عندما يدعو الإعلان إلى عدم الثقة فيهم لأن أسماءهم ما زالت صغيرة. أليس ذلك ضد توجه الدولة فى احتضان الشباب وأفكارهم ومشاريعهم؟ وإعلان آخر يطمئن المشترى أن منزله سوف يكون مؤمنا تماما داخل «كومباوند» به كل الأجهزة العالية الجودة، التى ستحميه من كل خطر. وذلك فى تنبيه علنى وخفى أن الخطر يحيط به من كل جانب؛ فيجب على كل مواطن التشكك فى نوايا زميله وجاره وأبناء وطنه ممن لا يملكون المال الكافى للسكن فى مثل تلك المدن الجديدة، وعليه أن يحتمى منهم داخل أسوار حديدية «مكهربة». أليست تلك رسالة عكس كل ما نطالب به من تسامح وتضامن وتآخ؟ وهناك إعلانات عن مدن جديدة داخل مصر، ولكنها تحمل كلها أسماء أجنبية، وذلك فى رسالة خفية، ولكن واضحة تماما، بأن تلك المدن العالمية التى تتشبه بمثيلتها فى الدول الأجنبية الغنية، ليست موجهة لنا، نحن أبناء الشعب المصرى العادي، ولكن لناس آخرين من طبقات وثقافات وربما جنسيات أخري، ليس من بينها المتحدثون بالعربية. أليس ذلك ضد كل دعوة لأن تتسع مصر للجميع؟ أما الإعلان الذى يؤلم ألما عميقا فهو ذلك الذى يؤكد أن بيت الزكاة والصدقات المصري، هو الضمان الوحيد والأكيد بأن زكاتنا سوف تذهب إلى أهدافها، لأنها تحت إشراف شيخ الأزهر. ومع كل الاحترام لشيخ الأزهر, فإن الإعلان يشير ضمنيا إلى عدم الثقة فى كل الجهات الأخري؛ على أساس أن كل الجهات الأخرى تفتقد للصدق وللنزاهة، ولا يجب الوثوق بها. ألا يدعو هذا الإعلان الى نشر مشاعر الكراهية بين الطوائف والطبقات؟ إن إعلاناتنا مصابة بانفصام شديد فى الشخصية، فهى من ناحية تقدم عالما يتمتع برفاهية غير واقعية وبعيدا عن متناول يد الغالبية الغالبة من أبناء الشعب المصرى المكافح، الذى يعيش معظمه تحت خط الفقر، ومن ناحية ثانية تظهر الفقر والمرض المتفشى فى أطفالنا وأهالينا البسطاء، وتطالب الجميع بالتبرعات، بل وتضع الطلب فى صيغة الأمر، بل فى شكل تهديد. والأخطر إنها سوف تنقل هذا الانفصام الى شخصية الشعب المصري، مما يؤدى الى انقسام أبناء الوطن الواحد، وتدمير الجسور التى نحاول بناءها بينهم؛ هذه الجسور التى نسعى من خلالها لنشر مشاعر الثقة والإخاء والألفة والاطمئنان بينهم. لمزيد من مقالات ليلى حافظ