يقول الله تعالى فى محكم تنزيله فى سورة الدخان: (فما بكت عليهم السماء والأرض وما كانوا منظرين)، الباب الذى يصعد منه العمل الصالح يبكى على صاحبه، فقد أورد الإمام الترمذى فى الجامع الصحيح أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: ما من عبد إلا و له بابان: باب يصعد منه عمله، وباب ينزل منه رزقه، فإذا مات فقداه وبكيا عليه. يقول الشيخ الإمام عبد الله سراج الدين: تبكى الأرض على موت المؤمن الصالح لأنه كان يعمل عليها أعمالاً صالحة، وكذلك تبكى عليه السماء لأنه كان يصعد له فيها الأعمال الصالحة، فالأرض تبكى على العبد الذى يذكر الله تعالى ويسبحه ويحمده على ظهرها، فقد أورد أبو الشيخ الأصبهانى فى العظمة عن أنس بن مالك رضى الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما من بقعة يُذكرُ اسمُ الله عليها بصلاة وذِكْرٍ إلا استَشرفَ بذكر الله عز وجل إلى منتهاها من سبع أرضين وإلا فَخِرَتْ على ما حولَها من البِقاع. وعند ابن المبارك فى الزهد والرقائق: وما من عبد يقوم فيصلي، إلا تزخرفتْ (تزينتْ) له الأرض. فكل مؤمن له أنوار إيمانية، وبركات من قرباته وطاعاته، تَدُرُّ عليه من العزيز الغفار، وعلى بقعته ومكان عبادته، فإذا فقدت السموات والأرض أنوار تلك الطاعات الصاعدة إلى الله تعالى، وافتقدت تلك الرحمات والبركات النازلة بسبب عباداته وطاعاته: بكت السماء وبكت الأرض أسىً وحزناً، لأن السموات والأرض يعتريهما التأثر مما يعمل العباد على وجه الأرض، فيعتريهما الغضب والتغيظ من الكفر والفسوق والعصيان، ويعتريهما الفرح والسرور والاستبشار بما يعمل فى الأرض من الطاعات والعبادات والقربات، يقول جل شأنه فى سورة مريم: (تكاد السموات يتفطرن منه وتنشق الأرض وتخر الجبال هداً) فقد أثبت الله تعالى للأرض غضباً وتغيظاً شديداً على من نسب لله تعالى الولد، كما أثبت سبحانه للأرض أداء الشهادة والتحدُّثَ يوم القيامة بما عُمل على ظهرها فى الدنيا من خير وشر، ومن طاعة ومعصية، يقول الله تعالى فى سورة الزلزلة: (يومئذ تحدث أخبارها) وأورد الترمذى فى الجامع الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ هذه الآية: (يومئذ تحدث أخبارها) قال: أتدرون ما أخبارها؟ قالوا: الله ورسوله أعلم. قال : فإن أخبارها أن تشهد على كل عبد أو أَمَةٍ بما عمل على ظهرها تقول: عمل يوم كذا كذا وكذا، فهذه أخبارها.