ذكرنى مقتل المصرية مريم مصطفي، وموقف النظام والعدالة البريطانيين المخزى من دمها المهدور، بجريمة شهيرة اهتزت لها مصر عام 1923 حين قتلت بدم بارد الفرنسية مارجريت ميللر أو مارجريت فهمي، زوجها الوجيه المصرى المليونير الشاب على بك فهمى البالغ من العمر ثلاثة وعشرين عاماً، فى فندق سافوى الشهير بالعاصمة البريطانية لندن، حين أطلقت على رأسه ثلاث رصاصات من مسدسها عامدة متعمدة فأردته قتيلا، وحوكمت الزوجة الفرنسية القاتلة فى محراب العدالة البريطانية الأشهر وفخرها «أولد بيليز كورت»، ووكلت أكبر محام بريطانى وقتئذ للدفاع عنها وهو السير «مارشال هول». فحوّل هول المحاكمة من محاكمة قاتلة قتلت زوجها مع سبق الإصرار والترصد، إلى محاكمة القتيل المسلم الشرقى على دينه وهويته ومنشأه، ولقد دفعت القاتلة لهذا المحامى من أموال زوجها مبلغاً باهظاً جداً بمقاييس وقتئذ يقدر بخمسة آلاف وخمسمائة جنيه، ومثله للصحافة البريطانية لتأليب الرأى العام وحشده ضد الزوج القتيل. ووجدت مرافعة هول آذاناً مصغية وقلوباً حانية من المحلفين الإنجليز الذين كانوا يمثلون الشعب البريطانى المحتشد حول قاعة المحاكمة طوال مدة انعقادها، وأخذوا يهتفون ضد القتيل المسلم الشرقى الهمجي، فقرروا فى نهاية المحاكمة أنها غير مدانة وحكم القاضى الانجليزى ببراءتها، لتعلو هتافات الشعب خارج مبنى المحاكمة تشيد بالعدالة البريطانية، التى زادت على ذلك أن حكمت للزوجة القاتلة بأن ترث كل ثروة زوجها الطائلة، وما أشبه الليلة بالبارحة، وها هى العدالة البريطانية تميط اللثام بعد نحو مائة عام مرة أخرى عن حقيقتها الزائفة ونفاقها وتعصبها وعنصريتها فى قضية الشهيدة مريم مصطفي، فليمتنع المرجفون المشيدون فى كل المواقف بعدالة الغرب وقضائه النزيه، حيث لا عدالة ولا نزاهة، إذا مثل أمثالنا أمامه. د. يحيى نور الدين طراف