لا أظن أننا في حاجة, إلي تكرار الحديث عن الأهمية الاستراتيجية لشبه جزيرة سيناء بالنسبة لمصر, ولذلك لم يكن غريبا ان تكون سيناء عبر التاريخ وما تزال, هي إقليم الألم والهم الأزلي للوطن الأم,في رحلته الطويلة بين الحرب والسلام, فعلي أرضها دارت حروبنا, وأريقت دماء انبل واطهر شبابنا, وابتلعت رمالها اموالنا وأندر مواردنا, وتعطلت بسببها معظم خطط تنمية اقتصادنا. منذ نكبة(1948) مرورا بعدوان(1956) ثم نكسة(1967) فالعبور العظيم لقواتنا في عام(1973). وعودتها إلي حضن الوطن في25 أبريل1982, وأخيرا عودة آخر جزء محتل منها طابا بعد لجوئنا إلي التحكيم الدولي لاستعادتها, في مارس( ؟؟؟؟؟؟), وعلي الرغم من الجهود الحكومية, التي وجهت لتنمية سيناء منذ بداية الخطة الخمسية(1987/82), الا ان اتساعها وترامي اطرافها وتنوع جغرافيتها وتضاريسها, قد أدي إلي صدور القرار الجمهوري رقم84 لسنة(1997) بتقسيم شبه جزيرة سيناء إلي محافظتين: شمال سيناء وعاصمتها العريش, وجنوب سيناء وعاصمتها طور سيناء, لتضم المحافظتين معا نحو61 ألف كيلو متر مربع, تمثل نحو6% من اجمالي مساحة الجمهورية, والبالغة مليون كيلو متر مربع, غير انه من اللافت للنظر أن بشائر السلام التي كنا ننتظرها من عودة سيناء بكنوزها الينا, لم تكن بقدر الطموح والوضوح الذي كنا ننتظره منها أو نأمله فيها, ليس هذا فحسب, بل أن تتابع الأمور وحوادث الارهاب التي شهدتها سيناء منذ سنوات ومستجداتها الأخيرة التي أدمت قلوبنا في رفح, قد ألقت بظلال كثيفة علي علاقتنا بها, واستحضرت إلي وعينا وذاكرتنا الدموع التي ذرفناها لاستعادتها, والرجاء المأمول الذي كنا ننتظره منها..!! ان أي محاولة للبحث في فهم اسباب ودوافع, تكرار الحوادث الدامية المفجعة المتكررة في سيناء شمالا وجنوبا وبغض النظر عن ادانتها بكل السبل والوسائل, فضلا عن بشاعة وفداحة الحادث الارهابي الأخير الخطير برفح, إنما تقتضي منا بالضرورة النظر إلي بعض المسائل, التي ربما يساعدنا إلقاء الضوء عليها, في الفهم والاحاطة بملابستها, ومن ثم الحذر والتحوط من تكرارها, أو علي الأقل التقليل من فرص حدوثها, وفي هذا الشأن يمكننا الاشارة إلي ما يلي: اولا: أن كل الجهود التي بذلت حتي الآن لتنمية سيناء, لم تؤد إلي احداث نقلة كيفية ونوعية وكمية في تنميتها ديموجرافيا, بالشكل الذي كان ينبغي حدوثه, فبينما كان من المفروض حسب اتساعها ولضرورات اعمارها, ان تصبح منطقة جذب سكاني لملايين المصريين, تبين أن هذا لم يحدث كما كان مخططا, حيث لا تزال محافظتا شمال وجنوب سيناء, من أقل محافظات الجمهورية فيما يتعلق بنسبة الكثافة السكانية إلي المساحة المأهولة. ثانيا: أن توجه الدولة للاهتمام بتنمية سيناء سياحيا كان علي ما يبدو علي حساب تنمية القطاعات الأخري, ليس هذا فحسب, بل أن هذا التوجه, ربما لم يصادف اهله!!, فمن المعروف أن سيناء بطبيعتها الغالبة انما هي مجتمع قبلي بدوي صحراوي, حيث يغلب علي أهله الاشتغال بمهن الزراعة ورعي الابل والصيد وبعض الصناعات الحرفية البدوية البسيطة, وبالتالي فإن قضية قبولهم وحماسهم للعمل بالنشاط السياحي حتي مع اتاحته لهم وهو ما لم يحدث بالفعل عل ينطاق كبير كان محل شك كبير, ومن هذا يتضح اننا ازاء حالة خاصة لمجتمع يختلف كلية عن مجتمع وادي النيل, حيث القبيلة هي معين الحدث وميقاته كما يقولون, وليس هناك للتدليل علي صحة ذلك, من ملاحظة البون الشاسع والتفاوت المذهل بين أحوال وظروف معيشة الأغلبية من سكان سيناء من البدو, بمقارنتهم مع هؤلاء المرتبطين بحياة المنتجهات أو البؤر السياحية علي قلتها النسبية فيها, فبينما جاءت مدينة شرم الشيخ كأفضل مدينة علي مستوي الجمهورية بالقياس لمعيار أو مؤتمر دليل التنمية البشرية وبينما احتلت مدينة دهب المركز الرابع علي مستوي الجمهورية ايضا, لاحظنا تدهور الظروف المعيشية للسكان في مراكز ومدن سيناء الأخري, حيث جاءت مثلا مدينة أبوزنيمة, سانت كاترين في المركزين(110),(230) علي الترتيب, من هذا يتضح أن من يجني ثمار السياحة في سيناء, هم المشتغلون بها والمرتبطون بأنشطتها وأصحاب منتجعاتها وحدهم, وإذا اعتبرنا أن أغلبهم إن لم يكن كلهم, هم في الحقيقة من الوافدين اليها من أبناء الوادي, فإننا نستطيع القول بدرجة ثقة كبيرة, أن غالبية أهالي سيناء لا يزالون يلتحفون السماء ويجوبون الصحاري والوديان بحثا عن القوت, ناهيك عن القلة منهم التي استمرأت بفعل ظروف التهميش الاجتماعي والاقتصادي والأمني العمل والاتجار في الممنوعات كالسلاح والمخدرات وغيرها من الممنوعات..!! ثالثا: آن الآوان لإعادة النظر في الترتيبات الأمنية والوجود العسكري المصري, علي كامل التراب الوطني في سيناء, باعتباره ضرورة حياتية وملحة للأمن القومي المصري, وإذا كانت اتفاقية السلام قد ضمت لإسرائيل وجودا عسكريا مصريا هشا في سيناء كلها. وخاصة في المنطقة( ج) المتاخمة لحدودنا معها. والذي اقتصر طبقا لبنود الاتفاقية, علي اعداد محدودة للغاية من الجنود المسلمين بأسلحة متواضعة وغير كافية, كما اتضح لنا من النتائج الكارثية للهجوم الوحشي الأخير علي قواتنا برفح, فإن مطلبنا هذا لا يمكننا التهاون فيه أو التفاف أي طرف عليه. لقد كان تفريغ حدودنا الشرقية من تواجد قواتنا النظامية في سيناء بالشكل وبالكيفية اللازمتين, خطيئة كبري لنا, أدت وبالتوازي إلي انتشار مظاهر الانفلات والقوي الخارجة علي القانون, فضلا عن قوي الارهاب الدولي, والذي وجد في هذا الفراغ الأمني, ظروفا موالية لبسط نفوذه علي المهزومين نفسيا واقتصاديا واجتماعيا من بعض المصريين الموتورين هناك, مما سمح لهم بتهديدنا وفرض سطوتهم ومنطقهم المعوج علينا. ليس أمامنا ولنا, من رجاء أو خيار, في سيناء العزيزة علي قلوبنا جميعا, الا بتنميتها, وزرع البشر من المصريين بها وعلي امتدادها وفي كل ربوعها, وفي هذا الاطار علينا بعد أن انفقنا الكثير في الغناء لها وفقط, أن نعتبرها وبحق هي الاقليم الأولي بالرعاية والاهتمام علي ما سواها, وبهذا يمكننا ان لدمجها وأهلها معنا في بوتقة الوطن الواحد, ومن ثم نضمن بذلك, انلا تكون في المستقبل القريب أو البعيد مصدرا دائما لدموعنا. ان الاهتمام بجميع الملفات: الأمنية الجنائية, والعسكرية, والاجتماعية, والاقتصادية لسيناء, هي الفريضة الغائبة عنا, وإن لم نلتفت إلي كل هذا ونفعله, فلا نلومن إذن إلا انفسنا..؟! هذه الصرخة يطلقها الدكتور حسام بريري أستاذ الاقتصاد الزراعي بجامعة الأزهر, واضم صوتي إلي صوته في ضررة الالتفات إلي سيناء.. ونحيي قرار الرئيس محمد مرسي بالقضاء علي كل بؤر الارهاب الموجودة بها والتي لم يكن يخطر علي بال أحد أن يكون الوضع فيها بهذا السوء والتردي.