فى الثانى عشر من مايو الجارى سيكون العراقيون على موعد مع غمس أصابعهم فى الحبر الفوسفورى , فى تجسيد لمشاركتهم فى عملية الاقتراع المرتقبة فى هذا اليوم , لاختيار أعضاء مجلس النواب الجديد ,وذلك فى عملية إنتخابية تبدو استثنائية قياسا لأى إنتخابات سابقة جرت بعد الاحتلال الأمريكى قبل نحو خمسة عشر عاما .ولعل أهم ملامح الطابع الاستثنائى لهذه العملية, تتمثل فى أنها تأتى فى مستهل مرحلة ما بعد الإنتصار على تنظيم داعش الإرهابى , الذى أقض مضاجع العراقيين على مدى ثلاث سنوات, الأمر الذى نتج عنه توحد رؤية قواه السياسية على هذا الهدف , وكان من المأمول أن يكون هذا التوحد أو على الأقل حده الأدنى ,عنوانا لعلاقات هذه القوى خلال العملية الإنتخابية , على نحو يقلل من مساحة الخلافات والتناقضات فيما بينها , غيرأن اللافت أن الاستعداد لها وسع وعمق من هذه المساحة ما أدى الى بروز خارطة جديدة من التحالفات , وإن كانت هذه القوى – وهو ماينطوى على تطور إيجابى فى حد ذاته قد تبنت جملة من التوجهات والنزعات الجديدة التى تتمحور حول التحول نحو المدنية الليبرالية، وإعداد برامج للمرحلة المقبلة تقوم على مفاهيم المواطنة وسيادة الوطنية، سعيا لديمقراطية حقيقة، وإقرار مبدأ التعددية السياسية بما يتوافق مع المصلحة الوطنية للدولة العرقية بعيدًا عن الطائفية والمذهبية التى طغت على الحياة السياسية منذ الاحتلال الأمريكى فى 2003 وحتى الآن . ويبلغ عدد القوى السياسية المشاركة فى العملية الإنتخابية 250 حزبا وكيانا, بعد أن حصلت على موافقة المفوضية العليا فى ديسمبر الماضى،وقد دخل ما يقرب من 143 منها فى تحالفات بلغ عددها 27 تحالفًا ,وشهدت مرحلة ما قبل الانتخابات اتساع حالة الإنقسام ليس بين بين المكونات الكبرى الثلاث : السنية والشيعية والكردية فحسب , وإنما امتدت الى كل مكون بحيث تبدو الخارطة الإنتخابية أِشبه بموزاييك متنوع ومتعدد على نحو ستكون له تداعياته على نتائج العملية الانتخابية ذاتها. فعلى صعيد القوى الشيعية, فإنها تمربالمرحلة الانقسامية الأسوأ منذ عام 2003 ,والتى بدأت بفصل عمار الحكيم عن «المجلس الإسلامى الأعلى فى العراق» وبتأسيس «حركة الحكمة» وبالإضافة إلى ذلك، تمثل هذه المرحلة نهاية «الزواج الكاثوليكي» بين «منظمة بدر» و»ائتلاف دولة القانون» بقيادة نورى المالكى , ويرأس هادى العامري، وهو زعيم «منظمة بدر»، «ائتلاف الفتح» الذى يتكون من أجنحة سياسية للجماعات التى شكلت «قوات الحشد الشعبي» مثل «عصائب أهل الحق»، وأيضا من القوى السياسية التقليدية مثل «المجلس الأعلى الإسلامى فى العراق». كما أثر الانقسام السياسى ب «ائتلاف دولة القانون» فى جوهره، ألا وهو «حزب الدعوة الإسلامية» , فهذا الحزب غير منقسم بشكل رسمي، ولكن يتوزع أعضاؤه على لائحتين انتخابيتين إحداهما «ائتلاف دولة القانون» بزعامة نورى المالكى نائب رئيس الجمهورية والطامح بقوة للعودة الى موقع رئيس الوزراء والأخرى «تحالف النصر» برئاسة رئيس الوزراء حيدر العبادى ,والذى يقوم طبقا لما أعلنه فى حوار خاص للأهرام «فى فبراير الماضى على رفض المحاصصة والطائفية والنعرة المذهبية لأن الشارع العراقى أسقط حسب رؤيته كل من لديه نزوع طائفى أومذهبى خلال السنوات المنصرمة، ويضم هذا التحالف أعضاء حزب الدعوة الإسلامية وعددا من الشخصيات السنية والكردية ,وفى السياق الشيعى أيضا , شكل «التيار الصدري» بقيادة مقتدى الصدر تحالف «سائرون من أجل الإصلاح « الذى يضم الى جانب تياره الحزب الشيوعى العراقى والمفارقة أن التيار دخل فى هذا التحالف ليس باسمه الصريح وإنما تحت اسم حزب الاستقامة والذى يقال أنه أن يضم مجموعة من المرشحين المستقلين .. أما القوة السياسية السنية؛ برغم كونها ستخوض الانتخابات التشريعية بما يقرب من 50حزبًا وكيانا سياسيًا، فإن انقسامها الحاد لم يظهر حديثا، بل حدث مباشرة بعد انتخابات عام 2010 حيث، اتحدت القوى السياسية السنية الرئيسية مع الشخصية الليبرالية الشيعية إياد علاوى فى «اللائحة العراقية». ولكن فى عام 2014، انقسموا بين «الاتحاد من أجل الإصلاح» الذى ضم سياسيين مثل سالم الجبورى وأسامة النجيفى وقاسم الفهداوي، و»تحالف العربية» بقيادة صالح المطلك ,ولا يزال السنة منقسمين فى انتخابات 2018 بين قائمتين رئيسيتين، ولكن بتحالفات مختلفة فقد دخل إياد علاوى وسالم الجبورى وصالح المطلك فى «اللائحة العراقية» إلى جانب بعض قادة «قوات الحشد الشعبي» السنية , وشكل أسامة النجيفى وشقيقه أثيل النجيفى «تحالف القرار» إلى جانب قوى أخرى . أما القوى الكردية؛ فإنها تعانى من الانقسام خاصة بعد الاستفتاء الفاشل على الانفصال فى سبتمبر الماضى، ولم تعد موحدة تحت مظلة ائتلاف «التحالف الكردستانى « ويبرز التحالف الذى تم تشكيله حديثا بين «تحالف الديموقراطية والعدالة» و«حركة كوران» و»الجماعة الإسلامية فى كردستان» كمرشح قوى للغاية ,وقد أعلن «الاتحاد الوطنى الكردستاني» و«الحزب الديمقراطى الكردستاني»، وهما الجناحان الرئيسيان ل «التحالف الكردستاني»، فى وقت سابق أنهما سيشاركان فى الانتخابات فى لائحتين انتخابيتين منفصلتين. الأمر الذى يترك الجانب الكردى من الانتخابات أكثر انقساما الآن من أى وقت مضى . وثمة تداعيات متوقعة لهذا الانقسام السياسى تتجلى بصورة رئيسية فى أنها ستشكل عائقا أمام تشكيل حكومة ائتلافية، ولن يسمح تخصيص مقاعد البرلمان المقبل لواحد أو اثنين من الائتلافات بتشكيل الغالبية,ويمثل الوجود المتزايد للقوى الصغرى واحدا من ملامح الانتخابات العراقية, فهى قد فصلت نفسها عن التحالفات الكبرى ,واختارت أن تخوض السباق الانتخابى بمفردها.