"في ممارستي لمهنة المحاماة وقفت مدافعا عن عشرات الصحفيين الكبار، والمبتدئين، وكان الشرط الوحيد الذي أتحقق منه بنفسي قبل أن أتحمل مسؤولية الدفاع عن أي منهم هو ذلك الصدق اللازم في الخبر، أو الجهد المبذول في التحري". هكذا قال الفقيه القانوني الدكتور محمد سليم العوا، في صفحته على "فيس بوك" يوم 24 مارس عام 2011، مجسدا أهمية التحلي بالصدق الصحفي، ذلك أن خطر انتشار الأخبار الكاذبة لا يقف عند حد إضعاف الجبهة الداخلية، لمصلحة الأعداء، وإنما يتجاوزه إلى تشكيك الجماهير في قدرة قيادتها على الحكم الرشيد، وتشجيع الخروج على القانون من قبل الأفراد والجماعات. ويفاقم من حدة الأمر عدم التزام تلك الصحف بنشر التكذيبات أو التصويبات التي تصل إليها، برغم أن الخبر يكون على دَخَل، وخلل، وغرض. والسؤال الآن: ما مسئولية المجتمع والقانون ونقابة الصحفيين في التصدي للأخبار الكاذبة؟ ثم على من تقع مسئولية ملاحقة الصحفيين الكاذبين؟ لا مفر أمام نقابة الصحفيين بالتأكيد من قيامها بالدور المأمول في هذا الصدد حفاظا على سمعة الصحفيين، وللحيلولة بينهم وبين "جرجرتهم" إلى المحاكم، إعمالا لميثاق الشرف الصحفي، وآداب المهنة؛ حتى لا يستمرئ هؤلاء الكذب، ويتحول إلى داء متأصل فيهم، مما يلحق أبلغ الأذى بالحقيقة، ويسهم في تضليل الرأي العام. يقتضى الأمر إذن التحقيق النقابي مع الصحفي، ومؤاخذته على كذبه وتلفيقه، وحتى شطبه من جداول النقابة، إن اقتضى الأمر ذلك، باعتبار أن ما قام به خيانة للمهنة، وجريمة مخلة بالشرف. الكاتب والمذيع أحمد منصور نصح في مواجهة الأكاذيب الصحفية بالقول :"أقول لكل مصرى شريف يجد خبرا مكذوبا أو تشويها لصورته فى الصحف الصفراء والمأجورة :"اذهبوا إلى المحاكم، وخذوا حقكم بالقانون"، محذرا من أن الاستمرار فى سياسة الصمت ربما يقود إلى عواقب وخيمة فى تشويه سمعة المرء على المديين البعيد والقريب. لكن ماذا يقول القانون؟ أوجب ميثاق الشرف الصحفي أن يلتزم الصحفي بالالتزام بما ينشر بمقتضيات الشرف والأمانة والصدق، بما لا ينتهك حقاً من حقوق المواطنين أو يمس إحدي حرياتهم، وكذا الالتزام بعدم اتهام المواطنين بغير سند أو في استغلال حياتهم الخاصة للتشهير بهم أو سمعتهم أو لتحقيق منافع شخصية من أي نوع. وإذا كان القانون الجنائي يضبط حمايته علي الأشخاص في أبدانهم وأموالهم فإنه يبسطها كذلك علي اعتبارهم وشرفهم. وفي هذا السياق أكدت أحكام المحاكم أن القانون إن كان لا يتطلب في جريمة القذف قصدًا خاصًا، بل يكتفي بتوافر القصد العام الذي يتحقق متى نشر القاذف الأمور المتضمنة للقذف، وهو عالم أنها لو كانت صادقة لأوجبت عقاب المقذوف أو احتقاره. كما نص قانون العقوبات في المادة 188 منه على أنه: "يُعاقب بالحبس مدة لا تجاوز سنة وبغرامة لا تقل عن خمسة آلاف جنيه، ولا تزيد على عشرين ألف جنيه أو بإحدى هاتين العقوبتين كل من نشر بسوء قصد بإحدى الطرق المتقدم ذكرها، أخبارًا أو بيانات أو إشاعات كاذبة أو أوراقًا مصطنعة أو مزورة أو منسوبة كذبًا إلى الغير". وأكدت المادة 302 من قانون العقوبات أيضا أنه "يُعد قاذفًا من أسند لغيره بواسطة إحدى الطرق المبينة بالمادة 171 من هذا القانون أمورًا لو كانت صادقة لأوجبت عقاب من أسندت إليه بالعقوبات المقررة بذلك قانونًا، أو أوجبت احتقاره عند أهل وطنه". وبجانب الشق القانوني، يرى بعض خبراء الصحافة أن الحل الناجع لنشر الأكاذيب هو فتح باب النقاش المجتمعى بين مكونات المجتمع كافة من أجل وضع ميثاق شرف يصوغه الصحفيون لمحاسبة أنفسهم، ورصد التجاوزات، وسن الضوابط . والأمر هكذا، تداعى نفر من الإسلاميين والإعلاميين إلى لقاء يوم الأحد 29 يوليو 2012 في نادي الصحفيين بشارع البحر الأعظم بالجيزة من أجل إرساء :"علاقة جديدة بين الإسلاميين والإعلاميين''. حضر اللقاء قيادات حزبي الحرية والعدالة، والنور، والجماعة الإسلامية، والطرق الصوفية، وعشرات النقابيين والمحرريين المعنيين بالشئون الإسلامية السياسية بالصحف والمواقع. واختتم اللقاء ببيان مشترك توافق فيه الإسلاميون والإعلاميون على "عقد اجتماعي" جديد يحكم العلاقة بينهما، وينص بالنسبة للإسلاميين على أن يتعاونوا مع الصحف كافة، مما يوفر المعلومات من مصادرها الصحيحة، ولا يجعل الإعلاميين يلجأون إلى "مصادر مطلعة"، وغيرها من الصيغ. كما اتفق الطرفان على السعى لإنهاء مناخ التربص والاستقطاب وافتراض سوء النيات بينهما، كبادرة لتصحيح العلاقة بينهما. وبالنسبة للصحفيين نصت المبادرة على الالتزام بالمهنية والموضوعية، وعدم نشر شائعات أو معلومات خاطئة. وتعهد الصحفيون بالحرص على علاقة ودية مع مصادرهم، وأن يتقبل الصحفي المخطئ (بالكذب) لجوء المصدر للقضاء لنيل حقه إذا لم يتم إصلاح الخطأ على صفحات الجريدة. وأخيرا: اتفق الطرفان على اعتبار البيان "مبادرة شرف" يسعي الإسلاميون ووسائل الإعلام إلى تبنيها، بعقد مزيد من اللقاءات الدورية بينهما. ولا شك أنها مبادرة طيبة تستهدف نزع فتيل الأزمة، لكنها تحتاج إلى البناء فوقها، وصولا إلى إعلام شفاف، ومسئول. والبداية تكون بالصفح والعفو والشفافية. [email protected] المزيد من مقالات عبدالرحمن سعد