الصين هى أول دولة يستهدفها الرئيس الأمريكى دونالد ترامب بتصريحاته العدائية منذ توليه الرئاسة بل قبل ذلك أثناء حملته الانتخابية فى 2016 عندما اتهم ترامب الصين بارتكاب أكبر عملية سطو ضد الولاياتالمتحدة بسبب سياسات بكين التجارية وتلاعبها بالعملة وتعهد المرشح ترامب فى ذلك الوقت بفرض رسوم جمركية على الصين التى تضر بالاقتصاد الأمريكى وهو ما نفذه بالفعل بعد فوزه بالرئاسة.وتنفيذا لشعار «أمريكا أولا» أشعل ترامب حربا تجارية ليس مع الصين وحدها ولكن أيضا مع عدة دول صناعية أخرى بإعلانه فى مارس الماضى فرض رسوم جمركية بنسبة 25٪ على واردات الولاياتالمتحدة من الصلب و10٪ على وارداتها من الألومنيوم مبررا ذلك الإجراء بحماية الصناعة الأمريكية التى تعرضت لعقود من السياسات التجارية غير العادلة، بحسب تعبيره. ورغم أن القرار الأمريكى استهدف الاتحاد الأوروبى واليابان والبرازيل وعدة دول أخرى، إلا أن الأمر اتخذ منحى أكثر تصعيدا وتوترا مع الصين باعتبارها الدائن الأكبر لأمريكا حيث وصل العجز التجارى الأمريكى مع الصين إلى 375٫2 مليار دولار عام 2017. وبدأ ترامب ذلك التصعيد بتوقيعه مذكرة تمهد الطريق لفرض رسوم جمركية على الصادرات الصينية إلى الولاياتالمتحدة تصل قيمتها إلى 60 مليار دولار، وهو ما ردت عليه الصين بفرض جمارك بمليارات الدولارات على المنتجات الأمريكية وتسابقت الدولتان فى الإعلان عن إجراءات جمركية انتقامية ضد بعضهما البعض. أما الاتحاد الأوروبي، فقد هدد هو الآخر بفرض جمارك على المنتجات الأمريكية وقدم شكوى ضد الولاياتالمتحدة لمنظمة التجارة العالمية. ورغم حدة وعنف الإجراءات المتخذة من كل أطراف ذلك الصراع التجارى العنيف، فإن الحقيقة أن شيئا من هذه الإجراءات لم ينفذ على أرض الواقع، فقد فتح الرئيس الأمريكى - الذى له باع طويل فى دنيا المال والأعمال - الباب أمام الدول «المتضررة» من قراره للتفاوض على «استثناءات» من تلك الإجراءات وهو ما تقوم به بالفعل حاليا إدارة ترامب مع كل من الصين والاتحاد الأوروبي. والحقيقة أن إعطاء ترامب مهلة للتفاوض مع أطراف النزاع التجارى يرجح أن الضجة التى أثارها بإعلانه الرسوم على الصلب والألومنيوم ما هى إلا ورقة ضغط وخطوة فى طريق «المساومة» لإجبار الصين وأوروبا على إيقاف كل القيود التجارية المفروضة على المنتجات الأمريكية. والخوف الأكبر أنه إذا فشلت محاولات ترامب فى «إبتزاز» شركائه التجاريين، فقد يتجه الجميع إلى تنفيذ تهديداته لنجد أنفسنا أمام حرب تجارية مكتملة الأركان تسودها أجواء من حمائية تجارية تخنق العالم كله.وفى النهاية فإن البعض يتفق مع الرئيس الأمريكى فى أن «حربه التجارية» هى من أجل حماية الصناعة الأمريكية والتى يعتبرها ترامب مسألة أمن قومي، والبعض الآخر يرى أنها «تهور» يهدد العالم بكارثة اقتصادية ، ولكن المؤكد أن الكل يجمع على أن مستقبل الاقتصاد العالمى فى عهد ترامب يحيطه الكثير من الغموض.