الأعلى للإعلام: استدعاء الممثليين القانونين لعدد من القنوات الفضائية بسبب مخالفة الضوابط    المشاط تفتتح ورشة العمل الإقليمية للبنك الدولي لإعداد تقرير عن الأمن الغذائي والتغذية    الرئيس السيسي يصدق على العلاوة الدورية والخاصة للموظفين بالدولة    خامنئي: إسرائيل ستدفع ثمناً باهظاً    الأردن يدعو لنزع «النووي» ويواصل جهود التهدئة    الأزهريعتمد نتيجة «التأهيلي» والابتدائية والإعدادية ل«أبنائنا في الخارج»    السجن 7 سنوات لعاطل لسرقته طفلين تحت تهديد السلاح بقنا    خبير علاقات دولية: توقعات بامتداد التصعيد العسكرى بين إيران وإسرائيل لأسابيع    احتراق مقر الموساد إثر ضربة إيرانية.. ما حقيقة الفيديو المتداول؟    منها الديربي.. عمر مرموش يغيب عن 5 مباريات بالموسم الجديد لهذا السبب    خبير تأمين: توقعات بزيادة أسعار التأمين البحرى وفرض شروط احترازية جديدة بسبب الحرب    حماة الوطن: الحزب منفتح على التحالف مع الأحزاب الأخرى في الانتخابات    «بينهم سيدة».. تأييد السجن 3 سنوات لمتهمين بحيازة المخدرات في بني مزار بالمنيا    "بحوث الصحراء" يواصل تقديم الدعم الفني والإرشادي لمزارعي سيناء    وفاة اللواء منير يوسف شقيق الفنان الراحل حسن يوسف    قصور الثقافة تواصل برنامج مصر جميلة لتنمية المواهب بمدينة أبو سمبل    توقعات برج القوس في النصف الثاني من يونيو 2025.. وتحذير مالي    ما حكم الصلاة الجهرية بالقراءات الشاذة؟.. الإفتاء تجيب    خبيرة الطاقة: «الساعة الذهبية قبل مغرب الجمعة» طاقة روحانية سامية    محافظ الجيزة يلتقي أعضاء برلمان الطلائع ويؤكد دعم الدولة لتمكين الشباب    السجن 7 سنوات لبلطجي في قنا سرق طفلان تحت تهديد السلاح    ضبط 4 طن لحوم ودجاج مجهول المصدر ومنتهي الصلاحية بالشرقية    حكم ضمان ما تلف فى يد الوكيل من أمانة.. دار الإفتاء تجيب    محافظ الدقهلية: 1224 مواطنًا استفادوا من القافلة الطبية المجانية    رسميًّا.. ضوابط جديدة للمدارس الخاصة والدولية بشأن توزيع الكتب    إدراج 27 جامعة مصرية ضمن أفضل الجامعات العالمية ضمن تصنيف «U.S. News» ل2025–2026    تعرف على جدول مباريات مانشستر سيتى فى الدورى الإنجليزى موسم 2025 - 26    لطلاب الثانوية العامة 2025.. ننشر «pdf» مراجعة ليلة امتحان اللغة العربية    حبس معلمة 4 أيام بتهمة محاولة تسريب امتحان ثانوية عامة بالشرقية    سفير إيران: إذا ثبت لدينا تورط واشنطن بالحرب فسنبدأ بالرد عليها    هبوط جماعي لمؤشرات البورصة ببداية جلسة الأربعاء    المصرف المتحد ضمن قائمة فوربس لأقوى 50 شركة في مصر خلال 2025    "تأجيل مفاجئ لصفقات الزمالك".. الغندور يكشف التفاصيل    بهاء وهيكل.. ذكريات لها تاريخ!    مش بس نور الشريف.. حافظ أمين عاش بمنزل السيدة زينب المنهار بالدور الأرضى    "شرط غير قانوني".. مفاجأة مدوية حول فشل انتقال زيزو ل نيوم السعودي    «أبرزهم بيرسي تاو».. شوبير يؤكد مفاوضات الزمالك مع ثلاثي أهلاوي    شوبير يكشف حقيقة مفاوضات نادٍ أمريكي مع مهاجم الأهلي وسام أبوعلي    هيئة الرقابة النووية: مصر آمنة إشعاعيًا.. ولا مؤشرات لأي خطر نووي    طلاب تجارة عين شمس يحصدون منحة "إيفل" الفرنسية للتميز الأكاديمي    ضبط 14 مركزا لعلاج الإدمان بدون ترخيص    بعد الموافقة النهائية من «الإسكان».. تفاصيل عقود الإيجارات القديمة التي تطبق عليها التعديلات    تنفيذ 9264 عملية عيون للمرضى غير القادرين بأسوان    محافظ دمياط يناقش ملف منظومة التأمين الصحى الشامل تمهيدا لانطلاقها    سعر الدولار اليوم الأربعاء 18-6-2025 أمام الجنيه المصرى فى بداية التعاملات    طقس اليوم الأربعاء.. انخفاض جديد في درجات الحرارة بالقاهرة    طريقة عمل الحجازية، أسهل تحلية إسكندرانية وبأقل التكاليف    السلطات الإيرانية تمدد إغلاق الأجواء في البلاد    كاد يكلف صنداونز هدفا.. تطبيق قانون ال8 ثوان لأول مرة بكأس العالم للأندية (صورة)    مقاومة متواصلة ضد الاحتلال .. القسام تدمر ناقلتي جند وسرايا القدس تسقط طائرة مسيرة    مينا مسعود: السقا نمبر وان في الأكشن بالنسبة لي مش توم كروز (فيديو)    الكشف المبكر ضروري لتفادي التليف.. ما علامات الكبد الدهني؟    جاكلين عازر تهنئ الأنبا إيلاريون بمناسبة تجليسه أسقفا لإيبارشية البحيرة    ألونسو: مواجهة الهلال صعبة.. وريال مدريد مرشح للتتويج باللقب    جدال مع زميل عمل.. حظ برج الدلو اليوم 18 يونيو    الشيخ أحمد البهى يحذر من شر التريند: قسّم الناس بسبب حب الظهور (فيديو)    نجم سموحة: الأهلي شرف مصر في كأس العالم للأندية وكان قادرًا على الفوز أمام إنتر ميامي    الأبيدى: الإمامان الشافعى والجوزى بكيا من ذنوبهما.. فماذا نقول نحن؟    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



لعبة العصا والجزرة فى التعامل الأمريكى مع التنين الأصفر
كيف تحولت الصين الشيوعية إلى نظام رأسمالية الدولة ؟

يبدو أن الرئيس الأمريكى دونالد ترامب بعد أكثر من عام على توليه السلطة وبعد أن زرع فى نفوس الأمريكيين مزيدا من الكراهية والعنصرية لكل ماهو غير أمريكى لايزال مصرا على مواقفه. ترامب لايريد أن يستمع إلى صوت العقل حتى من أقرب معارفه المقربين ، ولايريد أن يتحقق السلام إلا لأمريكا فقط على حساب العالم . سياساته ومواقفه سوف تودى بالعالم الى حرب باردة لسنا فى حاجة إليها. لم تعد هناك دولة باستثناء إسرائيل تثق فى الرئيس الأمريكى، ومعظم دول العالم يشجبون مواقف الحماية التى يتخذها ضد السلع الواردة لأمريكا. بعد أسابيع من توليه السلطة أعلن ترامب أنه لن يلتزم بالاتفاقيات التجارية التى وقعها الرؤساء الأمريكيون السابقون مع دول حليفة لأمريكا . ثم طلع علينا ترامب منذ أسبوعين فأعلن فرض ضرائب على واردات أمريكا من الصين من الحديد والألمونيوم بنسبة 25% من قيمتها وهو ماأثار غضب الصينيين . أعلنت بكين أن ترامب يسعى لفرض مصالح أمريكا دون أدنى اعتبار لمصالح الدول الأخرى ، وقالت انها سوف ترد على ترامب بخطوات أكثر عنفا حتى إذا وصلت الأمور الى حرب تجارية سوف تؤدى الى خسارة الجميع .
.................................
بعد أسبوعين من قرار ترامب أعلن وزير التجارة الصينى يوم 2 أبريل الماضى فرض ضرائب تصل الى 25% على 128 سلعة أمريكية تدخل الى الصين وبدأ تنفيذ تحصيل الضرائب الجديدة اعتبارا من يوم صدور القرار ، ومن بين هذه السلع فاكهة طازجة ومجففة ومواسيرالحديد ومنتجات ألومنيوم و الخمور والمكسرات وأنواع من المنسوجات . وبمجرد إعلان القرار الصينى إنخفضت الأسهم فى بورصة نيويورك وانتقدت الصحف الأمريكية بشدة قرارات الرئيس الأمريكى .
ولعبة العصا والجزرة فى العلاقة بين البلدين التى تسببت فى هذه الحرب عكس ما تنبئ به وزير الخزانة الأمريكى الأسبق هنرى بولزون الذى يعد خبيرا فى الشئون الصينية حين أصدر منذ عامين كتابا أكد فيه من خلال دراسته لأحوال «التنين الأصفر» ومائة زيارة للصين أن الصداقة والتعاون بين البلدين سوف يسفران عن انتعاش التجارة بينهما وأن التبادل التجارى فى مناخ صحى هو فى مصلحة البلدين وحذر من أى حرب تجارية بينهما يمكن أن تشعل فى المستقبل حروبا ساخنة . كتاب وزير الخزانة الأمريكى فى حكومة جورج بوش الابن الثانية والباحث فى الشئون المالية والخبير فى شئون البيئة هنرى بولزون والذى صدر فى نهاية عام 2015 يكشف أسرار تحول الصين من الاقتصاد الاشتراكى الى اقتصاد السوق الرأسمالى . مؤلف الكتاب عمل رئيسا لبنك الاستثمار الأمريكى الشهير «جولدمان ساكس « وأستاذا للمالية بجامعة هارفارد، وقام بأكثر من مائة زيارة للصين التقى خلالها بقادتها وبكبار صناع القرار من قادة الحزب الشيوعى وقد لعب بولسون دورا مهما فى تحديث نظم المصارف والمؤسسات المالية والاستثمارية الكبرى، والتى حسب قوله كانت تعانى من التخلف والفساد وجمود البيروقراطية ولم تشهد أى تطور فى إدارتها ونشاطاتها منذ عشرات السنين. استغرق إعداد هذا الكتاب عقدين قبل وبعد تولى بولسون حقيبة الخزانة فى حكومة بوش ، والمثير للدهشة أن الثورة المالية والاقتصادية فى صين مابعد الانفتاح قام بها الأمريكيون ..! المؤلف الذى يعد واحدا من نجوم المال والاستثمار فى الولايات المتحدة ، يعترف فى البداية بأنه يكتب كمواطن أمريكى مهموم بوضع ومصالح بلاده بين دول العالم ومدى سلامة اقتصادها وتحديات البيئة التى تواجهها، كما يشغله مستقبل الأجيال الأمريكية الجديدة فى السنوات المقبلة ولديه قناعة كاملة بأن النجاح فى تلك الميادين يعتمد الى حد كبير على بعث النشاط فى العلاقات الأمريكية الصينية والتعامل مع الصينيين بصراحة ووضوح ووضع أسس للثقة وللتعاون معهم فى مختلف الميادين، وكل هذه الأمور تصب فى مصلحة الأمن والسلام الأمريكى. إنه يرى الصينيين منافسين أكفاء ، لكن الولايات المتحدة لايجب أن تخشى منافستههم.
الأنظمة الشيوعية سقطت منذ بداية الثمانينيات وانهيار جدار برلين لكن الصين ظلت مخلصة لعقيدتها والحزب الشيوعى الصينى لاتزال جدرانه قوية يستحيل أن يخترقها أى معارض ويحكم قبضته سياسيا على البلاد وأى خروج على مبادئ الحزب أو توجيه نقد لقادته يعرض صاحبه للقمع والاعتقال والسجن. لكن المعادلة الصعبة التى تحتاج مزيدا من الدراسات ومزيدا من البحث هى أن حكام بكين الشيوعيين اتخذوا سياسة انفتاح اقتصادى (تختلف بالطبع عن انفتاحنا الذى قام به الرئيس الراحل أنور السادات) بهدف انتشال اقتصادهم من تخلفه وتحقيق أقصى درجات النمو، ونجح الصينيون فى أقل من عقدين فأصبحوا القوة الاقتصادية العظمى الثانية فى العالم بعد أن حققوا أعلى درجات النمو وخرج الملايين من الفقراء المعدمين الصينيين من مستنقعات الفقر وانخفضت البطالة الى أدنى معدلاتها بفضل الشركات الأمريكية العملاقة والمتعددة الجنسية والاسثمارات الأجنبية التى زحفت الى أرض العملاق الأصفر فتحولت مدن صينية بالكامل الى التصنيع ، تدار مصانعها بأحدث أساليب الادارة الأمريكية وأكثرها استغلالا واستنزافا للعمالة الصينية بالطبع من أجل تحقيق أقصى درجات الربح.
الانفتاح واقتصاديات السوق
ومكاسب العامل الصينى ...
الانفتاح الصينى والانطلاق السريع الى اقتصاد السوق جاء بالطبع على حساب مكاسب العامل الصينى الاجتماعية ، أما الفلاح الصينى فقد ضاع فى زحمة التصنيع والجرى و راء الربح فهجرت الأجيال الجديدة أرض الآباء والأجداد وتركوا القرى الى المدن الصناعية الجديدة وبينما كان الاقتصاد الصينى يعتمد على الزراعة قبل سنوات الانفتاح أصبحت الصناعة بهدف التصدير والسعى لفتح أسواق جديدة فى قارات العالم أهم أدوات الانفتاح.
الأهمية أو الدرس الذى يقدمه لنا المؤلف هو أنه اذا وجدت الرغبة والعزم على النهوض والنمو بالبلاد فيجب إزالة أى عقبات تقف فى الطريق واستخدام كل الوسائل المشروعة للوصول الى الهدف حتى إذا جاء الدرس والمشورة من المنافسين أو حتى الأعداء..! الدرس الآخر هو أن التجارة وتبادل المنفعة من أهم الوسائل لتحقيق السلام بين الدول مهما دام الخلاف بينها وأن السعى لتحقيق النمو يمكن أن يكون بديلا عن تصعيد الصراعات وإشعال الحروب. والواقع أن « النموذج الصينى « كما يرى المؤلف يمثل واحدا من أفضل أشكال الرأسمالية . وقد بدأت عمليات إصلاح السوق تحت إدارة دنج اكسيانوبنج فى عام 1978 ، وكان هدف القادة الذين تولوا بعده التوسع فى فتح أسواق والإسراع فى عمليات الإصلاح المصرفى والمالى . وبالرغم من النجاح الذى تحقق فى تلك الفترة الا أنه لايزال هناك أكثر من مائة مليون صينى يعيشون تحت خط الفقر.
هنرى بولسون يرى أن العلاقات الأمريكية الصينية سوف تكون أكثر توازنا وأكثر إنتاجا لكلا الجانبين اذا قامت كل من الدولتين ببعض الاصلاحات سياسيا واقتصاديا. فالأمريكيون يشعرون بالقلق من التوسع العسكرى الصينى. والصينيون يرون أن الوجود الأمريكى فى آسيا الهدف منه احتواء طموحات الصين فى القارة الآسيوية. لكن الأمريكيين يريدون من الصينيين أن فتح أسواقهم للشركات الأمريكية كما يطالبونهم بالتماشى مع القواعد الجديدة للنظام الدولى. والصين تفضل تعديل تلك القواعد وأن تعامل بقدر من الاحترام من دول ومؤسسات العالم بما يتفق مع حجمها وإمكاناتها.
دينج إكسياوبنج هو مهندس التحولات التى وقعت فى الصين. وثمار عمليات الإصلاح ومبادرات الانفتاح بدأت تظهر بوضوح اعتبارا من عام 1978. فبعد «الفوضى الاقتصادية والسياسية» التى حدثت فى السنوات الأخيرة من حكم ماوتسى تونج تضاعف الناتج القومى واستمرت الزيادة المستمرة فى الانتاج طوال السنوات التالية وقد انعكس ذلك على المواطن الصينى العادى فخرج مئات الملايين من الصينيين من مستنقعات الفقر.
موت دينج أثار قلقا لدى المستثمرين، وطرح أكثر من سؤال فى أسواق المال والتجارة: فهل سيواصل خلفه فى الحكم اعتماد الرؤية نفسها فى حل مشكلات البلاد؟ والى أى مدى سوف يسير الاصلاح مع الرئيس الجديد ؟
كانت هونج كونج التى أعيدت الى سيادة الصين بعد 150 عاما من حكم الاستعمار البريطانى هى الهدف الأسهل للأمريكيين، وكان دينج قد حدد الشكل الجديد لها على أساس أنها «جزء من الدولة الصينية» ولكنها سوف تستمر فى ممارسة النظام الرأسمالى الذى اعتادت عليه مع بعض التعديلات السياسية .لكن سكان هونج كونج كانوا متشككين فى وعود حكومة بكين لدرجة أن عشر بضم العين - مواطنيها حصلوا على جوازات سفر أجنبية وهاجرو فى الشهور الأربعة الأخيرة قبل أن تسترد حكومة بكين سلطاتها عليها.
النظام السياسى والشك الدائم فى الأجنبى وتاريخ البيروقراطية فى الصين لايسمح بسهولة لقاءات أى وفود من الغرب بصناع القرار الصينيين، لكن حكومة بكين سهلت لقاءات الأمريكيين بكبار المسئولين الصينيين الذين اعتادوا العمل فى مكاتبهم الفاخرة وراء ستائرغليظة. يحكى المؤلف انه كان هناك رغبة قوية وجادة من الصينيين فى التعلم والاستفادة بالتكنولوجيا الأمريكية والأساليب الحديثة فى إدارة المؤسسات، ولم يكن فى رأيه هناك أفضل من بنك الاستثمار جولدمان ساكس للقيام بهذه المهمة وكان بولسون رئيسا لمجلس إدارته . وقد كانت أول لقاءات المؤلف مع نائب رئيس وزراء الصين «زو رونجى» والذى أطلق عليه «إمبراطور الصين الاقتصادى».
الأمريكيون كان لديهم إصرار على اقتحام أسوار الصين التجارية من بوابة تحديث مؤسساتها المالية والنهوض باقتصادها. وقبل وصولهم الى بكين كانوا قد درسوا كل جوانب النظام الاقتصادى فى الصين ونقاط الضعف التى تتلخص فى تخلف أساليب العمل فى المصارف ومؤسسات المال والشركات الصناعية العملاقة، وتأكدوا من أن هناك رغبة جامحة من حكام بكين الجدد فى إصلاح اقتصاد البلاد وتحديث نظم إدارة المؤسسات العتيقة.
حاولت بنوك أجنبية دخول مجال المنافسة مع الأمريكيين، لكنهم فشلوا وانفرد الأمريكيون بعمليات الاصلاح المصرفى والاقتصادى، والنتيجة أن ابتعد المنافسون بفضل قناعة أصحاب القرار فى بكين بالكفاءة الأمريكية .ويحكى بولسون أنه فى أول اجتماع عقد مع زو فى هونج كونج بحث معه إعادة بناء نظام الاتصالات الصينى من خلال المشاركة بنصيب من أسهم الشركة. وكانت هناك رغبة من الصينيين أن يبدأ الاصلاح من نظام الاتصالات الذى كان يعانى قدرا كبيرا من التخلف ، كان مطلوبا تحديث أنظمةالاتصالات وإعادة بناء بنيتها التحتية وقد وضعوا خطة للنهوض بهذا القطاع مدتها خمس سنوات ومنذ عام 1992 أنفقت الصين 35 بليون دولارعلى هذا القطاع وكانت تضيف سنويا 16 مليون خط تليفونى كل عام . لكن الحصول على خط تليفون حتى أواخر تسعينيات القرن الماضى لم يكن أمرا ضروريا للمواطن الصينى ، ففى دولة تعدادها 1,3 بليون نسمة لم يكن مشاركا فى نظام التليفون الأرضى سوى 55 مليون مواطن معظمهم يقيمون فى المدن الساحلية والمناطق الصناعية . لكن العداء السياسى بين الولايات المتحدة والصين لم يمنع الأمريكيين من القيام بمهمتهم فهم لم يكتفوا بالنهوض بالاقتصاد وتحديث النظام المصرفى ونقل تكنولوجيتهم فى التصنيع والادارة ، لكنهم أقنعوا الصينيين بأن أى إصلاح لن يستمر بدون تعليم جيد وكوادر صينية متعلمة ومدربة على الأساليب العلمية الحديثة فى الادارة تتولى قيادة المؤسسات الاقتصادية والصناعية. وكأستاذ جامعى وباحث أكاديمى كان هنرى بولسون مهتما بزيارة الجامعات وإلقاء المحاضرات للتعرف على مستويات طلاب الجامعات وما يدرسونه ويعرفونه عن العلوم الحديثة خاصة فى الاقتصاد والمحاسبة وعلوم الادارة .
كان بولسون يعتمد فى تنظيم لقاءاته مع كبار المسئولين الصينيين والإعداد لزيارة المؤسسات والجامعات والمعاهد التعليمية على الصينيين المهاجرين لأمريكا العاملين فى قطاعات المصارف وأساتذة الجامعات وكان يصطحبهم فى زياراته على أساس أنهم الأقرب فهما للثقافة الصينية ولظروف الحياة والعمل هناك. وخلال دراسة الوفد الأمريكى لظروف العمل ومستويات الدراسة فى الجامعات الصينية لمعرفة حاجة سوق العمل هناك لمتخصصين اكتشفوا أنه حتى أواخر التسعينيات كانت الجامعات الصينية تهتم فقط بتخريج مهندسين أكفاء لشق الطرق وبناء السدود والمصانع ولكن خريجى كليات الادارة والاقتصاد كانت مستوياتهم أقل من الناحية العلمية .
الصين كانت فى أشد الحاجة الى كلية للادارة يقود خريجوها التحولات الاقتصادية والتغيرات التى حدثت فى المصارف والمؤسسات الاستثمارية، ولم يكن رئيس الوزراء زو مقتنعا بالبرنامج الدراسى الذى يدرسه طلبة جامعة «تسينجهوا» والذى يطلقون عليه «إم آى تى» الصين - وقد طلب منهم رئيس الوزراء الصينى تقييم الدراسات التى تقدمها كلية الادارة بالجامعة وتقديم اقتراحاتهم للنهوض بها ، فقد كان مهتما بتحديث نظم الادارة وفى منتهى الحماس لتطوير الدراسات بالجامعة التى تخرج فيها عام 1951 بعد أن أنهى دراسته فى الهندسة الكهربائية. وقام بتأسيس أول كلية للاقتصاد والادارة بالجامعة عام 1984 وشغل بها منصب العميد الذى احتفظ به حتى بعد تعيينه رئيسا للوزراء. بعد عودته إلى واشنطن التقى المؤلف بعدد من أساتذة الجامعات الصينيين المهاجرين فى أمريكا وبعض الباحثين فى كلية إدارة الأعمال بجامعة هارفارد ومع زملائه من القيادات فى جولدمان ساكس ممن كانوا يعملون فى فرع هونج كونج وكان موضوع هذه اللقاءات تطوير برامج الدراسة فى كلية إدارة الأعمال بجامعة تسينجهوا بما يتفق مع ظروف الصين وخطتها فى تحديث نظم الادارة والاقتصاد.
عاد هنرى بولسون الى الصين والتقى مع رئيس الوزراء وعرض عليه تفاصيل لقاءاته فى أمريكا واقتراحاته بتطوير الدراسة فى كلية الادارة ، وقد وافق زو على الدراسة التى قدمها له وقال: «دعنا نعمل معا بهدف إنشاء كلية للادارة والاقتصاد على أعلى المستويات العلمية العالمية، فمنذ عدة سنوات وأنا أسعى لتحقيق هذا المشروع من أجل نجاح خططنا فى تحديث الاقتصاد وتطوير نظم الادارة، فالخريجون من هذه الكلية هم الذين سيتحملون تنفيذ سياساتنا الجديدة ولن تنجح مشاريعنا إلا بالاعتماد على هؤلاء الشباب».
وبدأ العمل بحماس أمريكى صينى لإنشاء الكلية الجديدة واتصل بولسون بعدد من كبار رجال الأعمال الصينيين والمستثمرين ليشاركوا فى مجلس أمناء الكلية ليستمع لاقتراحاتهم ويستفيد من تبرعات القطاع الخاص فى تنفيذ المشروع. أعد بولسون أيضا برنامجا طموحا لتدريب المديرين القدامى على أساليب الادارة الحديثة، وتضمن برنامج التدريب التابع لجامعة تسينجهاو عدة فئات من المديرين العاملين فى الحكومة والقطاع الخاص ، بما يعنى أنه أعد عددا من برامج التدريب طبقا لتخصصات الدارسين أولها لخريجى كلية الاقتصاد والادارة، ثم برامج لتدريب رؤساء الشركات والمديرين وتراوحت مدة الدراسة بهذه المراكز بين عام وثلاثة أعوام. وتعد هذه الجامعات من بين أفضل عشر جامعات فى الولايات المتحدة والعالم وقد بدأت الدراسة فى مراكز التدريب إعتبارا من عام 2001 وبلغ عدد الذين درسوا فى هذه المراكز حتى الآن خمسين ألفا من مختلف الدرجات الوظيفية .
النظام السياسى
المؤلف تحدث كثيرا عن التنمية والاصلاح فى الصين، لكنه لم يتطرق الى النظام السياسى ولا الحزب الواحد الذى يسيطر على جميع مقاليد الحكم. وهو كمواطن أمريكى من المؤكد أن لديه تحفظات كثيرة على الحزب الشيوعى لكنه لاحظ أنه داخل الصين هناك نقاش فى مختلف التجمعات حول الاقتصاد والتنمية والمشكلات الاجتماعية والبحث عن أفضل الطرق للنهوض بالبلاد، لكن الحوار حول تغيير النظام االسياسى لم يكن مطروحا للنقاش على مختلف المستويات، لأن عواقبه قاسية وبولسون يعترف بأنه رغم عشرات الاجتماعات مع قادة الصين ومع الرئيس دنج إكسياو بينج ومع خبرته على مدى عقدين فى التعامل مع الصين إلا أنه لايستطيع تفهم كيف يمكن لحزب واحد بحكومة لديها كل السلطات أن يحكم دولة ضخمة بهذا العدد من السكان، ويواصل أن النظام الديمقراطى والتعددية الحزبية المعروفة فى أوروبا غير قابلة لأى تطبيق فى الصين.
الكتاب الذى يقع فى أكثر من 400 صفحة من الحجم الكبير انتقل مؤلفه فى الصفحات الأخيرة الى قضية البيئة وحذر من الكوارث التى يمكن أن يحدثها الإهمال بشئون البيئة والذى من الممكن أن يعصف بأى تنمية ، خاصة أن الصين والولايات المتحدة هما أكثر دول العالم إضرارا بالبيئة ، وقد أعد مع زوجته وهى واحدة من نشطاء البيئة الأمريكيين عددا من الدراسات فى هذا المجال.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.