هل آن الأوان لرحيل بنيامين نتانياهو رئيس الحكومة الإسرائيلية، وتخليه عن منصبه طوعا أو كرها، حيث تسارعت الأحداث والحوادث، بخصوص اتهامات ضده، مع الكشف عن تفاصيل ما أعتبر ملف الفساد الأخطر الذي يحمل الرقم ( 4000 )، والذي تدور التحقيقات فيه حول نيله، هو وزوجته (سارة)، تغطية داعمة من موقع إخباري عبري الكتروني، مقابل صفقات وتسهيلات لمالك الموقع، ربح من خلالها عن طريق شركة ما، ملايين الشواكل. في المقابل تحدثت توصيات الشرطة الإسرائيلية وملخص تحقيقاتها عن وجود إشارات قوية وبيانات تفيد بارتكاب نتانياهو، مخالفات جنائية منها تلقي الرشوة " مقابل خدمات واحتيال وخيانة الأمانة "، في الملفين المعروفين إعلاميا ب " 1000" و "2000". وبحسب الشرطة، تلقي نتانياهو علي مدار 10 سنوات نحو مليون شيكل رشوة. في الوقت الذي أظهر فيه استطلاع للرأي، أجرته القناة الإسرائيلية الثانية، وجاء على ضوء آخر التطورات في "الملف 4000"، أن 50% من الجمهور العام الإسرائيلي، يرى أن نتنياهو لا يمكنه إكمال مهامه كرئيس للحكومة. وفحص الاستطلاع، ما إذا كان الجمهور العام يرى أنه من الواجب عليه الاستقالة، وهل يرى الجمهور حاجة لتقديم موعد إجراء الانتخابات. ووفقا للاستطلاع، فإن50% من المستطلعة آراؤهم، يرون أن نتنياهو، ينبغي أن يستقيل، مقارنة مع 33%، يعتقدون أن نتنياهو يجب أن يبقى في منصبه. ويعتقد 42% أنه ينبغي إجراء انتخابات، لا سيما عقب التطورات الأخيرة، مقارنة مع 36% ممن يعارضون الذهاب إلى الانتخابات، إذ أنهم لا يرون في تقديم موعدها حلا. نتانياهو، علق في فيديو نشر على صفحته ب "فيسبوك"، على آخر التطورات هذه، معتبرا أن ما يحدث هو تصيد مدبر، حيث قال " إن ما يحدث هو مجرد نظم من الجنون، وفضيحة". وأضاف، " إنهم يقدمون ادعاءات كاذبة كجزء من حملة الاضطهاد ضدي وضد أسرتي المستمرة منذ سنوات ". وأشار نتانياهو، أولا إلى "الملف 4000" المعروفة باسم قضية "بيزك"، قائلا إن " كل قرارات "بيزك"، تتخذها لجان مهنية تحت إشراف قانوني وثيق"، مضيفا، "جميع القرارات شفافة وتحت الرقابة، وبالتالي فإن أي ادعاء بأنني تصرفت لصالح الشركة، وفقا لاعتبارات خاصة، هو ببساطة ادعاء لا أساس له". وقال إنه "من المستحيل تجاهل أن الأمر مدبر"، مضيفا، "عندما يخرج الهواء (يقصد أن الاتهامات لم تكن إلا فراغا)، من ملف القضية 1000، وفي ملف 2000، يعمدون إلى إنشاء وخلق ملفات جديدة، إنهم يخلقون ملفا جديدا كل ساعتين". وأردف قائلا، " نحن نعرف ما هو الهدف، لخلق غمامة فوق رأس رئيس الوزراء، أريدكم أن تعرفوا أنني أثق بكم، وأثق بالنظام القضائي، ويمكنكم الاعتماد علي، وسأواصل قيادة دولة إسرائيل بمسئولية كبيرة وبتفان". في السياق نفسه، أظهر استطلاع آخر، أجرته القناة العاشرة الإسرائيلية، أنه وعلى الرغم من التحقيقات، فإن حزب الليكود، يحافظ على هيمنته وسلطته، مع أو بدون نتانياهو، وفي حال أُجريت الانتخابات اليوم، فإن الحزب برئاسة نتانياهو سيحظى ب 27 مقعدا في الكنيست، وكان سيحصل على 26 مقعدا بدونه، فيما سيحصل حزب " يش عتيد " برئاسة يائير لبيد، على 15 مقعدا، ما يعني خسارته لمقعدين. ولو أجريت الانتخابات اليوم، فإن الليكود برئاسة نتنياهو سوف يحصل على 27 مقعدا في الكنيست، ليأتي بعده في المركز الثاني حزب "يش عتيد" بواقع 23 مقعدا، ويليهما "المعسكر الصهيوني" ثالثا بواقع 15 مقعدا. وبحث الاستطلاع، إمكانية خوض حزب الليكود، انتخابات برئاسة مرشح آخر غير نتانياهو، ليظهر أنه سيفوز في هذه الحالة، حتى بدون نتانياهو، حيث سيحصل على أكبر عدد من الأصوات، رغم خسارته مقعدا واحدا فقط. مع توالي التحقيقات والاعتقالات في ملفات الفساد، التي تحيط ب نتانياهو، وعائلته والمقربين منه، بات السؤال الأكثر إلحاحا على المستوى السياسي، وهو هل باتت الانتخابات البرلمانية قريبة؟ أم أن نتانياهو سيبقى على رأس عمله؟ وفي الحقيقة لا يملك أي من المحللين أو السياسيين إجابة وافية أو قاطعة حتى الأن، خاصة مع تعنت نتانياهو ورفضه الاستقالة، وكذلك تلقيه الدعم من قبل وزراء وأعضاء الليكود، ورفض الأحزاب المشاركة في الائتلاف فضه والذهاب لانتخابات مبكرة، فضلا عن نتائج الاستطلاعات الأخيرة التي منحت الليكود أكبر عدد من المقاعد. من الممكن أن يؤدي خضوع نتانياهو، للتحقيق ولو تحت طائلة التحذير، في الملف "3000"، المعروف بفضيحة "الغواصات"، إلى انسحاب أكثر من حزب من حكومته، لحساسية الملف وعلاقته بالأمن القومي. غير أنه وحتى الآن، لم يتم التحقيق معه في هذا الملف، بل تم التحقيق مع مقربين جدا منه، إلا أنه لا زال خارج دائرة الاشتباه، في حين أشار وزير الأمن السابق، موشيه يعالون، إلى أن نتانياهو، متورط في هذا الملف لكن السلطات لا تريد ربط اسمه بالقضية حتى لا يفقد الناس ثقتهم برئاسة الحكومة أو الأجهزة الأمنية، وهو ما يعتبره كارثة على المجتمع الإسرائيلي وقياداته. ويدور التحقيق حول شراء ست غواصات حديثة من شركة " تينسكروب" الألمانية، التي لم يكن الجيش بحاجة لها، إلا أنه وفق تحقيقات الشرطة، قام وكيل الشركة في إسرائيل، الذي وقع اتفاق شاهد ملك في القضية، برشوة مقربين من نتانياهو، وحتى اليوم ينكر نتانياهو، معرفته أو علاقته بالقضية. لكن بما أن الأمور وصلت إلى هذا الحد، وبات رحيل نتانياهو، مرجحا، فلا بد من التعامل مع سؤال هام جدا في هذا الصدد، وهو من سيخلف نتانياهو؟ الاحتمال الضئيل هو أن يصل إلى سدة الحكم مرشح من معسكر الوسط، أي رئيس حزب "يش عتيد"، يائر لبيد، أو رئيس حزب العمل، آفي جباي. إذ رغم أن ثمة احتمالا أن يحصل "يش عتيد" على عدد مقاعد كبير في انتخابات الكنيست المقبلة، إلا أن احتمال نجاح لبيد، بتشكيل حكومة ضئيل للغاية، لأن أحزاب الوسط وحدها لا تستطيع تشكيل حكومة لأن عدد المقاعد التي ستحصل عليها لن تكون كافية، وفقا لكافة الاستطلاعات من السنوات الأخيرة. ومن ثم، فإن الاحتمال الواقعي والأرجح، هو استمرار اليمين في الحكم. بل بقاء " الليكود " حزبا حاكما. إلا أنه ما زال من الصعب في هذه المرحلة معرفة هوية خليفة نتانياهو. وحسب مراقبين، فإن رحيل نتانياهو، يمكن أن يحدث بعد شهور طويلة، لكن حملات هادئة لخلافة كهذه بدأت منذ فترة، ومن جانب قياديين في حزب الليكود، هما الوزير يسرائيل كاتس، والوزير السابق العائد من اعتزاله السياسي، جدعون ساعر، والذي يعتبر أوفر حظا من خصمه. ما يعنينا، في هذه الحالة هو محاولة استشراف مستقبل السياسة الإسرائيلية بعد نتانياهو، والتي تدل جميع المؤشرات والدلائل على أن حكام إسرائيل القادمون، سيواصلون سياسة نتانياهو، وعلى ما يبدو بتشدد أكثر، فيما يتعلق باستمرار الاحتلال وتوسيع الاستيطان، والإمعان في القمع وحصار غزة ومواصلة سياسة التمييز ضد الأقلية العربية الفلسطينية داخل "الخط الأخضر". أخيرا، رحيل نتانياهو، لن يغير سياسات إسرائيل، بل يتوقع تشديد هذه السياسات، خاصة وأن جميع المرشحين لخلافته، يؤمنون بأفكار ومواقف الصهيونية الدينية الاستيطانية اليمينية المتطرفة، والتي أصبحت التيار المركزي في إسرائيل، الذي يسعى وبقوة للسيطرة على المؤسسات فيها، وسلطاتها التنفيذية والتشريعية والقضائية. لمزيد من مقالات ابراهيم النجار;