لم تشهد مصر علي مدي تاريخها الطويل ثراء فكريا وأدبيا وشعريا مثلما شهدته ثورة يوليو1952. فقد فجرت الثورة ينابيع الإبداع في كافة الاتجاهات, وانطلقت الطاقات كالبحر الهادر لترج أمواجه كل شواطئ المدن والقري والنجوع, ولم تقف أصداء الفكر والأدب والفن عند حدود الوطن في مصر وحدها بل تخطتها إلي كل أرجاء الأمة العربية التي شهد أبناؤها أن عصرا ذهبيا من الفكر والأدب والفن سوف تسطع شموسه ليغطي الأمة العربية كلها وبات الشعب العربي ينظر إلي مصر بعد الثورة نظرة تقدير وإجلال باعتبارها قلعة الثقافة العربية فازدهرت صناعة الكتاب وتألقت فنون السنيما والمسرح والموسيقي والغناء وجمعت سيدة الغناء العربي أم كلثوم عشاق فنها في الوطن العربي في الخميس الأول من كل شهر خاصة عندما تتغني بإحدي روائع الشعراء العرب مثل جورج جرداق من لبنان والهادي آدم من السودان وعبد الله الفيصل من السعودية وغيرهم لتؤسس بفنها الأصيل دعائم وحدتنا العربية. وتركت لنا ثورة يوليو كنزا أثريا عامرا من الأعمال الغنائية الرائعة والنادرة التي تزخر بها مكتبات الاذاعة والتليفزيون وصاغها جيل من كبار شعراء الثورة من أمثال صلاح جاهين وكامل الشناوي ومأمون الشناوي وأحمد شفيق كامل وحسين السيد وغيرهم من أساطين الموسيقي رياض السنباطي وعبد الوهاب والطويل والموجي وبليغ والشريف وصدقي وغيرهم الذين كانوا أوفي وأصدق من عبروا عن مبادئ الثورة وأهدافها الستة وانجازاتها وكانوا أسبق من شعراء ثورة يناير في تحقيق أهدافها في العيش والحرية والديمقراطية بأكثرمن55 عاما مضت, وأستطيع أن أعرض علي سبيل المثال لا الحصر بعض أشهر الأعمال التي عبر فيها شعراء الثورة عن إنجازاتها مصريا وعربيا ودوليا من بدايتها وذلك علي النحو التالي: في البداية أقول شاءت الظروف أن أشاهد حفلات نادي الضباط بالزمالك وأحمل لها في قلبي ذكريات جميلة, تلك الحفلات التي كان يحضرها جمال عبد الناصر وتنقلها أضواء المدينة علي الهواء مباشرة, وتابعت عن قرب الحفل الرائع الذي جمع بين سيدة الغناء العربي أم كلثوم والشاعر العظيم كامل الشناوي والموسيقار عبد الوهاب في قصيدة أنا الشعب لا أعرف المستحيلا ولا أرضي للخلود بديلا.. بلادي بلادي مرفوعة كالسماء, وتابعت عن قرب التصفيق المدوي الذي كاد لا ينقطع عندما اختتمت أم كلثوم رائعتها بكلمات وعندي الجمال.. وعندي جمال عندئذ وقف جمال عبد الناصر شامخا ومعه كل الحاضرون يصفقون لأم كلثوم ويهللون إلي أن غادر جمال المبني كما تابعت رائعة رياض السنباطي وحافظ إبراهيم مصر تتحدث عن نفسها التي تقول فيها البيت الشهير أنا إن قدر الإله مماتي.. لا تري الشرق يرفع الرأس بعدي, وتابعت أيضا القنبلة التي فجرها عبد الحليم حافظ مع رائعة أحمد شفيق كامل قلنا هنبني وأدينا بنينا السد العالي لحن الموسيقار كمال الطويل والتي قال فيها راح علي البنك اللي بيساعد ويدي, قال له حاسب.. قال لنا مالكومش عندي.. ضربة كانت من معلم وعلي أسرها أعلن جمال عبد الناصر قناة السويس شركة مساهمة مصرية وبدأ في بناء السد العالي, وغيرها من الذكريات التي أعرضها بإيجاز فيما يلي: علي باب مصر: ليس هناك قصيدة تقف شامخة وترددها الأجيال جيلا بعد جيل مثل رائعة كامل الشناوي علي باب مصر تدق الأكف ويعلو الضجيج, أنا الشعب لا أعرف المستحيلا ولا أرضي للخلود بديلا, هذه القصيدة التي يعجز أي شاعر مهما كانت عبقريته أن يأتي بمثلها وجمعت بين الثلاثي الرائع أم كلثوم وعبد الوهاب وكامل الشناوي. ثورتنا المصرية: أعادتني أغنية ثورتنا المصرية إلي55 عاما مضت عندما تغنت ثورة يوليو بمبادئها وأهدافها التي كتبها مأمون الشناوي ولحنها رؤوف ذهني غناء عبد الحليم حافظ وسبقوا بها أهداف ثورة يناير التي لم تخرج مبادئها للنور في أغنية من أغنيات هذا الزمن. الله يا بلادنا الله: وأذهلني أيضا أن شعراء ثورة يناير لم يلفت نظرهم ذلك الهتاف المدوي في ميدان التحرير من انطلق بمقولة الجيش والشعب يد واحدة وفات علي الميدان ترجمة هذا المعني الذي صاغه منذ أربعة وخمسين عاما أيضا أنور عبد الله ولحنه محمد عبد الوهاب وغناه عبد الحليم ويقول فيها الله يا بلادنا الله علي جيشك والشعب معاه. ونختتم مقالنا برائعة كما الطويل وصلاح جاهين صورة كلنا عايزين صورة واللي بيبعد من الميدان عمره ما يبان في الصورة, التي غناها عبد الحليم في نفس الفترة أيضا ولم يتذكرها شعراء ثورة يناير وكانوا يظنون أنها مكتوبة عن ميدان التحرير ولكنها مكتوبة عن ميدان العمل منذ أكثر من نصف قرن. [email protected]