يعتبر نظام الميراث من الأنظمة الشرعية القانونية المرتبطة بالدين والتى كان من الطبيعى أن يحترمها الشخص باعتبارها جزءاً من عقيدته المنصوص عليها فى الأديان السماوية بل جزءاً من أخلاقه الطبيعية التى تتفق مع الفطرة الإنسانية. ومع ذلك فقد انتشر العرف الفاسد الذى يحل حرمان بعض الورثة من الميراث لاعتبارات العصبية والتمييز بين الذكور والإناث والمتعلمين وغير المتعلمين وغيرها من الأسباب الواهية المنتشرة فى ربوع الوطن العربي. ومن المسلم به أن القانون لا يتدخل فى التجريم والعقاب إلا بعد شيوع إحدى الظواهر وتفاقمها، وقد انتشرت انتشاراً واسعاً فى المجتمع ظاهرة الامتناع عن تسليم الميراث الشرعي، أو حجب سنده عن صاحب الحق فيه، الأمر الذى استوجب التدخل التشريعى من المشرع للقضاء على هذه الظاهرة لمنع استمرار انتشارها. وقد صدر القانون رقم مائتين وتسعة عشر لسنة ألفين وسبعة عشر فى الثلاثين من ديسمبر سنة ألفين وسبعة عشر بتعديل بعض أحكام القانون رقم سبعة وسبعين لسنة ألف وتسعمائه وثلاثه وأربعين بشأن المواريث وذلك بأن أضاف بابا تاسعا إلى قانون المواريث بشأن العقوبات يتضمن مادة جديدة هى المادة التاسعة والأربعون من ذلك القانون، وقد تضمنت تلك المادة الجريمتين التاليتين: الجريمة الأولى : الامتناع عمداً عن تسليم أحد الورثة نصيبه الشرعى من الميراث. الجريمة الثانية : حجب سند الميراث أو الامتناع عن تسليمه عند طلبه من أحد الورثة الشرعيين. وقد وضع القانون للجريمتين المذكورتين عقوبة الحبس مدة لا تقل عن ستة أشهر وبغرامة لا تقل عن عشرين الف جنية ولا تجاوز مائة الف جنيه، او باحدى هاتين العقوبتين، وتكون العقوبة فى حالة عودة المتهم إلى ارتكاب الجريمة مرة أخرى هى الحبس الذى لا تقل مدته عن سنة. وقد أجاز القانون الصلح فى هاتين الجريمتين فى اى حالة تكون عليها الدعوى ولو بعد صيرورة الحكم باتاً، ولكل من المجنى عليه او وكيله الخاص، ولورثته او وكيلهم الخاص، وكذلك للمتهم او المحكوم عليه او وكيلهما الخاص، وإثبات الصلح فى هذه الجرائم امام النيابة او المحكمة بحسب الأحوال. ويترتب على الصلح انقضاء الدعوى الجنائية ولو كانت مرفوعة بطريق الادعاء المباشر، وتأمر النيابة العامة بوقف تنفيذ العقوبة اذا تم الصلح اثناء تنفيذها، ولا يكون للصلح أثر على حقوق المضرور من الجريمة. وقد لاحظنا على هذا القانون الملاحظات الموضوعية التالية: أولاً: أن القانون قد افترض افتراضاً غير واقعى أن مثل هذه الجرائم سوف تنتهى حتماً بالتصالح، وهذا أمر تكذبه الوقائع المريرة المتعددة التى نشاهدها فى المحاكم حيث تستمر هذه النزاعات فى لدد نادر وتتطور لعقود. ثانياً: العقوبة الجنائية وهى الحبس مدة لا تقل عن ستة أشهر والغرامة التى لا تقل عن عشرين ألف جنيه، ولا تجاوز مائة ألف جنيه هى عقوبة غير رادعة لعدم تناسبها مع الواقع المادى لقيمة العقارات والأراضى الزراعية والشقق فى الوقت الراهن والتى يصل فيها قيراط الأرض الواحد من الأراضى الزراعية الى ما يزيد على ثلاثمائة ألف، جنيه وسوف تأخذ المتهم العزة بالإثم فى إجراءات التقاضى حتى توقع عليه الغرامة المالية دون أن يقوم بتسليم الأرض أو سند الملكية إلى الوارث الشرعى صاحب الحق، فيها وذلك لأن العقوبة غير رادعة وإختيارية. ثالثاً: إن تنفيذ مبلغ التعويض عن الضرر المترتب على الجريمة، وهو مشكلة أخرى يتحايل فيها المحكوم ضده لأن غالبية الأراضى والشقق المملوكة للمحكوم ضده غير مسجلة ويصعب التنفيذ العينى عليها وبيعها بالمزاد العينى لصالح المضرور، وقد ينتهى الأمر إلى صدور حكم بالتعويض لصالح الوارث ولكن قد يصعب أو يستحيل تنفيذه. رابعاً: إن القاضى لن يحكم بإدانة المتهم عن جريمتى الامتناع عن تسليم الميراث وحجب سند الميراث إلا بعد توافر دليل قطعى على ذلك، ونحن نرى أن إثبات تلك الجرائم سوف يكون من الصعوبة بمكان، وسوف يضطر القاضى إلى ندب خبير فى هذه الجنح الجنائية وما يستغرقه ذلك من وقت طويل بطبيعة الحال. خامسا: تؤدى ظاهرة شيوع العقود الابتدائية المترتبة على عقود ابتدائية أخرى، والتى لم تسجل بشأن الميراث إلى صعوبات أخرى فى إثبات الملكية وتسلسلها وحدودها، وما يترتب على ذلك من غموض فى استجلاء هذا الأمر وتوافر الدليل القطعى ضد المتهم بالامتناع عن تسليم الميراث أو حجب سنده . وخلاصة الأمر فإن عقوبة الجريمتين المذكورتين يجب تغليظها، وأن يكون فيها الحبس وجوبياً لأن المتهم لن يلجأ إلى التصالح ،مع الورثة إلا إذا شعر بأن نية المشرع هى العقاب وليس التصالح لأن المتهم لم يراع قواعد الأخلاق كما أنه لم يراع قواعد الدين فى منح الحقوق الشرعية لباقى الورثة فيجب أخذه بالشدة للقضاء على هذه الظاهرة حتى يحقق القانون الغرض منه. لمزيد من مقالات د. عبد الفتاح مراد