هناك فارق كيفى محسوس بين الموقف الروسى كما تعلنه موسكو، والموقف الروسى كما تشيعه أنقرة، من العملية العسكرية التركية (غصن الزيتون) التى تستهدف بلدة عفرين شمال سوريا، لتنضم إلى طابور البلدات التى سبق لتركيا احتلالها فى جرابلس والباب الراعي، والذى يستهدف منبج بعد عفرين.. إذ تؤكد تركيا أن روسيا سمحت لها بالعملية، على حين تبدى روسيا انزعاجها من غصن الزيتون وتطالب بضبط النفس، والحقيقة أن روسيا التى تخاطب باستمرار وحدة الأراضى السورية والسيادة السورية لا يمكن أن تسمح بالاحتلال التركى لقطعة من الأرض السورية لتستنسخ مأساة الإسكندرونة ولواءها السليب مرة أخري، ولكن روسيا وعلى نحو محسوب جدا تعمل على استخدام الأتراك فى ضرب الأكراد الذين يعيشون فى هذه المنطقة والذين راحت أمريكا تقوم بتسليحهم ففقدت بذلك أحد أهم حلفائها الاستراتيجيين وهم الأتراك، الذى يضمهم الروس شيئا فشيئا عبر إدماجهم ضامنا فى عملية سلام سوريا بالاشتراك مع روسيا وإيران، وعبر تعظيم التعاون الاقتصادى والعسكرى التركى الروسي، باستغلال تمنع أوروبا عن ضم تركيا إلى الاتحاد الأوروبي، وانتقادها المتصل لحالة حقوق الإنسان فى تركيا، وبحيث اختزل الروس المواجهة فى شمال سوريا بين الأتراك وأعدائهم اللدودين فى حزب العمال الكردستانى وحزب الاتحاد الكردستانى ووحدات الحماية التركية وهم من تعتبرهم أنقرة كيانا واحدا تعددت أسماؤه يخرج كله من عباءة حزب العمال الكردستاني، يساعد على ذلك ما أبداه الكرد فى شمال سوريا من مهادنة للنظام وإحياء للرموز الكردية مثل اللغة الكردية التى كانت ممنوعة، فضلا عن رفع صور زعيم حزب العمال الكردستانى عبدالله أوجلان، واليوم حين تقوم أمريكا بتسليح القوات الديمقراطية الكردية، وتوطين بعض عناصر داعش والأكراد فى شمال غرب سوريا فإن تركيا تشعر بتهديد لأمنها القومى وروسيا تسمح لها بحمايته، أو بإفساد الخطط الأمريكية لتقسيم سوريا والإضرار بسيادتها، وخصوصا مع وجود إحدى القواعد الأمريكية التى لم يسمح لها أحد فى هذه المنطقة.. روسيا استخدمت الأتراك لكن بمقدار يسمح بمساندة أهدافها وأهداف النظام العربى السورى لمدى معين، كما يسمح بتعميق الخلاف بين تركيا والولايات المتحدة ويضع أمريكا على مشارف إخفاق جديد على الأراضى السورية. لمزيد من مقالات د. عمرو عبد السميع