بعد زلزال خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبى 2016، كان عام 2017 بالنسبة للكثيرين داخل مؤسسات الاتحاد ووسط شعوبه هو “عام الاختبار”. فالتحديات الماثلة أمام الاتحاد الأوروبي، بدءاً من الأزمة المالية 2008 والتى قادت لاستمرار برنامج التقشف الأقتصادي، وأزمة المهاجرين واللاجئين التى شهدت ذروتها 2015 و2016، وصعود اليمين القومى المتطرف والحركات الشعبوية، ورفض العولمة والأبواب المفتوحة، كل هذه التحديات كانت تهدد بعام كارثى للاتحاد الأوروبى ومؤسساته. لكن عام 2017 مر بأقل الخسائر الممكنة. صحيح أن أحزاب اليمين القومى الأوروبى واصلت تحقيق انتصارات فى صناديق الاقتراع، لكن المستشارة الألمانية انجيلا ميركل، المتحسمة الأبدية للمشروع الأوروبي، ما زالت فى السلطة. بل وانضم إليها على رأس السلطة فى فرنسا متحمس آخر قوى للمشروع الأوروبى هو أمانويل ماكرون. وهذه أنباء جيدة لأوروبا التى كانت فعلاً تتخوف من احتمالات خسارة ميركل. كما أنه بعد تجاوز صدمة البريكست، بدأ الإتحاد الأوروبى يخوض معركة عكسية يدافع فيها عن المكاسب التى حققها ذلك التجمع الذى بات يضم 27 دولة بعد نحو 50 عاماً من تجربة الاندماج. ولا شك أن تعثر مفاوضات البريكست بين بريطانيا والإتحاد الأوروبى وصعوبتها وطول فترتها الزمنية المتوقعة (مارس 2017 إلى نهاية 2020) وأثارها السلبية على نمو الاقتصاد البريطاني، القت بمياه باردة على التيارات اليمينية والشعبوية المناوئة للإتحاد الأوروبى. فقد تراجع بشكل ملحوظ الخطاب المعادى للإتحاد الأوروبى ومؤسساته. بل أدى قرار البريكست إلى تعزيز شعبية الاتحاد وسط الأوروبيين. ويشير أخر مسح للرأى العام الأوروبى إلى أن 57% من الأوروبيين متفائلين بمستقبل الإتحاد الأوروبى وأن مستويات دعم الإتحاد ارتفعت فى 18 دولة أوروبية، من بينها اليونان التى كانت بعض أحزابها الشعبوية تناقش علانية خيار الخروج من الإتحاد الأوروبى على غرار بريطانيا. كما ارتفعت الثقة فى الاقتصاد الأوروبي. أما الدعم للعملة الموحدة، اليورو، فقد بلغ أعلى مستوى له منذ 2004، إذ أعرب 74% ممن استطلعت أرائهم عن الثقة فى اليورو. وعلى الرغم من أن عام 2017 يغلق صفتحه وأوروبا أكثر ثقة فى مستقبلها وأفضل فى كل المؤشرات الإقتصادية مقارنة بعام 2016، إلا أن هناك تحديات كبيرة تواجه المشروع الأوروبي. فبالرغم من أن ميركل وماكرون على رأس السلطة فى أهم دولتين فى الاتحاد الأوروبي، إلا أنهما يعانيان تحديات داخلية. فمشاورات ميركل الصعبة من أجل تشكيل ائتلاف حكومى بعد نتائج الانتخابات العامة فى سبتمبر (أيلول) الماضي، أثبتت أن ميركل خرجت من الانتخابات ضعيفة إلى حد كبير. أما ماكرون، فإن شعبيته بين صعود وهبوط دائم منذ انتخابه فى مايو (آيار) الماضي. أما التحدى الثانى أمام أوروبا 2018، فهو استمرار إحراز اليمين القومى الأوروبى انتصارات على حساب أحزاب اليسار. وإجمالاً وبإحصاء نتائج الانتخابات الأوروبية الأخيرة، أستطاعت أحزاب اليمين القومى جذب أصوات أكثر من 30 مليون ناخب على خلفية خطاب قومى معاد للهجرة والعولمة والنخبة والتقشف. وعلى النقيض من المكاسب التى يحققها اليمين القومي، تعانى الأحزاب الاشتراكية تراجعا تاريخيا غير مسبوق فى اوروبا. فأحزاب يسار الوسط تفقد قواعدها لصالح اليمين المتطرف أو اليسار الراديكالي. أما التحدى الثالث الذى يواجه أوروبا، فهو الخلافات حيال مستقبل الاتحاد الأوروبي. ففيما تريد المانياوفرنسا استغلال عام 2018 لوضع الأسس لتعزيز الوحدة السياسية بين دول الإتحاد، والمضى قدماً فى حلم “جيش أوروبى موحد”، تتحفظ دول أوروبية على ذلك الطرح وعلى رأسها دول أوروبا الشرقية، التى تريد اتحاداً أوروبياً يضم دول “لها سيادة” وليس مجرد “كانتونات تابعة” للقوى الكبرى داخل الإتحاد. ومع استمرار تفاعلات أزمة أقليم كاتالونيا فى أسبانيا وصعوبة مفاوضات البريكست التى ستدخل مرحلتها الحاسمة قريباً، سيكون العام الجديد اختباراً لقدرة المشروع الأوروبى على التعايش والتكيف.