د. خالد الربيع بعد اعتماد أحد عشر مرشحًا من قبل المجلس الدستوري لخوض الانتخابات الرئاسية الفرنسية فقد تأهل للمرحلة الثانية - بعد فرز نتائج الدورة الأولى - كل من (ماكرون ولوبان)، وبدأت سريعًا حملة المرشحين للرئاسة الفرنسية.. دعا ماكرون الفرنسيين لدعمه لإطلاق المشروع الأوروبي والبقاء في منطقة "اليورو" ضمن الاتحاد الأوروبي، ولكي تقوم فرنسا بحماية أوروبا، فيما دعت منافسته مارين لوبان الفرنسيين للاختيار بين العولمة المتوحشة أو البديل الأكبر والرجوع إلى القومية الفرنسية و"الفرنك الفرنسي". بعد الاستفتاء على خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي والانتخابات الرئاسية بالولاياتالمتحدة في عام 2016م ، ربما تكون الانتخابات الرئاسية الفرنسية نقطة تحول، ولأول مرة ومنذ ستين عامًا - وبعد التوقيع على معاهدة روما - لا يتأهل إلى المرحلة الثانية أحد الأحزاب التقليدية العريقة في فرنسا؛ كالحزب الاشتراكي "ممثل اليسار"، والحزب الجمهوري "ممثل اليمين"، حيث تنتخب فرنسا ثامن رئيس للجمهورية الخامسة في 7 مايو 2017م، ويتم تنصيب الرئيس الجديد في موعد أقصاه 14 مايو 2017م، وهو تاريخ انتهاء ولاية الرئيس الحالي "الاشتراكي" فرانسوا هولاند. فقد انحصرت خيارات الجولة المقبلة بين مرشح اليمين المتطرف مارين لوبان عن حزب الجبهة الوطنية، وإيمانويل ماكرون قليل الخبرة مرشح الوسط عن حزب إلى الأمام (أون مارش). إن الظروف الاستثنائية في بعض الأحيان، قد تسمح بظهور شخصيات استثنائية، ومن أمثلة ذلك الانتصارات الشعبوية في عام 2016م، والتصويت المؤيد لخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، وانتخاب الرئيس الأمريكي الجمهوري دونالد ترمب. ومن المؤكد أن الجبهة الوطنية الراسخة في الحياة السياسية الفرنسية؛ التي أسسها والد مارين لوبان، جان ماري لوبان عن حزب الجبهة الوطنية في عام 1972، وقاده حتى عام 2011، حيث تولت ابنته قيادته؛ لكن نجاح جان مارى الانتخابي ظل محدودًا حتى بعد تأهله للجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية عام 2002م، إلى أن خسرها بشكل فظيع عندما اتحد الوسط واليسار دعمًا لجاك شيراك. قد تحدث أحيانا مفاجأة في مثل هذه الانتخابات، ولا نثق باستطلاعات الرأي التي (ترشح فوز ماكرون)، كما حدث في الانتخابات الأمريكية؛ حيث إن الناخبين الشعبويين في أنحاء العالم المتطور يزدادون قوة خارج المدن الكبرى، وذلك في المدن المتوسطة والصغيرة وفي الأرياف، وأن سكان هذه المناطق هم الذين يسهمون في تفشي الشعبوية. الواقعية السياسية، أو ما يسمى التصويت المفيد، واستطلاعات الرأي، والطبقة السياسية الفرنسية التي عادة لا تصوت إلى أحزاب أقصى اليمين، ترجح فوز ماكرون برئاسة فرنسا. السؤال المهم الذي يطرح نفسه في الفترة الحالية في أروقة السياسة الفرنسية: ما الأسباب التي أوصلت هذا الشاب (إيمانويل ماكرون) إلى الجولة الثانية، وربما إلى قصر الإليزيه؟ ماكرون الذي جذب بخطابه الشباب وأوساط رجال الأعمال والراغبين في التجديد السياسي، وقد يكون عزوف الرئيس الحالي فرانسوا هولاند (الاشتراكي) الذي انخفضت شعبيته إلى 4%، وذلك لأول مرة في تاريخ الجمهورية الخامسة عن فترة رئاسية ثانية، وبعد سلسلة الفضائح التي واجهت مرشح الجمهوريين يمين الوسط "فرانسوا فيون"، الذي كان الأقرب لرئاسة فرنسا بعد فضائح المليون يورو، والوظائف الوهمية لأفراد عائلته، ويضاف إلى ذلك هزيمة المرشح الاشتراكي "بونوا آمون". العرف الفرنسى أن يقوم جميع الخاسرين في الجولة الأولى بتوجيه جمهورهم للتصويت ضد مرشح اليمين المتطرف، وقد ظهر ذلك جليًا منذ ظهور نتائج الجولة الأولى، عندما دعا رئيس الجمهورية الحالي، ورئيس الوزراء، ووزير الخارجية، والمستشارة الألمانية ميركل، ورئيس المفوضية الأوروبية جان كلود يونكر إلى دعم ماكرون في الجولة الثانية. ويعتبر ماكرون من خارج اليمين واليسار التقليديين؛ حيث شغل عام 2014م وزير الاقتصاد في حكومة مانويل فالس الثانية، وقبلها عام 2004م بدأ العمل في وزارة الاقتصاد كمفتش بسيط، وفي ابريل 2016م أسس حركته السياسية "إلى الأمام"، ودرس السياسة والإدارة في أفضل المعاهد الفرنسية. قد يكون ماكرون شعاعًا من الأمل خلال الظروف الحالية التي تشهدها فرنسا بسبب العنف وفضائح الفساد، ويشابه ذلك الظروف التي ظهر فيها على المشهد السياسي الرئيس الأمريكي فرانكلين روزفلت عام 1933م؛ عندما أنتخب خلال أسوأ أزمة اقتصادية في تاريخ الولاياتالمتحدة، وإذا ما تهيأ ل(إيمانويل ماكرون) الفوز، فإنه سيصبح أصغر رئيس لفرنسا منذ عهد نابليون.