يُحاول الرئيس التركي رجب طيب أردوغان, بقصد, إلهاء الشعب التركي بتبعات الانقلاب، الذي حوّل ملاحقة المتهمين به حقا أو باطلا إلى رؤية، ومشروع، واستراتيجية دولة، حيث يعتقد أنه سيُعمَّر في السلطة على خلفيّتها لسنوات مُقْبلة، وذلك عبر اختزال الدولة التركية كلها في حزب العدالة والتنمية، ثم اختزال الحزب في شخصه، وهكذا أصبحت تركيا بكل مؤسساتها وأدوارها وتاريخها وإسهامها الحضاري، وحتى قيادتها للخلافة الإسلامية مختصرة فيه. على خلفيَّة الخيار السياسي المُمِنْهج الذي وصل إليه بدعم من عناصر ضغط مُؤْدلجة وفاعلة داخل مؤسسات الدولة التركية، نراه يقوم بدور مدمّر للأمة العربيّة تجلَّى ذلك في عدَّة مواقف، نذكر منها: أوَّلاَ الدَّعم شبه المطلق للجماعات الإرهابية من أجل إسقاط الدولة السورية على خلفية تحالفه مع قطر من أجل تمرير خط أنابيب الغاز، عبر محاصرة لروسيا، وحين لم ينجح، وفرض عليه الرئيس الروسي بوتين وضعاً جديداً، وفقد ثقة الطرف الأمريكي، واهتز أمنه القومي بظهور قوات سوريا الديمقراطية، خاصة الأكراد، غيّر موقفه، وأصبح مساندا للحل السياسي في سوريا. ثانيا تبنِّيه موقفا عدائيا تجاه مصر منذ أن أطاحت الدولة المصرية بمشروع الإخوان المسلمين، والحملة التي تشنها الجماعة من الأراضي التركية، إعلاميا وسياسياًّ، تعتبر عاملا مساعدا على استفحال الجماعات الإرهابية في مصر. ثالثا وقوفه إلى جانب داعش، حين بدأت أعمالها الإرهابية في سوريا، وأيضا بعد أن استولت على جزء كبير من الأراضي العراقية، ورغم تخلّيها الظاهري عنها بعد الضغط الدولي، الغربي على وجه الخصوص، فإنه لا يزال داعما لميليشيات أخرى مُسلَّحة، منها تلك التي حوَّلت ليبيا إلى ساحة حرب. رابعاً تحالفه العلني مع قطر، خاصة في المجال العسكري، وقد عمّق علاقته أكثر معها بعد مقاطعتها من الدول الأربع( مصر، والسعودية، والإمارات، والبحرين)، محاولاً تحقيق ثلاثة أهداف، أوّلها: شقّ الصف العربي، وثانيها: دعم الإخوان المسلمين، وثالثها: التنافس مع إيران على تحقيق المصالح في الإقليم( دول الخليج العربي). من ناحية أخرى، لم يكتف الرئيس رجب طيب أردوغان، بكل أفعاله ومواقفه، التي أسهمت بشكل مباشر في إشعال ثلاث دول عربية هي: سوريا وليبيا ومصر، وقبلها العراق، بل إنه شنَّ يوم الأربعاء 20 ديسمبر الحالى حملة على العرب بحجة رده على ما جاء في تغريدة أعاد وزير الخارجية والتعاون الدولي الإماراتي الشيخ عبدالله بن زايد آل نهيان نشرها على صفحته الرسمية في تويتر، وهي لأحد الأشخاص يدعى علي العراقي، جاء فيها:« هل تعلمون، في عام 1916 قام التركيّ فخري باشا بجريمة بحق أهل المدينة النبوية فسرق أموالهم وقام بخطفهم وإركابهم في قطارات إلى الشام وإسطنبول برحلة سُميت (سفر برلك).. كما سرق الأتراك أغلب مخطوطات المكتبة المحمودية بالمدينة وأرسلوها إلى تركيا، هؤلاء أجداد أردوغان وتاريخهم مع المسلمين العرب». ردّ الرئيس التركي على وزير الخارجية الإماراتي، يقف ضد حقائق التاريخ، ويحاول أن يجعل من الحاضر هو الماضي، وهو بلا شك خيّب ظنّ كثير من العرب. بغضّ النظر عن الحديث الدائر الآن عن فخري باشا المتوفي منذ 69 عاما الذي قدم إلى ما عمل، فإن تاريخنا العربي فيه من تراكم للمصائب ما يجعلنا اليوم مُحصَّنين ضد أي تطاول أو نقد أو شك أو دفاع عن فعل الآخرين، ذلك لأننا أمة خًلِقت لتبقى، عقائدياًّ ولُغوياًّ وبشرياًّ، والدليل أننا لا نزال موجودين ونقضُّ مضجع الرئيس أردوغان وغيره رغم ما واجهناه من:( قتل، وتشريد، وتهجير، ونهب للثروات والخيرات، واحتلال للأراضي، وسرقة للآثار، وتحكم في الرقاب لعقود، أحيانا لقرون)، وبناء على تجربتنا التاريخية فإن أي تبرئة أو دفاع عن الماضي من قوى الشر الحالية، تعتبر مُصيبة أخرى أشد، وأنكل، وأقسى، والسؤال هنا: مِمَّا كان أجداد أردوغان يدافعون عن المدينةالمنورة؟، أما بالنسبة لأجداد عبد الله بن زايد، وهم أجداد نحن العرب جميعاً, في أي مكان وفي أيّ زمان كنا, فقد كانوا يدافعون عن المدينةالمنورة من الاحتلال التركي. إذا كان يحقًّ لنا مناقشة ما صرَّح به أردوغان وهو خطاب تهديد، خارج الأعراف الدبلوماسية، فيمكن القول: إن التغريدة يرد عليها بمثلها، لهذا من غير المقبول أن يجرّ الشعب التركي إلى عداوة معنا.. لقد اختار الرئيس أردوغان منذ انطلاق الانتفاضات العربية نهاية 2010، أن يكون ضمن الثالوث المعادي للعرب، مع اختلاف في المواقع، وهم اختيار فردي، ربما يلزم جماعته( حزب العدالة والتنمية)، ولكنه لايعني بالتأكيد الشعب التركي، المشترك معنا في العقيدة والتاريخ والمذهب، ولا أحد يحول دون حقه في النقاش أو حتى الرد، لكن شرط ألا يسعى من وراء ذلك إلى تعميق العداوة للعرب، على اعتقاد واهٍ منه أننا في حال من الضعف تساعد« دعاة الشعوبية» المعاصرين على تحقيق أهدافهم، وتجعل الأمم القوية تتكالب علينا. لمزيد من مقالات خالد عمر بن ققه