فور إعلان نتائج انتخابات المؤتمر الوطني العام في ليبيا, تقافز الي ذهن المتابعين للشأن الليبي عبارة قالها المؤرخ اليوناني الأشهر هيرودوت مفادها أن من ليبيا يأتي الجديد. فمسألة فوز التيار الليبرالي بأغلبية المقاعد المخصصة للأحزاب بقيادة محمود جبريل خبير التخطيط الدولي المرتبط سابقا بنظام العقيد معمر القذافي, وبالتالي هزيمة الإسلاميين, خالفت توقعات الحالمين بإمارة خلافة إسلامية في دول الربيع العربي تمولها طرابلس الغنية بالنفط. وبادئ ذي بدء ينبغي أن نعرف أن مهمة المؤتمر الوطني العام مهمة ومتعددة, فأولا المؤتمر الوطني سيحل محل المجلس الوطني الانتقالي وسيتولي مسئولية تعيين رئيس جديد للوزراء وسن القوانين واختيار هيئة صياغة الدستور, وأخيرا الترتيب للانتخابات البرلمانية الجديدة. وإذا أردنا تحليل نتائج انتخابات المؤتمر الوطني العام(200 مقعد) نجد أن تحالف القوي الوطني(الليبرالي) حصل علي39 مقعدا في مقابل17 للإسلاميين بينما توزعت باقي المقاعد ال24 علي مجموعة من الأحزاب الصغيرة. وعلي الرغم من أن تلك النتائج تختص فقط ب80 مقعدا من أصل200, كما أنها ليست نهائية حيث إن فترة انتهاء الطعون لم تنته بعد, كما أن الحزبين يعملان في الوقت الحالي علي استقطاب الفرديين ذوي الأصول الإسلامية أو الليبرالية أو حتي المتعاطفين معهم, إلا أن دلالاتها لا يمكن إغفالها. فقد بدا واضحا أن إسلاميي ليبيا فشلوا في الاستفادة من تجارب سابقيهم في مصر وتونس. ففضلا عن عدم نجاح فتاوي تكفير انتخاب الليبراليين, فقد تحفظ العديد من الناخبين علي سلوكيات وتوجهات بعض القيادات والرموز الإسلامية والتي نفرت منهم الناخبين, مثل ما رآه الليبيون بمحاولات فرض الآراء بالقوة,أما البعض الآخر فيري أن عدم محالفة التيار الإسلامي للنجاح يرجع أيضا الي عدم تجذر التيار ومخالطته للمجتمع الليبي, بسبب تعنت النظام السابق وتضييقه عليهم. وفي المقابل وعن أسباب تصدر الليبراليين للمشهد فبحسب الليبيين أنفسهم فبلد المليون حافظ للقرآن لا تحتاج لأشخاص يعلمونهم دينهم, متمسكين بالشريعة الإسلامية كمصدر أساسي للتشريع, وهو ما وفره الليبراليون, حيث قدموا أنفسهم كنموذج للإسلام المعتدل و تصدر مشهدهم شخصية قوية كاريزمية وهو ما مثله محمود جبريل عراب الثورة الذي نجح في انتزاع الاعتراف الدولي بشرعية الثورة, كما نجح في تجميع الأحزاب الصغيرة ذات التوجه الليبرالي تحت مظلة واحدة, وبالتالي جذب أصوات الشباب و النساء الذين بحسب الإحصاءات ذهبت أصوات47% من النساء اليهم, كما ركز برنامجهم علي خدمة المواطن والتنمية وهو ما يطمح إليه الشعب الليبي في عهد ما بعد العقيد معمر القذافي. وحتي اعتماد النتيجة رسميا, يدور الصراع الحقيقي حاليا علي استمالة المرشحين المستقلين لأي من الحزبين الرئيسيين لضمان الأغلبية وربما ضمان الهيمنة علي اتخاذ القرار. وأما عن هؤلاء المستقلين فهم خليط من رجال أعمال وناشطين وغيرهم يصعب تحديد توجهاتهم, فمنهم المتعاطفون مع أي من الحزبين كما أسلفنا, ومنهم من تم انتخابه علي أساس الصلات القبلية وبالتالي السمعة والمكانة الاجتماعية لا علي أساس التوجهات الفكرية. ومن هؤلاء المستقلون من لا يثق لا بالإسلاميين المتعطشين للسلطة, أو حتي يري في جبريل صلة بالنظام السابق, وبالتالي فهؤلاء يفكرون في إنشاء تحالف وطني جديد فيما بينهم لخلق نوع من التوازن داخل البرلمان الجديد. وفي ظل التحديات الراهنة أمام الديمقراطية الليبية الناشئة, فمن المؤكد أن فترة المرحلة الانتقالية الثانية التي سيقودها المؤتمر الوطني المنتخب, ستكون مرحلة صعبة, نظرا لعلو سقف التوقعات والأحلام للمؤيدين وتربص المعارضين وكثرة أعباء ومشكلات المرحلة.