رغم الدعوات إلى عدم التسرع فى اتخاذ قرار كهذا والتحذير من عواقبه، كان واضحا أن الرئيس الأمريكى دونالد ترامب لم يرد أن يتراجع ولم يراجع حساباته وحسم أمره وقرر إعلان الاعتراف بالقدس عاصمة لدولة إسرائيل ومن ثم نقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس فيما بعد. ويراهن مسئولو الإدارة الأمريكية على أن تبعات إعلان ترامب يمكن احتواؤها على المدى الطويل، خاصة أن ما يسمى فريق السلام الذى يقوده جاريد كوشنر صهر ترامب وكبير مستشاريه - والذى نصح الرئيس الأمريكى باتخاذ هذا القرار - مازال فى حاجة إلى شهور قبل تقديم الاقتراحات أو المبادرات الخاصة بالعملية السلمية فى صياغتها النهائية. وقال أحد المسئولين الأمريكيين: «يبدو أنه واضح الآن أن الموقع الفعلى للسفارة الأمريكية ليس أمرا مطروحا لصفقة سلام». وقال مسئول آخر بالإدارة: «رغم أننا نفهم كيف أن بعض الأطراف قد تأتى برد فعلها تجاه القرار، فإننا مازلنا نعمل على إعداد «خطة السلام» التى ليست جاهزة بعد. ولدينا الوقت لكى نحقق الشيء الصحيح وأن نرى كيف سيشعر الناس بعد أن يتم التعامل مع هذا الإعلان فى الفترة المقبلة». وحرص مسئولو الإدارة، فى تصريحاتهم، على تأكيد أن ترامب وعد بنقل السفارة فى حملته الانتخابية وفقا لمزاعم تاريخية على حد ادعائهم، وأن أغلب إدارات الحكومة بما فيها مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلى والقضاء الأعلى وسلطة التشريع توجد فى القدس. المعروف أن كوشنر صهر ترامب ومعه كبير المفاوضين جيسون جرينبلات وسفير أمريكا لدى إسرائيل دافيد فريدمان، بالإضافة إلى دينا باول نائب مستشار الرئيس للأمن القومي، يقودون كفريق السلام محاولات حثيثة ومستمرة منذ فترة تشمل اتصالات مكثفة مع الطرفين من أجل التوصل إلى «الصفقة الكبري» للسلام التى تمت الإشارة إليها والحديث عنها خلال الشهور الماضية. والقرار كان صدمة بمضمونه وتوقيته، إذ وصف جون برينن المدير السابق للمخابرات المركزية الأمريكية (سى آى أيه) قرار الاعتراف بالقدس عاصمة لدولة إسرائيل بأنه يعتبر تهورا وتخبطا فى السياسة الخارجية. وقال فى تصريح له إن هذا القرار سوف يلحق الضرر بمصالح الولاياتالمتحدة لسنوات مقبلة وسوف يجعل المنطقة أكثر توترا. أما ديفيد آرون ميللر الدبلوماسى الشهير، الذى كان عضوا بارزا فى فريق عملية السلام فى عهود رئاسية متتالية سواء كانت جمهورية أو ديمقراطية، فلم يتردد فى وصف قرار ترامب بأنه الخطوة الأكثر غباء التى اتخذتها هذه الإدارة فى الشرق الأوسط. وانعكست تداعيات وتبعات قرار ترامب المحتملة والمنتظرة فى المنطقة فى وسائل الإعلام الأمريكية، حيث لم تتردد الصحف الأمريكية الكبرى من خلال تقارير مطولة فى قراءة الأوضاع المتوترة المتوقعة من جراء هذا القرار وما قد يحدث من مظاهرات غضب كبرى ومسيرات احتجاجية ضخمة ومن ثم استهداف للسفارات والمصالح الأمريكية والأمريكيين. فمن جانبها، انتقدت صحيفة «نيويورك تايمز» فى افتتاحية لها قرار ترامب متسائلة ،»هل يريد الرئيس ترامب أن يتفاوض حول السلام فى الشرق الأوسط؟»،مشيرة إلى أن ترامب بقراره هذا أطاح جانبا عقودا من الدبلوماسية الأمريكية. أما صحيفة «لوس أنجلوس تايمز» فقالت إن قرار ترامب سوف يدمر الجهود الساعية لإتمام «الصفقة الكبري».