تحدثنا فى المقال السابق عن بعض الإنجازات التى تمت فى السنوات الثلاث السابقة، منها ما رأيناه، وتمت الإشارة إليه ومنها ما كنا ننتظر تحقيق نجاح فى القضاء عليه، مثل السحابة السوداء التى اختفت هذا العام. سنوات كثيرة ارتدت فيها سماء مصر الأسود، كأنها تعلن حدادها على أوضاع سيئة كانت تشهدها البلاد، كما تصيب العباد بالاختناق جراء «حرق قش الأرز»، وهو فعل مضر فى اتجاهين، الأول، هدر لمنتج إعادة تدويره، يفيد فى منظومة بدائل الوقود (مصانع الأسمنت والسيراميك) أو صناعات الأسمدة والأخشاب والمخصبات، والثانى، ما ينتج عن حرقه من أمراض وأوبئة سببت معاناة لكثير من الناس. هذا الفعل الذى تحول لعادة مؤذية، كان يتم التعامل معها على أنها سلوك سلبى لبعض الفلاحين، وكانت تتم مواجهته بطرق تقليدية، منها استجداؤهم، تارة، وأخرى توجيه اللوم، وأحياناً التلويح بفرض غرامات، ولكن فى الأخير، لم يتم التفكير فى تلك الأزمة من منظور شامل، لعلاجها من منبتها. لذلك بعد كل هذه السنوات التى كبدت المواطن كل أنواع الألم، كما خسر فيها الوطن أحد البدائل الجيدة للوقود، يكون من المنطقى طرح هذا التساؤل، أين ذهبت السحابة السوداء؟ إجابة هذا السؤال كانت توجب التواصل مع وزارة البيئة، لمعرفة كيف استطاعت هذا العام أن تعيد لسمائنا صفاءها؟ فى الحقيقة انتهجت «وزارة البيئة» نهجاً اعتمد وضع حلول عملية تفيد الفلاح، كما تردعه إن تجاوز، من خلال تفعيل منظومة ذات رؤية واقعية، تعمل على التخلص الآمن من المخلفات الزراعية «قش الأرز، حطب القطن، حطب الذرة، سفير القصب»على مستوى محافظات الجمهورية، إضافة إلى التوسع فى تنفيذ مشروعات جمع وتدوير المخلفات الزراعية بإنتاج الكمبوست والعلف الحيواني، مع إيجاد فرص عمل جديدة بإشراك الشباب ومتعهدى التجميع ومنظمات المجتمع المدنى فى منظومة إدارة المخلفات الزراعية، يحدث ذلك مع تطبيق سياسة اللامركزية فى إدارة المخلفات الزراعية لتكسر قاعدة قديمة كانت تمارس فيها المركزية فى أسوأ صورها. وعليه فقد تم تنفيذ خطة لتطبيقات التكنولوجيات الحديثة لأنظمة مراقبة الحرق المكشوف من خلال استخدامات رصد نقاط الحرق بواسطة الأقمار الصناعية على مدى الساعة. إضافة لتوجيه دوريات التفتيش إلى نقاط وأماكن الحرق بواسطة أنظمة الاتصال والتطبيقات الحديثة، كما تم بناء قواعد بيانات لجميع أنشطة المنظومة ونشرها فيما بين القطاعات البيئية إلكترونياً. واستعانت «وزارة البيئة» بأنظمة الإنذار المبكر والمحاكاة للتنبؤ بأحوال الطقس والأماكن الساخنة لفترة 72 ساعة مقبلة. حيث تتم متابعة فرق وأطقم التفتيش الدورى سواء على أعمال مواجهة الحرق المكشوف أو اللجان النوعية وذلك باستخدام أنظمة مراقبة السيارات بواسطة أجهزة التتبع GPS والتى تم تفعيلها على جميع السيارات العاملة فى المنظومة، هذا فى أحد الجوانب. أما فى الآخر وهو الأهم المتعلق بالمزارعين، فقد اتفقت وزارة « البيئة» مع «الزراعة» على جمع 350 ألف طن قش أرز بالمحافظات، لتحويله لمنتج مفيد، مع تقديم الوزارة لدعما قدره 50 جنيها لمتعهد جمع القش عن الطن الواحد، وبحد أدنى 300 طن للموقع الواحد، حيث بلغ عدد مواقع تجميع قش الأرز العاملة خلال العام الحالى «2017»، 491 موقعا. وفى بعض هذه المواقع وصلت كمية ما تم تجميعه لأكثر من ألف طن. بمقارنة «2016»، كان عدد المواقع 250، لنلاحظ زيادة تصل للضعف خلال عام، بسبب العمل على تغيير المفاهيم والثقافة لدى المزارعين والمتعهدين القائمين على تجميع وكبس وفرم قش الأرز بأهمية القيمة الاقتصادية لقش الأرز. كما اتفقت «البيئة» مع «الزراعة» على مساعدة المتعهدين والمزارعين من خلال توفير المعدات المملوكة لوزارة البيئة، والآلات الزراعية اللازمة لإدارة المخلفات الزراعية وإعادة استخدامها وبتكلفة إجمالية تجاوزت ال 100 مليون جنيه خلال السنوات الثلاث الأخيرة، وذلك لتنفيذ أعمال التجميع للقش والفرم والكبس والنقل من خلال منظومة متكاملة متضمنة جميع أنواع المعدات الزراعية التى تحقق الهدف المرجو، وهو تجميع أكبر كمية من «قش الأرز» حتى لا يضطر المزارع إلى حرقه. أما الاتفاق الأخير بين الوزارتين، فكان حول توفير المستلزمات الزراعية وهى «200 طن بلاستيك و600 طن يوريا و200 طن من مادة ال EM» وبتكلفة مالية قدرها 10 ملايين، وذلك من أجل استخدام المواد السابقة فى إعادة تدوير كمية من قش الأرز بلغت 220 ألف طن خلال العام الحالى وبزيادة عن العام الماضى 20 الف طن موزعة على محافظات الدلتا، الأمر الذى أدى الى انتشار ثقافة تدوير قش الأرز وإعادة استخدامه كعلف حيوانى أو سماد عضوى. وفى إطار سياسة الردع، قامت الوزارة باتخاذ إجراء تشريعى بتعديل القانون وبتغليظ العقوبة الموقعة على المخالفين بحرق المخلفات الزراعية، وذلك طبقاَ للمادة 83 من قانون البيئة رقم 4 لسنة 1994 التى تنص على نظر مخالفات الحرق المكشوف للقمامة والمخلفات الصلبة «المادة 37 / أ»على وجه الاستعجال من خلال الحبس مدة لا تزيد على سنة وبغرامة لا تقل عن خمسة آلاف جنيه ولا تزيد على مائة ألف جنيه أو بإحدى هاتين العقوبتين كل من يخالف أحكام المواد 22،37 بند أ ،69 من هذا القانون «المادة 84 مكررًا /1». وأخيرا ونحن نشيد بإنجاز يستحق التقدير، نتمنى أن يستمر، وتذهب السحابة السوداء بغير رجعة. [email protected] لمزيد من مقالات عماد رحيم