كانت دموع الشيخ الجليل تتخفي وراء سنوات العمر التي طالت وأرهقت جسده العليل..عاد يتذكر تلك الأيام التي كان المصلون يتجمعون حوله يقبلون يديه ويطلبون منه الدعوات..عاد يصافح عمره الذي رحل وكل الأشياء حوله تمنحه الجلال والاحترام والنبل والأطفال يلتفون حوله صبيحة كل عيد وهو يوزع عليهم الحلوي..كان ينظر إلي الكاميرات التي تحيط به وهو يدافع عن دينه وكأنه يخوض معركة من معارك النبوة القديمة ربما تذكر صورة حمزة رضي الله عنه أو شاهد عمار بن ياسر أو بلال بن رباح وهو يؤذن تذكر صور أساتذته الكبار وهو يجلس في قاعة الدرس في قلب الأزهر الشريف..الشيخ محمد عبده وآل عبد الرازق والشيخ شلتوت..كانت الكلمات تخرج من فمه حزينة واهية وهو ينعي للمشاهدين خبر رحيله حيا بعد أن تقرر منعه من الإفتاء هل يمكن أن يحدث هذا بعد خمسين عاما قضيتها في خدمة الإسلام لقد أفتيت الناس طوال عمري ولقد كانت آخر مكالمة تلقيتها من أم تسألني هل صحيح أننا لن نراك بعد اليوم علي شاشة التليفزيون إن ظهورك يؤنسنا لسنا من رواد الأجسام العارية والإعلانات التافهة ولا من أصحاب مسلسلات الإسفاف كنا نسمع ما تحكي لنا عن سيرة الرسول عليه الصلاة والسلام ونجد فيها شيئا من الصبر علي بلاء الدنيا وشيئا من اليقين أمام عالم أدمن الشك والضلال وكنا نسمع ما تقرأ من آيات الذكر الحكيم فتمنحنا شيئا من الإيمان يعيننا علي أن نكمل رحلتنا بالله ياشيخنا الجليل لا تتركنا لأبواق الضلال والتفاهة والإسفاف..دمعت عيناه وهو يسمع صوت السيدة العجوز التي حركت في قلبه جراحا كثيرة كانت الكلمات تهرب من فمه وهو يودع مشاهديه فقد قرر ألا يظهر علي الشاشات مرة أخري فإذا كان الزمان لا يعرف قدره فهو يعرف قدر نفسه وإذا كانت الأشياء قد اختلطت ولم يعد احد يفرق بين دعاة الحق وأساطيل الباطل فلينجو بنفسه من هذا الطوفان..جمع أشياءه ومضي بينما يسأله المارة وهو يحدق في الوجوه..إلي أين يا مولانا..أرض الله واسعة وفي السماء رزقكم وما توعدون..مازالت دموع الشيخ تغطي الشاشة الحزينة. [email protected] لمزيد من مقالات فاروق جويدة