بعد مائة عام من صدور عد بلفور ممن لايملك الى من لايستحق هل ثمة إمكانية لتصحيح الأخطاء التى أفرزها فى الواقع الفلسطينى ومجمل المشهد العربي ؟طرح «الأهرام» السؤال على مفكرين عربيين للتعرف على مقاربتهما ,فكانت إجابتهما كالتالي بداية يقول الدكتور عمر الحسن، رئيس مركز الخليج للدراسات الاستراتيجية : فى العام الماضى كانت الذكرى المئوية لإبرام اتفاقية «سايكس بيكو»، التى قطعت أوصال المنطقة العربية، وفى العام الحالى يمر مائة عام على البيان الجائر لوزير الخارجية البريطانى الأسبق، أرثر بلفور، الذى يوافق يوم 2 نوفمبر عام 1917، الذى لم تزد عدد كلماته عن مائة وعشر كلمات، وعد خلالها بإنشاء وطن قومى لليهود فى فلسطين، فى الوقت الذى لم تتعد فيه وقتها نسبتهم 5% ,وهو ما يطلق عليه المناصرون للقضية الفلسطينية، وحتى المحايدون: (وعد من لا يملك لمن لا يستحق)، وهو الوعد الذى أسس لنكبة الشعب الفلسطينى المستمرة حتى هذا اليوم. وعد غريب من هنا، يمكن القول إنه كان وعدا «غربيًا بزعامة بريطانية»، حيث مكن الصمت الدولى آنذاك من تمريره، بغض النظر عن صحته أو قانونيته، واتخذ منه اليهود والصهيونية ذريعة للاعتراضات لكل ما يعتقدون أنه يخالف نصه أو تفسيراته، وقد وصفه المؤرخ المعروف «أرنولد توينبى» ب «الجريمة الكبرى التى تعرض لها الشعب الفلسطينى». ويضيف : إن التفسيرات والدوافع وراء هذا الوعد بررها بلفور؛ بأنه «دافع إنسانى»، فى حين رأى فيه بعض الباحثين، مكافأة لحاييم وايزمن لخدمته بريطانيا باكتشافات علمية أثناء الحرب العالمية الأولى. وهى التفسيرات التى رفضها الكثيرون، استنادا إلى أن بلفور لم يكن يفكر فى مأساة اليهود، بل على العكس من ذلك، رفض التدخل لدى الروس لمنع اضطهادهم، كما أن مساهمة اليهود فى دعم بريطانيا فى الحرب كانت محدودة، فيما رأى آخرون أنه كان وسيلة لإبقاء روسيا منخرطة فى الحرب . وعلى الجانب الآخر، فإن الشعب الفلسطينى والشعوب العربية لم تستسلم للوعود والقرارات البريطانية التى بدأت تفرض على الأرض من قبل الحركة الصهيونية وعصاباتها المسلحة؛ لهذا فقد خاض الشعب الفلسطينى ثورات متلاحقة، بداية من عام 1929، إلى أن بلغت ذروتها عام 1936و1939، ثم تم إنشاء جامعة الدول العربية عام 1945؛ بهدف العمل على وقف الاستيطان ومنع الهجرة اليهودية إلى فلسطين، ثم خاضت الجيوش العربية الحرب عام 1948 ضد إسرائيل بعد أن أُعلن عن قيام الدولة الصهيونية. موقف عدائي تزامنا مع الذكرى المئوية لوعد بلفور المشئوم – الكلام للدكتور الحسن - دعت رئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماى، خلال جلسة لمجلس العموم البريطانى إلى الاحتفال بها، وقالت: «إننا نشعر بالفخر من الدور الذى لعبناه فى إقامة دولة إسرائيل»، ودعت إليها «بنيامين نتانياهو»، رئيس وزراء إسرائيل، إلى جانب زعماء الصهيونية فى العالم. ورغم مطالبة «محمود عباس»، رئيس دولة فلسطين فى خطابه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة يوم 20 سبتمبر الماضى، وقبلها فى نوفمبر 2016 فى المؤتمر العام لمنظمة فتح، الحكومة البريطانية بعدم الاحتفال بهذه المناسبة، التى تسببت فى نكبة الشعب الفلسطينى الذى هُجر من دياره وطُرد من أرضه، والاعتذار له عن الجريمة التاريخية التى ارتكبتها بريطانيا والاعتراف بدولة فلسطين؛ جاء رد «ماى» رافضا، بل ومتحديا؛ وبهذا تثبت بريطانيا تنكرها للمسئولية التاريخية والجريمة التى ارتكبتها قبل مائة عام. وردًا على هذا الموقف المعادى، ليس للفلسطينيين فقط، ولكن للعرب أجمع، يجرى التحضير فلسطينيا لرفع قضايا قانونية ضد بريطانيا، سواء فى المحاكم البريطانية أو خارجها، بما فى ذلك محكمة العدل الدولية؛ لمطالبتها بتصحيح خطئها بالاعتذار عن الوعد، كما سيتم إحياء هذه الذكرى فى كافة المحافظات والمدن والقرى الفلسطينية وفى الشتات، بتنظيم المسيرات والوقفات. استثمار القانون إذا كانت إسرائيل لا تتوانى عن استخدام كل الطرق المشروعة وغير المشروعة لأجل المحافظة على كيانها، فإنه ينبغى على الفلسطينيين -كما يقول الحسن -استثمار ما يمنحه القانون الدولى من سلطة استرداد الحقوق المسلوبة من أصحابها، وليتحقق ذلك، لابد من توافر خبرة كافية بالقانون الدولى ,إلى جانب ذلك، يبقى الحراك الدبلوماسى والسياسى الفلسطينى حاضرا؛ محليا ودوليا، عبر تنظيم فعاليات رسمية وشعبية فى فلسطين و»الشتات»؛ للاحتجاج على الموقف البريطانى، ودعما لجهود القيادة الفلسطينية ,حيث أن القمة العربية، التى عقدت فى عمان فى مارس الماضى، قد نددت بإحياء بريطانيا هذه الذكرى وطالبتها بالاعتراف بفلسطين، ودعت إلى تشكيل لجنة قانونية استشارية فى إطار الجامعة العربية؛ لتقديم المشورة حول رفع قضايا أمام المحاكم الدولية، بشأن المظالم التاريخية التى لحقت بالشعب الفلسطيني؛ جراء هذا الوعد. ويختتم رئيس مركز الخليج للدراسات الاستراتيجية رؤيته قائلا : على العموم الدول لا تعتذر أو تغير سياستها برضاها، بل عندما تصبح نتيجة ضرر عدم الاعتذار أكبر من الاعتذار. والآن نحن نعلم أن فلسطين تم اغتصابها بالقوة والغش والتخويف وارتكاب المجازر، وتخيير المواطنين العزل والبسطاء، بين الموت أو الهجرة بعبارة أخرى، نحن نعلم أن فلسطين تم اغتصابها، وتم تشريد الشعب بالقوة، وعليه لن تعود فلسطين بغير القوة أيضًا. 4 مسوغات ووفق منظور الباحث والمفكر العربي الدكتور عبد الحسين شعبان فإن الصهيونية العالمية حقوقياً استندت الي أربع مسوّغات أساسية هى : وعد بلفور الصادر فى 2 نوفمبر عام 1917 عن السير آرثر بلفور وزير خارجية بريطانيا والموجه برسالة خاصة إلى اللورد روتشيلد. قرار مؤتمر سان ريمو الصادر فى 25 إبريل عام 1920 القاضى بوضع فلسطين تحت الانتداب البريطانى، الذى صادق عليه مجلس عصبة الأمم فى 24 يوليو 1922، وتضمّن نصّاً بتنفيذ وعد بلفور. قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 181 الصادر فى 29 نوفمبر عام 1947، القاضى بتقسيم فلسطين إلى دولتين يهودية وعربية. إعلان تأسيس دولة «إسرائيل» الصادر فى 15 مايو عام 1948 الذى نصّ فى (الفقرة الخامسة) منه على ما يلي: «إن حق الشعب اليهودى فى الانبعاث داخل وطنه الخاص قد اعترف به تصريح بلفور». وهكذا كان وعد بلفور – يتابع محدثنا - بمثابة الحلقة المركزية ليس فى تأسيس «إسرائيل» فحسب، بل فى رسم معالم منطقتنا طيلة قرن من الزمان، وكان قد سبقه بعام واحد إبرام اتفاقية سايكس - بيكو السرّية بين وزيرى خارجية بريطانيا وفرنسا، التى ساهمت فى رسم خرائط جديدة لتقسيم البلاد العربية. وإذا كان وعد بلفور قد وُضِعَ فى صكّ الانتداب، فالأمر لم يتم إلّا تعسّفاً واستغلالاً من جانب بريطانيا التى حاولت إعطائه صبغة قانونية ، فليس من حقها أو أى أحد إعطاء مثل هذا الوعد، وهو حسب تعبير الزعيم العربى الراحل جمال عبد الناصر « وعد من لا يملك لمن لا يستحق».وإذا كان الوعد باطلاً، فإن الاستناد إليه باطل هو الآخر، فما أنشئ على البطلان فهو باطل من الناحية القانونية، الأمر الذى ينعكس على مسئولية الدولة المُنتدبة التى تصرّفت بحقوق شعب فلسطين. خطأ تاريخي يرى الدكتور شعبان أنه إذا كانت بريطانيا قد وقعت فى مثل ذلك الخطأ التاريخى الذى بسببه تعرّض الشعب العربى الفلسطينى إلى التشريد والويلات والمآسى التى ما تزال مستمرة، فعليها هى قبل غيرها تصحيح مثل هذا الخطأ، وتعويض الشعب العربى الفلسطينى عمّا لحقه من غبن وأضرار طيلة قرن من الزمان، وذلك بتمكينه من استعادة وطنه وإقامة دولته المستقلة فوق ترابه وعاصمتها القدس الشريف، والعمل على عودة اللاجئين الفلسطينيين وتعويضهم مادياً ومعنوياً، وقبل كل شيء وكمقدمة لذلك الاعتذار من الشعب العربى الفلسطينى والأمة العربية. أسلوب غير حضاري بدلاً من اختيار الأسلوب الحضارى العصرى والمتمدن، فإن بريطانيا وعلى لسان رئيسة وزرائها السيدة تريزا ماى لا تزال تأخذها العزة بالإثم وهى لا تتشبث بموقفها فحسب، بل أطلقت تصريحاً استفزازياً جديداً يؤكد استمرارها فى ارتكاب الخطأ التاريخى، مفتخرة بوعد بلفور وبدور بلادها فى تأسيس « إسرائيل» دون أى اعتبار لحقوق الشعب الفلسطينى ومشاعر ملايين العرب والمسلمين والعالم أجمع، الذى شهد فظاعة الجرائم الصهيونية طيلة قرن من الزمان. ويضيف :لقد انطلقت حملة منذ عقد من الزمان تحديداً فى عام (2007) لمطالبة بريطانيا بالاعتذار عن إصدار الوعد كخطوة أولى، بالتوافق مع مطالبتها عمل كل ما من شأنه تعويض الشعب العربى الفلسطينى عمّا لحقه من غبن وأضرار طيلة القرن الماضى، مادياً ومعنوياً، وبالتدخل من موقعها كعضو دائم العضوية فى مجلس الأمن لإعادة الحق إلى أهله، وتصحيح الأوضاع طبقاً لقرارات دولية تأسيسية منها القرار رقم 181 والقرارين رقم 242 عام 1967 والقرار 338 عام 1973 القاضية بالانسحاب « الإسرائيلى» من الأراضى العربية المحتلة. لقد كان وعد بلفور محطة أساسية من محطات الاستيطان والتوسّع الصهيونى وعلامة بارزة من علامات العنصرية التى دمغها مؤتمر ديربان العالمى فى (جنوب أفريقيا) عام 2001، لذلك فإن استذكار وعد بلفور يعنى دعوة العالم للتضامن مع الشعب العربى الفلسطينى ضد الاستيطان والعنصرية، وكلاهما جريمتان دوليتان تستحقان العقاب بموجب نظام محكمة روما الدولى وقواعد القانون الإنسانى الدولى.