يُصرّ الدكتور يوسف زيدان على أن يصدم الرأى العام من آن لآخر بطرح ما يحاول أن يُلبسه ثوب الاجتهاد العلمى، ولكنه يعرضه بعيداً عن السياقات التى يحرص كثير من العلماء، فى الداخل والخارج وعبر التاريخ، على الالتزام بها، وأهمها أن ينحصر النقاش العلمى فيما بينهم، مع كل الضوابط الخاصة بالمنهج العلمى وبالمصطلح، مع حرصهم الشديد على عدم السماح للعامة بالخوض فى قضاياهم الملتبسة. وكان إدراك العلماء لخطر مشاركة العامة فى هذه القضايا يُلحّ على كثيرين منهم حتى صار لهم فى هذا نصائح مشهورة. أما الدكتور زيدان، فبدلاً من أن يُقصر خطابه إلى العلماء بنتائج أبحاثه، وقد تكون النتائج المُرَحَّب بها أسئلة جادة يصقلها ويُصوِّبها ويضيف إليها نقاش المتخصصين فى جو لا يعوقه الخوف من إساءة العامة الفهم، إذا به على النقيض من هذا يتعمد أن يذهب إلى العامة برجليه، وأن يحدد بنفسه الموعد والطريقة، بل وأن يستفزهم بلغتهم الدارجة ومنطقهم المنفلت لا بمصطلح العلماء ومنهجهم المنضبط! ولم يكن تهكمه على أحمد عرابى قبل أيام أول سوابقه، بل هى كثيرة، منها على سبيل المثال، السباب الذى خص به صلاح الدين الأيوبى قبل نحو عامين، وما قال إنه تصحيح لأخطاء شائعة عن مدينة الطائف..إلخ إلخ. هذا التوجه خطير، لأنه يحتكم إلى الرأى العام فى مسائل لا تخص عموم الناس، وقد تخرج عن قدرتهم على استيعابها، بل إن السماح لهم بالتدخل قد يعيق أى اجتهاد، لأن الناس عادة تتمسك بما هو رائج، أما العلماء فهم مؤرقون بتصحيح الخطأ حتى إذا كان هو السائد. والعلماء فى أمس الحاجة إلى حاضنة تشجعهم على الاستمرار فى طرح الأسئلة، بل وقد تقبل منهم أحياناً مشاغبات فكرية وشطحات فى الاجتهاد، فيما قد يبدو للعامة تهديدات تنذر بتدمير حياتهم وبنسف الأخلاق والفضيلة! والتاريخ مملوء بالمآسى التى دفع فيها العامة بالعلماء والفنانين والأدباء إلى المقصلة والمشنقة والمحرقة! وكان كثير من الضحايا أكثر حرصاً على تبيان الحقيقة من قضاتهم وجلاديهم ولاعنيهم وممن تشفوا بالتخلص منهم! لمزيد من مقالات أحمد عبد التواب