داخل قاعة المحكمة وقف ممسكا بابنه محتضنا إياه يحيطه بنظرات الأب العطوف، ثم تقدم به نحو منصة القضاء، وأخذ يتحدث للقاضي قائلا: ابني يعيش معي وليس صحيحا ما ادعته والدته أنني أهمله ولا أرعاه أنا أتحمل نفقاته وأعمل من أجله لذا أطالب برفض دعواها فأنا لست بعيدا عن طفلي وأنهي الأب كلماته وخرج من الجلسة واستكمل القاضي نظر أوراق تتكدس بهموم وقصص مأساوية قطعت فيها مرارة الخلافات ولدد الخصومة وقسوتها روابط المودة والرحمة. وعقب انتهاء الجلسة خرج رئيس المحكمة من القاعة ولفت انتباهه وقوف الطفل الصغير وحيدا حائرا وسط زحام وتدافع البشر من المتقاضين زائغ العينين منهك القوي صامتا يرثي لحاله وفي الوقت نفسه لا يعي ما هو فيه فسأله القاضي: لماذا أنت واقف هنا وأين والدك؟ فأجاب الصغير بنظرة استسلام مؤلمة : تركني والدي ومشي وقف القاضي برهة يفكر فيما حدث ومصير ذلك الطفل وطالبه بأن ينتظر مكانه ودخل مكتبه وبنبل استدعي أحد الأشخاص ثم طالبه بأن يصطحب الصغير لتوصيله إلي والدته،وهنا انكشفت ثنايا اللعبة التي حاكها هذا الأب ليتهرب من مسئوليته المادية تجاه ابنه ردا علي الدعوي التي أقامتها مطلقته، وطالبت فيها بنفقة الصغير ففي يوم انعقاد الجلسة توجه للطفل الذي كان يلهو مع آخرين وطالبه بالذهاب معه واستجاب له ببراءة وطاعة ثم قاده للمحكمة، وزعم أنه بحوزته وصنع مشهدا تمثيليا للخديعة وادعاء البطولة ثم نزع وهم حنان الأبوة فور خروجه من قاعة المحكمة لتظهر أنانيته وجحوده عندما ترك طفله وفر هاربا من أبوته، وبتداول القضية حضرت الأم وأثبتت حضانتها لطفلها راوية تفاصيل ما فعله ذلك الأب. وأصدرت المحكمة برئاسة القاضي أحمد غازي حكمها بفرض نفقة للصغير علي والده ليبقي السؤال الذي يظل حائرا عن مصائر أطفال تترنح بين حيل وألاعيب شيطانية يفعلها بعض من يحصلون قدرعلى لقب أب وأم وهم من معاني هاتين الكلمتين براء.