«التغيير 180 درجة».. أحد الشعارات التى يرفعها حزب «البديل من أجل ألمانيا» اليمينى المتطرف الشعبوى منذ ظهوره بشكل رسمى على الساحة السياسية الألمانية فى أبريل 2013. تشكيل الحزب جاء اعتراضا على العملة الموحدة «اليورو»، وقيادة برلين لخطط الإنقاذ المالى لبعض الدول المتعثرة مثل اليونان عقب الأزمة المالية العالمية فى 2008. يريد الحزى الشعبوى تغييرا شاملا للسياسات الألمانية، واستعادة للاعتزاز بالقومية وتمجيد العنف ونازية أدولف هتلر بديلا عن «ثقافة الإحساس بالعار» من هذه الفترة فى التاريخ الألماني، يريد الانسحاب من الاتحاد الأوروبى مثل بريطانيا، يرفض سياسات الإنقاذ المالي، يعلن كراهية الأجانب والمسلمين، بل وصل الأمر بقيادات الحزب، وبينهم زعيمة الحزب فراوكه بيترى إلى المطالبة بإطلاق النار على المهاجرين غير الشرعيين على الحدود. وجدد ألكسندر جاولاند مرشح الحزب فى الانتخابات 2017 تأكيده على رفض أى حوار رسمى مع المسلمين، بينما دعت المرشحة فون ستورش إلى استفتاء ألمانى للخروج مع الاتحاد الأوروبى خلال تجمع انتخابى حضرهنايجل فاراج الزعيم السابق لحزب «الاستقلال» الشعبوى البريطاني. لا يختلف «البديل» الألمانى عن أحزاب «الجبهة الوطنية» الفرنسى بزعامة مارين لوبان، ولا عن « الشعب من أجل الحرية والديمقراطية» الهولندى بزعامة خييرت فيلدرز، وكذلك «الحرية» النمساوى برئاسة هاينز كريستيان ستراتش، وغيره من الأحزاب الشعبوية فى أوروبا التى أصبحت «فزاعة» ضد الديمقراطية والعالم الحر، خصوصا مع اجتذابهم الناخبين الساخطين على السياسات التقليدية والمحافظة باستخدام شعارات ووعود براقة، بل أن بيترى ترى فى لوبان نموذج يحتذى به. كما تشترك هذه الأحزاب جميعا فى وجود انقسامات داخلية بين قياداتها، حيث شهد «البديل» الألمانى استقطابات حادة بين أجنحة تحمل أجندات سياسية مختلفة، مما أثر على انسحاب زعيمته من السباق على منصب المستشارية. بيترى - 42 عاما - كادت تشهد انقلابا داخليا ضدها بسبب دعوتها إلى تحول الحزب نحو ما سمته «التيار السائد» لتبنى سياسات واقعية للانضمام إلى ائتلافات أخرى بعد انتخابات 2021 بدلا من البقاء فى المعارضة، إلا أن اقتراحها قوبل بالرفض ومطالبات بالاستقالة. بيترى رفضت الاعتراف بالهزيمة فى المواجهة، إلا أنها قدمت اعترافا ثمينا بأن حزبها لا يملك استراتيجية، وهو ما تسبب فى هذه الانقسامات، وذكرت صحيفة «دى تسايت» الألمانية أن هناك نكتة تسخر من الخلافات داخل الحزب: «ما أوجه الشبه بين فرونكة بيترى ووكالة المخابرات الألمانية؟.. كلتاهما تراقبان الحزب». كما أن بيرند لوك، أحد مؤسسى الحزب ورئيسه السابق، شبه «البديل» بحركة «بيجيدا» المعادية للإسلام. وعلى الرغم من كل هذه المشكلات والمظاهرات التى خرجت لتندد بسياسات الحزب، فإن «البديل» تمكن من تحقيق نجاحات كبيرة بالقياس إلى عمر الحزب الذى يبلغ 4 سنوات، حيث نجح فى الدخول إلى 12 من بين 16 برلمانا محليا، والوصول إلى البرلمان الأوروبى أيضا. واستعدادا للانتخابات القادمة، قدم الحزب برنامجا انتخابيا يدعو إلى إغلاق الحدود الخارجية للاتحاد الأوروبي، ومراقبة صارمة للهويات والجوازات على الحدود الألمانية، وبناء مخيمات لجوء خارج ألمانيا خصوصا فى أفريقيا لمنع وصول المهاجرين واللاجئين، وترحيل من دخل منهم بشكل غير قانونى والمتورطين فى جرائم وتشجيع الأجانب العاملين فى ألمانيا على العودة إلى بلادهم الأصلية. وترجح استطلاعات الرأى أن يحل «البديل» فى المركز الثالث بعد «التحالف المسيحى الديمقراطي» بزعامة ميركل و«الحزب الاشتراكى الديمقراطي»، وأن يحصل على نسبة تتراوح بين 9 و11%، وفى حالة وصوله إلى البوندستاج، فأنه سيغير شكل الساحة السياسية الألمانية. واضطر الساسة الألمان إلى البحث عن سلاح مضاد لمواجهة حزب البديل بداية من البرلمانات المحلية استعدادا لوصوله إلى البوندستاج، عبر الدعوة إلى الوحدة ووضع خطوط حمراء للمناقشات وإعلان رفض التحالف معه، وأعرب نوربيرت لاميرت، رئيس البرلمان السابق، عن أمله فى «توافق بين الديمقراطيين ضد المتعصبين والمتطرفين»، كما ألغى قاعدة «الأكبر سنا» حتى لا يتمكن مرشح الحزب فيلهيلم فون جوتبيرج - 77 عاما- فى حالة فوزه، من إلقاء كلمة الافتتاح. وعلى الرغم من التوقعات سواء التى تقلل من أهمية صعود البديل أو التى تهول من مخاطره، إلا أن فوزا جديدا له يعنى زيادة فى معاداة الآخر أيا كان، كما أنه سيشكل «شوكة فى حلق» النخب السياسية على المدى القصير.