وصف باحث أمريكى بارز قرار الولاياتالمتحدة الأخيرة بخفض المساعدات الأمريكية لمصر بأنه «مفاجئ» و«مبهم» ويعكس انقساما واضحا داخل مؤسسات الحكم الأمريكى. وقال الباحث إيريك تراجر فى مقال نشره على الموقع الإلكترونى لمعهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى إن قرار واشنطن فى 22 أغسطس بإرجاء أو إلغاء مساعدة تناهز قيمتها 290 مليون دولار إلى مصر يعد بمثابة مفاجأة للقاهرة، بعد أن كانت الحكومة المصرية تظن لعدة أشهر أن «التوافق الدافئ» بين الرئيسين عبد الفتاح السيسى ودونالد ترامب كان كافياً لضمان علاقات ثنائية وطيدة تشمل المساعدات العسكرية الأمريكية بعد سنوات من عدم اليقين فى ظل الإدارة الأمريكية السابقة، إلا أنه تبين مع ذلك، وفقا لما ذكره تراجر، أن هذه التغييرات على مستوى المساعدات تعكس السياسات البيروقراطية والمحلية المعقدة التى تنطوى عليها السياسة الأمريكية تجاه مصر، والتى عجزت إدارة ترامب عن معالجتها فى هذه الحالة، الأمر الذى أسفر عن نتيجة مربكة تتعارض على الفور مع الأولويات الأخرى للإدارة الأمريكية. وأضاف تراجر أن القرار يعكس أيضا «الصراعات المؤسسية حول ثلاث حزم منفصلة من المساعدات المقدمة لمصر، حيث تمّ إلغاء اثنين منها، فأولاً: تعيد الإدارة الأمريكية برمجة مساعدة عسكرية بقيمة 65،7 مليون دولار من السنة المالية 2014، وكان الكونجرس قد أوقف تسديد هذه المبالغ بموجب ما يسمى بقوانين ليهى على اسم السيناتور الأمريكى من ولاية فيرمونت التى تحظر تقديم المساعدات لقوات أمن أجنبية ترتكب انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان». وثانياً، والكلام لتراجر: «تعيد الإدارة الأمريكية توجيه مساعدة اقتصادية بقيمة 30 مليون دولار من أجل معالجة أولويات إقليمية أخرى غير محددة حتى الآن». ونوه تراجر إلى أن الإدارة الأمريكية واجهت ضغوطاً كبيرة من الكونجرس لوقف هذه المساعدات بعد أن وافق السيسى على قانون المنظمات غير الحكومية فى مايو الماضى. ومع ذلك، والكلام ما زال للباحث الأمريكى، عملت الإدارة الأمريكية على تحقيق سيطرة مباشرة بشكل أكبر على الحزمة الثالثة، التى تنطوى على 15% من 1،3 مليار دولار من المساعدات العسكرية الأمريكية السنوية لمصر، أو 195 مليون دولار، واشترط الكونجرس صرف هذه المساعدات من خلال قيام وزير الخارجية الأمريكى بالتصديق على قيام مصر باتخاذ خطوات فعالة نحو تحقيق الديمقراطية وحقوق الإنسان، بحسب تعبيره، لكن إدارة ترامب تنازلت عن هذا الشرط المتعلق بالتصديق لأسباب تتعلق بالأمن القومي، وبالتالى حافظت على المساعدات المتاحة بدلاً من ترك صلاحيتها تنقضى فى 30 سبتمبر المقبل، ولكن الإدارة الأمريكية وضعت شروطاً جديدة لاستخدام تلك المساعدات، بحيث يتم إنفاذها من قبل «وكالة التعاون الأمنى الدفاعي»، التى تدير المساعدات العسكرية الأمريكية، والتى يجب أن توافق على أى نفقات للمعونة إلى مصر. وأضاف الباحث الأمريكى أنه على الرغم من ذلك، فإن الشروط المفروضة على ال195 مليون دولار مبهمة بعض الشيء، فبدلاً من تقديم خطوات ملموسة يجب على القاهرة اتخاذها لتلقّى المساعدة، تحدثت الإدارة الأمريكية عن ثلاث مجموعات من المخاوف، لكنها عجزت عن تحديد ما إذا كان يجب تذليل بعضها أو جميعها، فعلى سبيل المثال، حثت القاهرة على إظهار تقدم فى قضايا المجتمع المدني، على سبيل المثال من خلال تحسين قانون المنظمات غير الحكومية الجديد أو حل محاكمة المنظمات غير الحكومية لعام 2013، التى استهدفت أربع منظمات غير حكومية «مؤيدة للديمقراطية» تمولها الولاياتالمتحدة. كما تريد الإدارة الأمريكية أيضاً أن تحتضن القاهرة بصورة أكثر حماساً الجهود الأمريكية لإعادة تركيز التعاون العسكرى على مكافحة الإرهاب، بحسب تعبير الكاتب. وقال تراجر أيضا: إن قلق واشنطن بشأن القضايا الخلافية مع مصر أمر مبرر، لكنه أشار إلى أن طبيعة هذه الشروط «العشوائية» وواقع تأثير الاعتبارات البيروقراطية والسياسية على قرار المساعدة موضع البحث، عوضاً عن أى استراتيجية شاملة للعلاقات بين الولاياتالمتحدة ومصر أو المنطقة الأوسع، تعكس حالة من الفوضى فى عملية صنع السياسات «الأمريكية». واختتم تراجر مقاله بالتأكيد على أن الطريقة التى اتخذت بموجبها واشنطن قرارها وكيفية إعلانها عنه قوّضت بشكل كبير من مصداقية إدارة ترامب مع القاهرة، التى لديها الآن سبب للتشكيك فيما إذا كانت هناك أهمية للدعم اللفظى الذى عبّره الرئيس الأمريكى تجاه السيسي. يذكر أن الباحث إيريك تراجر من معهد واشنطن هو مؤلف الكتاب «الخريف العربى: كيف ربح الإخوان المسلمون مصر وخسروها فى 891 يوما».