بعد فترة طويلة من التغطية «الصامتة» لما يجري في تركيا من انتهاكات وقمع للحريات وحقوق الإنسان، بدأت وسائل الإعلام الأجنبية في التعامل بشكل متزن إلى حد كبير في الأسابيع الأخيرة فقط فيما يتعلق بتغطية الشأن التركي، وبصورة لافتة للنظر. ويمكن القول تحديدا إن نقطة التحول الحقيقية في التغطية الإعلامية الأجنبية لما يجري في تركيا بدأت منذ احتدام الخلاف الكبير بين أنقرة وبرلين، إذ لم تجد وسائل الإعلام العالمية مفرا من التعامل بحيادية وموضوعية مع الأزمة التركية الأوروبية، بل ومع الأوضاع الداخلية المتردية في تركيا بشكل عام، بعد أن وصلت الأزمة بين أنقرة وبروكسل إلى طريق مسدود، وإلى مستويات غير مسبوقة من الشد والجذب. وبعد فترة من اكتفاء الإعلام الأجنبي ب”نقل” ما تتخذه الحكومة التركية من قرارات واعتقالات وانتهاكات، لدرجة وصلف عمليات القمع ب «التطهير»، أصبح الباب مفتوحا للحديث عن هذه الانتهاكات ولإظهار الوجه الحقيقي لنظام الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، خاصة في ضوء التوقعات بزيادة التصعيد بين أنقرة وبرلين تحديدا في المرحلة المقبلة، وظهر واضحا أن «الغطاء الإعلامي» المريب الذي كانت بعض وسائل الإعلام العالمي تفرضه على الشأن التركي على مر سنوات، تم رفعه الآن. ففي تغطيتها للشأن التركي، بثت وكالة «رويترز» تقريرا يوم 25 يوليو 2017 بعنوان «الخلاف التركي مع ألمانيا يضع صادرات الملابس التركية على المحك»، كما بثت تقريرا يوم 27 يوليو بعنوان «المعارضة التركية تنظم وقفة احتجاجية ضد التغييرات المقترحة على لوائح البرلمان»، كما تم بث تقرير آخر يوم 24 يوليو بعنوان «محاكمة صحفيين أتراك» حول محاكمة 17 من العاملين في صحيفة تركية معارضة بتهمة دعم جماعة إرهابية، واعتبر التقرير أن هذه المحاكمة دليل آخر على تعرض حرية التعبير للهجوم في تركيا، كما نقلت «رويترز» أيضا عن كبير مساعدي المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل يوم 23 يوليو قوله إن «سلوك تركيا يعد غير مقبول»، وأن “العلاقات الألمانية مع تركيا لا يمكن أن تكون طيبة إلا إذا ظلت تركيا دولة تحترم سيادة القانون”. وسارت على النهج نفسه وكالة «أسوشييتدبرس» للأنباء التي بثت تقريرا مطولا يوم 27 يوليو بعنوان «البرلمان التركي يمرر لوائح جديدة والمعارضون يخشون من إخراس أصواتهم» حول موافقة البرلمان التركي على مجموعة من التعديلات المثيرة للجدل التي تم إدخالها على اللوائح الخاصة به، والتي يصفها المعارضون بأنها تهدف إلى تضييق الخناق أكثر على الأصوات المعارضة داخل البرلمان الخاضع أصلا لهيمنة أغلبية حزب «العدالة والتنمية» الحاكم. كما نقلت الوكالة يوم 27 يوليو أيضا تصريحات الرئاسة النمساوية للاتحاد الأوروبي التي قالت إن أحدا لا يستطيع أبدا استيعاب انضمام تركيا إليه، كما سبق هذا التقرير بيومين خبر مماثل بعنوان «أردوغان يصعد خطابه المناهض للغرب»، في إشارة إلى التردي الخطير في العلاقات بين «السلطان» التركي والتكتل الأوروبي الذي طالما سعى أردوغان للانضمام إلى عضويته. ويرتبط بذلك أيضا التقرير الذي بثته الوكالة نفسها يوم 25 يوليو عن فشل المباحثات بين الاتحاد الأوروبي وتركيا في تخفيف حدة الخلاف حول الاعتقالات الراهنة في تركيا، والتي تستهدف المدافعين عن حقوق الإنسان والديمقراطية والحريات. وعلى الرغم من محاولات الإعلام التركي فرض سياج معلوماتي على أخبار الفيضانات الهائلة التي تعرضت لها بعض المدن التركية الشهر الماضي، فإن هيئة الإذاعة البريطانية «بي.بي.سي» بثت يوم 27 يوليو 2017 بعنوان «اسطنبول تتعرض لعاصفة عاتية تتسبب في حدوث فيضانات وأضرار»، كما كانت الشبكة البريطانية نفسها قد اهتمت بنبأ اعتقال الشرطة التركية للعشرات من المتظاهرين بسبب ارتدائهم تي شيرتات مكتوب عليها كلمة «بطل» أو Hero لأنها تشير إلى أنصار جماعة فتح الله جولن. أما شبكة “سي.إن.إن» الإخبارية الأمريكية فانضمت إلى الحملة الإعلامية العالمية ل «تعرية النظام التركي»، وبثت يوم 28 يوليو تقريرا تفصيليا عن خلفيات كلمة «بطل» التي بدأت تظهر على ملابس المتظاهرين ضد نظام أردوغان، قائلة إنه في منتصف يوليو الماضي، عمت الفوضى قاعة إحدى المحاكم في جنوب غرب تركيا عندما ظهر كوخان كوجلو وهو جندي سابق متهم بأنه على صلة بمحاولة اغتيال أردوغان خلال الانقلاب الفاشل العام الماضي في جلسة المحاكمة وهو يرتدي هذا التي شيرت، مما تسبب في تأجيل الجلسة، علما بأن شقيقته هي التي كانت قد أرسلت إليه التي شيرت، وبعد ارتدائه، أمرت السلطات بالتحقيق معها! ماذا بعد انتهاء «شهر العسل» بين الإعلام الغربي وتركيا؟ وهل ستكون هذه الحالة مؤقتة، أم تستمر طويلا، وتتزايد تدريجيا مع تصاعد التوتر بين أنقرة والدول الغربية؟!