طرح عدد من أعضاء مجلس النواب مجموعة أفكار تتعلق بتعديل الدستور يُفترض أن تُعرض على المجلس فى دورته المقبلة، وللوهلة الأولى بدا وكأن الهدف من هذه الأفكار هو زيادة مدة الولاية الرئاسية من أربع إلى ست سنوات لكن سرعان ما اتضح أنها تعكس رؤية لتعديلات أشمل تمتد إلى طبيعة النظام السياسي، وقد لعب رئيس مجلس النواب «ضربة البداية» فى هذه الأفكار بمناسبة مشاركته فى مناقشة رسالة دكتوراه بتصريحات مفادها أن الدستور الحالى وُضع فى ظروف عدم الاستقرار الذى شهدته الدولة وأن ذلك ترك بصماته على بعض مواده أما وقد عاد الاستقرار فإن هذا يقتضى إعادة النظر فيه، وعزز وكيل لجنة الشئون الدستورية والتشريعية هذا الرأى بتصريحه أن الدستور وُضع فى الظروف التى أحاطت بثورتى يناير ويونيو وفرضت على المشرع الدستورى مواد معينة لمواجهة دواع ملحة وبعد عودة الاستقرار لم يعد هناك مبرر لبقائها فى الدستور. وسرعان ما أوضح النائب اسماعيل نصر الدين صاحب مبادرة تعديل المادة 140 الخاصة بمدة الرئاسة أن التعديل أوسع من هذا، ذلك أن هناك «لجنة» تعكف على تعديل ست مواد انتهت من ثلاث منها وأن نتائج عملها ستُعرض فى مؤتمر صحفى يُعقد فى العشرين من هذا الشهر، كما صرح رئيس الهيئة البرلمانية لحزب المصريين الأحرار بأن الحديث عن تعديل الدستور ليس خطأً بعد أن أثبتت التجربة أنه يحتاج إلى تعديل فى نحو خمس عشرة مادة خصوصاً فى مدة ولاية الرئيس وصلاحياته وبالذات فى طريقة تعيين الوزراء وإقالتهم وأكد كذلك ضرورة إعادة الغرفة التشريعية الثانية تحت مسمى مجلس الشيوخ كما تفعل جميع دول العالم، وبرر رأيه بأن الدساتير توضع حسب ظروف الدولة وتحدياتها وأن البلاد تواجه أعمالاً إرهابية وأنه إذا كان الدستور يعوق مكافحة الإرهاب والتنمية وجب على المجلس الإسراع فى تعديله وأن التجربة قد أثبتت الحاجة إلى التعديل، وأخيراً وليس آخراً أضاف وكيل لجنة الدفاع والأمن القومى لمقترحات التعديل توسيع اختصاصات المحاكم العسكرية بضم المنشآت الشرطية لها ومد مدة فرض حالة الطوارئ من ثلاثة أشهر إلى سنة. واضح أن مبادرات تعديل الدستور جادة ومتعلقة بقضايا جوهرية فى النظام السياسى المصرى ولذلك فهى تستوجب مناقشة موضوعية أحاول أن أُدلى بدلوى فى أهمها، وبادئ ذى بدء فإن استناد مطالبات التعديل إلى أن «التجربة» قد أثبتت ذلك يحتاج إلى مراجعة فأين هى التجربة بالنسبة لدستور لم يُكمل السنوات الأربع عمراً؟ وكيف عوق الدستور جهود مكافحة الإرهاب والتنمية فيما نراه من تقدم مضطرد فى هذه المكافحة وفى مشروعات التنمية الجسورة التى يقودها الرئيس؟ وليسمح لى أنصار التعديل بأن أختلف مع منطقهم جذرياً وهو أن الدستور وُضع فى فترة عدم استقرار ومن ثم فإن عودة الاستقرار تقتضى التعديل فهو منطق يبدو مقلوباً، ففى ظل عدم الاستقرار كان المفترض أن يبالغ المشرع الدستورى فى طول مدة الولاية الرئاسية وسلطات الرئيس لأن ظروف عدم الاستقرار تتطلب استمراراً أطول فى الولاية وقبضة أكثر إحكاماً للسلطة التنفيذية وعندما يأتى الاستقرار نعود إلى المدد الرئاسية الأقصر والسلطات التنفيذية المقيدة. وللعلم فقد كنت فى أثناء الجدل حول الدستور الحالى من أنصار خمس سنوات كمدة للولاية الرئاسية أسوة بالبرلمانية لكن العمل الجاد والمضنى للجنة الدستور انتهى إلى غير ذلك وأقره الشعب ولذلك لابد من احترام الدستور لمدة زمنية تكفى لبناء الآراء على أسس موضوعية، كذلك لابد من أن نأخذ فى الاعتبار أن تعديل مدة الولاية الدستورية قد تشوبه شبهة عدم الدستورية. صحيح أن المادة 226 لم تُجز تعديل النصوص المتعلقة بإعادة انتخاب رئيس الجمهورية وسكتت عن مدة الولاية لكن جوهرها يشير إلى هاجس المشرع الدستورى بخصوص «استدامة» الرؤساء كما حدث من قبل ولذلك فإن المطالبة بزيادة مدة الولاية الرئاسية يتعارض فى تقديرى مع روح المادة 226 ويعتبر التفافاً عليها، ثم أن التعديل لا يتعلق بالرئيس السيسى وإنما بأى رئيس قادم لمصر، وإذا كان الله قد حبانا الآن برئيس وطنى مخلص جسور فماذا نفعل إذا انقلبت الآية من بعده وجاء رئيس لن يجثم على صدورنا 12 سنة فحسب وإنما لن يعدم الوسيلة للعودة بنا إلى المربع رقم صفر وفيه المدد الرئاسية مفتوحة؟ والغريب أن تأتى مبادرات زيادة الولاية الرئاسية مع رئيس تردد بصدق فى الترشح للرئاسة وصرح بحسم بأنه لن يبقى فى منصبه يوماً واحداً بالمخالفة للقانون ولم يحسم أمر ترشحه للولاية الثانية حتى الآن ولو كان حريصاً على البقاء فى منصبه لما قاد مسيرة الإصلاح بهذه الجرأة فلماذا يحرمنا أنصار التعديل من حلم العيش فى ظل ظروف دستورية مؤسسية طبيعية وهو الحلم الذى أجهضه تعديل 1980 لدستور 1971؟ يبقى أن المطالبة بتحرير الرئيس من قيد موافقة مجلس النواب على تعيين الوزراء وإقالتهم تتعلق بطبيعة النظام السياسى وقد كنت دوماً من أنصار النظام الرئاسى الذى يتسق مع مطالبات التعديل هذه باعتباره الأنسب للبنية السياسية المصرية ومع ذلك فإن ما ينطبق على تعديل المدة الرئاسية ينطبق هنا أيضاً بمعنى ضرورة إعطاء الزمن الكافى لنضج التجربة وينسحب الأمر نفسه على المطالبة بغرفة تشريعية ثانية وكنت أيضاً من أنصارها المتحمسين لأن الانتخابات كما هو واضح لا تأتى دائماً بأفضل العناصر بينما لو حُددت طريقة تكوين المجلس المطلوب بحيث تضمن دخولاً للكفاءات على أسس موضوعية لكان العائد عظيماً، ويبقى أن الحيز لا يسمح بمناقشة أفكار لتعديلات أخرى مهمة وقد تسنح الفرصة بعد المؤتمر الصحفى لمواصلة الحوار. لمزيد من مقالات د. أحمد يوسف أحمد