رئيس جامعة المنيا يُواصل جولاته التفقدية لامتحانات كليات التمريض ودار العلوم والتربية    محافظ شمال سيناء: إطلاق الدورة الثالثة من مبادرة المشروعات الخضراء بمحافظات مصر    ميناء دمياط البحري يستقبل نحو 43 ألف طن بضائع عامة خلال 24 ساعة    مدبولي يُوجه بسرعة تحويل الاتفاقات الإطارية للهيدروجين الأخضر إلى عقود مستدامة    3 وزراء يوقعون عقود تنفيذ مصنع تدوير المخلفات الصلبة البلدية بالجيزة    بمشاركة 55 شركة مصرية.. رئيس هيئة المعارض يفتتح الدورة ال14 لمعرض "سيراميك ماركت"    الخط الثالث للمترو يقلل زمن التقاطر داخل المحطات اعتبارا من السبت المقبل    مراسل «إكسترا نيوز» يرصد الأوضاع في رفح الفلسطينية: قصف إسرائيلي متواصل    سول تدين تصريح شقيقة زعيم كوريا الشمالية بشأن إرسال بالونات تحمل قمامة    موعد مباراة ريال مدريد ضد بروسيا دورتموند بنهائي دوري أبطال أوروبا    حرمان حسين الشحات من مزاولة أي نشاط إداري رياضي لمدة 5 سنوات وحبسه عام مع إيقاف التنفيذ    لجنة الحج والعمرة ب«الصحفيين» تنظم احتفالية لشرح مناسك الحج السبت المقبل    «تعليم القاهرة»: 470 طالبا حصلوا على الدرجة النهائية في الشهادة الإعدادية    استفسارات المواطنين حول موعد عيد الأضحى المبارك 2024 وإجازات العمل    رئيس جامعة القاهرة يهنئ حاكم الشارقة لفوزه بجائزة النيل للمبدعين العرب    «التضامن» توجّه فريق التدخل السريع بنقل مسنة مريضة إلى دور رعاية في القاهرة    فيلم بنقدر ظروفك يحقق أقل إيراد يومي.. هل خسر أحمد الفيشاوي جماهيره؟    بيت الزكاة: 500 جنيه منحة عيد الأضحى للأسر الأولى بالرعاية السبت المقبل    شروط الأضحية من البقر والجاموس.. اعرف الوقت المحدد للذبح    خلال شهر.. «الصحة» تعلن تقديم الخدمات العلاجية ل 145 ألف مواطن بالمجان    «الصحة»: تقديم 4 آلاف و548 خدمة طبية مجانية فى مجال طب نفس المسنين    «الرعاية الصحية» تحدد ضوابط إعفاء مرافقي المرضى من رسوم الإقامة    خطوة بخطوة.. طريقة الاستعلام عن المخالفات المرورية    البنك الأهلي المصري يطلق خدمة استقبال الحوالات الإلكترونية لحظيًا    وضع حجر أساس إنشاء مبنى جديد لهيئة قضايا الدولة ببنها    تسجيل أول مرشح في قائمة الانتخابات الرئاسية الإيرانية    فاولر: هبط مستوى صلاح بعد أمم أفريقيا.. وحزين لكسره رقمي القياسي    "طوارئ غزة" تدعو سكان جباليا لعدم العودة إلى شمال القطاع    قرار قضائي ضد سفاح التجمع ونجله بالتحفظ على أموالهما.. تفاصيل    فرق الدفاع المدنى الفلسطينى تكافح للسيطرة على حريق كبير فى البيرة بالضفة الغربية    الحبس عام لنجم مسلسل «حضرة المتهم أبيّ» بتهمة تعاطي المخدرات    وضع حجر أساس إنشاء مبنى جديد لهيئة قضايا الدولة ببنها    «التضامن»: طفرة غير مسبوقة في دعم ورعاية ذوي الإعاقة نتيجة للإرادة السياسية الداعمة (تفاصيل)    حصول محطتين لرفع الصرف الصحى بسوهاج على شهادة الإدارة الفنية المستدامة TSM    ل برج السرطان والحوت والجوزاء.. احذر تقع ضحية للعلاقات العاطفية السامة (توكسيك)    رئيس الأعلى للإعلام: القاهرة الإخبارية صوت مصر ينقل رسالتها للعالم    قبل «هنادي وأحمد صالح».. شائعات الانفصال تواجه ثنائيات الوسط الفني    كيفية تعليم طفلك طقوس عيد الأضحى المبارك.. طرق سهلة وبسيطة    الشامي : موقف رمضان صبحي صعب بسبب المنشطات    مجدي طلبة: شعبية الأهلي أكبر من الزمالك.. وحسام حسن قادر على النجاح مع المنتخب    سائلة: زمايلي بيصلوا بطريقة غريبة في الشغل؟.. ورد مفاجئ من أمين الفتوى    الهيئة القومية لضمان جودة التعليم تعلن اعتماد برنامجين بالهندسة الإلكترونية بالمنوفية    حصول 31 مؤسسة تعليمية في دمياط على اعتماد الجودة    وزير الري يتابع ترتيبات عقد أسبوع القاهرة السابع للمياه وأسبوع المياه الإفريقي    عاجل.. شوبير يكشف حقيقة رحيل علي معلول عن الأهلي بعد نهاية عقده    محافظ الجيزة يعتمد نتيجة الشهادة الإعدادية 2024    التعليم العالي: مصر تشارك في الاجتماع الأول للمؤسسة الإفريقية للتعلم مدى الحياة بالمغرب    الصحة: القوافل الطبية قدمت خدماتها العلاجية ل 145 ألف مواطن بالمحافظات خلال شهر    رئيس هيئة الرعاية الصحية يجري جولة تفقدية داخل مدينة الدواء.. صور    نقابة الأطباء البيطريين: لا مساس بإعانات الأعضاء    جهاز الأمن الفيدرالي الروسي: إحباط سلسلة هجمات إرهابية على السكك الحديدية في شبه جزيرة القرم    رئيس الإمارات يؤكد أهمية إيجاد أفق للسلام العادل والشامل في الشرق الأوسط    سيد معوض: لست مؤيدًا لفكرة عودة أشرف بن شرقي للدوري المصري    عاجل:- قوات الاحتلال تقتحم مدن الضفة الغربية    وزير الخارجية: الصين تدعم وقف إطلاق النار فى غزة وإدخال المساعدات للفلسطينيين    هل تجوز الصدقة على الخالة؟ محمد الجندي يجيب    كهربا: أقترح إقامة مباراة بين الأهلي والزمالك لمساعدة غزة    الإفتاء توضح حكم التأخر في توزيع التركة بخلاف رغبة بعض الورثة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



بذلك تبقى الأوطان
نشر في الأهرام اليومي يوم 06 - 08 - 2017

لا أمل من الحديث عن شيخ المؤرخين محمد شفيق غربال، ولا يغادر ذهنى مشهده حينما حمل حقائبه وغادر مصر إلى ليفربول فى بريطانيا، والحرب العالمية الأولى مشتعلة، والعالم يصطلى بها، لكنه كان مدفوعا بحب عارم للمعرفة ملك على الرجل قلبه، فتحرك سنة 1915م إلى بريطانيا، وألقى هناك عصاه، والتحق بمدرسة الدراسات التاريخية، وعكف على التعلم والاستزادة، وكان من حظه أن تتلمذ لمؤرخ الحضارات الشهير أرنولد توينبي، الذى أشرف عليه لنيل درجة الماجستير، ويبدو أن توينبى قد أنفق عمره فى دراسة الحضارات وفهم أسباب صعودها وسقوطها، والغوص فى التجارب البشرية المختلفة فى صناعة الحضارات، وما طرأ على كل تجربة من عوامل استقامة وسداد وانتظام وصعود، أو عوامل نحت وانهيار وسقوط، إنها مشهد نادر حينما تحتشد كل تلك المسارات من تاريخ البشرية أمام عقل باحث متبحر، فيقوم بالتجريد وإسقاط المشخصات والتغلغل إلى فهم قوانين هذه الظاهرة البشرية العجيبة، والتى هى صعود الحضارة، وكان من نتيجة ذلك أن انقدح لأرنولد توينبى معنى دقيق، اعتصره لتلميذه شفيق غربال، فكان يقول له: (إن الحضارات لا تموت قتلا، لكن تموت انتحارا، بانهيار منظومة قيمها).
وقد توقفت كثيرا أمام هذا المعنى، الذى هو قبس من الحكمة، اهتدى له باحث بعد أن أمضى العمر فى محاولة للفهم، فلاح لى عدد من الفوائد:
أولا: أننا نمد أيدينا ونفتح عقولنا لأى باب من الحكمة ينقدح على يد أحد من حكماء البشرية، ونسعى لاقتطاف تلك الخبرة، والانطلاق منها، وتوظيفها والبناء عليها، والتفكير على منوالها، لأن الله تعالى قد قسم العطاء ووزعه على مختلف الأجناس والأعراق والشعوب والحضارات، وينبغى لكل شخص جاد موفق أن ينتفع بذلك كله، فنرى هنا شفيق غربال يشد رحاله إلى أستاذه الخبير المحنك فى ليفربول، كما فعل شيخ الأزهر الشيخ عبد الحليم محمود، وشيخ الأزهر الشيخ مصطفى عبد الرزاق وعشرات ومئات سواهم.
ثانيا: أن هذا الانفتاح والتعارف الحضارى لا يفقد الإنسان اعتزازه العميق بذاته ووعيه ونسقه وسياقه، وثقته فى ذاته، وعرفانه العميق لأهليته وتجربته الخاصة، ومن ذلك أن شفيق غربال رجع إلى بلده غير منبهر ولا تائه ولا مشوش، بل رجع معتزا بمصريته، وكتب كتابه العظيم (تكوين مصر)، وأطلق شعاره الرفيع (مصر هبة المصريين).
ثالثا: أن الحضارات لاتموت قتلا، مهما طرأت عليها عوامل الضغط والضيق والضنك والشدة بل والتعدى العسكرى والحروب، فإن كل هذا لا يتمكن من إنهاء حضارة أو إسقاطها، فلا يمكن قتل الحضارات، بل إنها تستعيد دائما توازنها، وتسترد عافيتها، وتنهض من جديد، حتى بعد الحروب والأزمات، لكن الخطر الحقيقى الداهم على أى حضارة يرجع إلى انهزام الإنسان الصانع لتلك الحضارة، بأن تتفكك منظومة قيمه المركزية، وتنهار أخلاقياته، ويتحول مجتمعه إلى مجتمع الجشع والفلهوة والتعدى والاستهتار والكآبة وعدم العمل المكثف والإنتاج المتراكم المستمر الذى يصنع وفرة ورخاء، فحينئذ يكون الخطر الحقيقى على تلك الحضارة.
رابعا: أن الإنسان هو حجر الأساس فى أى حضارة، وليس القوة الاقتصادية ولا التكنولوجية، ولا العسكرية، ولا غير ذلك، بل قد يتعثر الإنسان فى ذلك كله، وتظل حضارة دائمة ومستمرة، بسبب أن الإنسان الصانع لذلك كله ما زال حيا وواثقا وقادرا على التجدد والاستمرار واجتياز الأزمات.
خامسا: منظومة القيم المركزية لأى شعب أو حضارة هى أساس بناء ذلك الإنسان، ودونها يتحول الإنسان إلى كائن عبثى فوضوى مدمر، ليس له سياق ولا تراكم ولا منهج، فيتحطم ويزول، فبمقدار العناية بحصر القيم المركزية للشخصية الوطنية، والتضافر على توريثها للأجيال، وبناء كل جزء ينهار منها، يظل الإنسان حيا، فتظل حضارته قائمة مهما تعرضت لأزمات، ومن ثم فنحن مطالبون بمشروع قومى مصرى لإعادة قضية الأخلاق وبناء الإنسان إلى الإنسان المصرى فى مختلف وجوه أدائه ونشاطه، فلاحا كان أو صانعا أو مدرسا أو غير ذلك، حتى نعيد إحياء أخلاق المهنة، وتنتعش فى نفوسنا تلك القيم الرفيعة التى تجعل الأمل أملا، والعمل عملا، والوطن وطنا، والشهامة شهامة، والثقة ثقة، ولابد من استنفار هائل فى هذا الاتجاه، تتضافر عليه منابر الإعلام، ومناهج التعليم، والخطاب الديني، ومنظومة العمل الإدارى فى الهيئات والمصالح الحكومية، وننزل به إلى القرى والمدن، وتنخرط فيه أطيافنا المختلفة، ونبذل فيه مجهودا كبيرا على مدى شهور، حتى تلين النفوس التى استمرأت لنفسها الجشع والطمع والتعدى والاستخفاف بكل شيء، وتنكسر تلك الدائرة المفرغة التى تدور فيها نفوس كثيرة، من الإثراء والتكسب مهما دمر فى سبيل ذلك من قيم، ومهما خان أو احتكر أو ارتشى أو فسد.
إنها فى نظرى قضيتنا القومية الأولى، التى تعيد تشغيل طريقة صناعة الإنسان المصرى الجاد العبقرى المبدع الوطنى الشغوف بالعمران والعلم، والقادر على اجتياز أزمات طاحنة نزلت بوطنه عبر قرون مضت، فنجح فى أن يجتاز بوطنه كل تلك الأزمات وأن ينقله من جيل إلى جيل مرفوع الرأس عزيز الجناب، وسلام على الصادقين.
لمزيد من مقالات د. أسامة الأزهرى


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.