أخطأت صحيفة "الحرية والعدالة" الناطقة بلسان الحزب خطأ يُعد فرصة لفتح ملف خطايا مهنية عمرت بها الصحف المصرية، ولا تزال، دون اعتراف بها، أو الاعتذار عنها، أو إيجاد آلية لتداركها، لا سيما في الآونة الأخيرة. خطأ الصحيفة ورد في موضوع بعنوان "الشرعية بالبرلمان"، بالصفحة الرابعة من عددها الصادر بتاريخ 1 يوليو 2012، وجاء فيه، على لسان الشيخ سيد عسكر، أن "دعوة الرئيس محمد حسني مبارك لجميع أعضاء مجلس الشعب لحضور الاحتفال بتنصيبه بجامعة القاهرة رسالة قوية موجهة إلى من يهمه الأمر".. والمقصود طبعا :الرئيس الدكتور محمد مرسي! لم تخطئ الصحيفة فقط في ذكر اسم الرئيس، الذي كان يُنشر حتى وقت قريب داخلها باعتباره رئيس مجلس إدارتها، وإنما أخطأت أيضا في ذكر صفة الشيخ سيد عسكر، إذ قالت إنه رئيس لجنة الشئون الدستورية بمجلس الشعب، بينما هو رئيس لجنة الشئون الدينية. وانطوت العبارة المذكورة على خطأ ثالث هو ذكر صفة المتحدث (الشيخ سيد عسكر) على أنها صفة حالية له، بينما هي صفة سابقة، بمعنى أن مجلس الشعب تم حله بحكم قضائي، وكان الأولى القول : "بمجلس الشعب السابق" أو "المنحل". أرى أن هذه الأخطاء الثلاثة غير مقصودة، وأن الأمر لم يكن يستحق كل هذا التجريس الذي نصبه البعض للصحيفة، حتى خرجت صحف بعناوين مثيرة تقول :"مبارك ما زال رئيسًا في الحرية والعدالة.. جريدة الإخوان لا تعترف بمرسي رئيساً..بالصور: خطأ فادح لجريدة الحرية والعدالة..تخلع مرسى، وتنصب مبارك رئيسا..في الحرية والعدالة: مبارك رئيسًا بدلاً من مرسي..الحرية والعدالة تُعيد حسني مبارك إلى الحكم... وهلم جرا! واضح من العناوين مدى التشفي في الجريدة، فضلا عن قدر المبالغة في إبراز خطئها، برغم الخطايا التي ترتكبها تلك الصحف، ومن ذلك مانشيت إحداها، وفي اليوم التالي مباشرة للخطأ، يوم الإثنين 2 يوليو، إذ قال :"ابن مرسي يسلم الغنوشي درعا رئاسيا في مطار القاهرة بتكليف من والده". هذا المانشيت تكرر في صحيفة حزبية، ونفى صحته -جملة وتفصيلا، وفي الحالتين- أسامة مرسي (نجل الرئيس)، ولم نر تجريسا لتلك الصحف، ولا اعترافا منها بالخطأ، ولا اعتذارا عنه للقارئ. السؤال الذي يطرح نفسه الآن: ما دور الصحيفة تجاه أخطائها.. هل تتجاهلها، وتتعامل معها على أنها لم تكن، أو أن القارئ لم ينتبه إليها، أم ترفع شعار :"جلَّ من لا يسهو، وعفا الله عما سلف"، أم أن هناك آلية واجبة تنظم الأمر في جميع الأحوال؟ أرى أنه من حق القارئ أن يعرف أن صحيفته أخطأت، وأن يعرف منها ذلك تحديدا، وأن يعرف سبب الخطأ، وهل هو مطبعي، أم بشري، وهل هو مسئولية المصدر أم المحرر أم الديسك أم المراجع.. إلخ؟ إن خطأ بسيطا قد لا يقف عند تبديل الحروف أو تغيير المعنى، بل ربما تجاوزه إلى إشعال فتنة داخلية، أو قطيعة دولية، أو الإساءة إلى شخصية وطنية، أو تشويه سمعة مؤسسة أو منظمة.. دون وجه حق. وفي المقابل، يساعد رصد الأخطاء بحياد، والإعلان عنها بتجرد، صانع القرار في الدولة على اتخاذ الموقف الصحيح، ويعين القارئ (المواطن المتلقي) على تكوين الرأي السليم. للاعتراف بالخطأ يمثل أيضا لبنة في تطوير الممارسة الديمقراطية، ويعلي من شأن المسئولية الاجتماعية للصحيفة، والعاملين فيها. أيضا، قد يكون الخطأ الصحفي مؤشرا على غياب المؤسساتية والمهنية بالجريدة، وربما يقودها إلى اكتشاف خلل في نظم عملها، كما أن الإقرار به يقضي على الشائعات التي تواكبه، ويقلل من تأثير السخرية والانتقادات اللاذعة إلتي توجه إلى الصحيفة بسببه، فضلا عن أنه يجعل أرشيفها "نظيفا"، لا يحتوي على موضوعات ذات أخطاء لم يتم التنبيه إليها من قبلها. ولذلك رأينا هيئة الإذاعة البريطانية "بي.بي.سي" تعتمد مبدأ :"تصحيح الأخطاء، والاعتذار عنها فورا". ورأينا القاعدة الصحفية تقول :"عليك أن تقر بالأخطاء، وأن تصححها فور وقوعها، فهذا أجدر بثقة قارئك بك، واحترامه لالتزامك الأخلاقي". الاعتراف بالخطأ الصحفي، والاعتذار عنه، مهم أيضا لاستمرار الثقة بين القارئ والصحيفة، والحفاظ على سمعتها، وهو أمر تغذيه ممارستها المهنية القائمة على الأمانة، والمصداقية.. فالقارئ يغفر للصحيفة خطأها، لكنه لا يغفر لها أبدا خداعها. والأمر هكذا، كنت آمل من "الحرية والعدالة" أن تكون سباقة في إرساء هذا المبدأ، وأن تشير إلى خطئها، وأن تعتذر عنه للقارئ، فليس من طلب الحق فأخطأه، كمن طلب الباطل فأصابه، لكنها تجاهلت ذلك، وتعاملت مع الأمر كأن شيئا لم يكن. واكتفت بنشر بموضوع في عددها التالي بعنوان :"الأخطاء الصحفية.. أسرار المهنة التي يكتشفها القارئ"، وألمحت فيه إلى أن "البعض قد يوظف الأخطاء في العمل الصحفي أحيانا لعملية تشهير بالصحيفة"، كأنها تقصد نفسها، وهي محقة، لكن هذا لم يكن يكفي -وحده- برأيي. [email protected] المزيد من مقالات عبدالرحمن سعد