سيحفظ التاريخ للرئيس الموريتانى على ولد محمد فال الذى رحل عن دنيانا قبل أيام أنه ثانى اثنين فى العالم العربى بعد السودانى عبدالرحمن سوار الذهب تركا السلطة طواعيةً بعد أن دانت لهما قطافها، بينما تسبَّب تشبث آخرين بها مثل بشار الأسد ومعمر القذافى وعلى عبدالله صالح وحسنى مبارك بدرجة أو أخرى فى حمامات دم وتشريد ودمار عانت شعوبهم ويلاتها وستعانى منها لسنوات طويلة.ولو أنهم اعتبروا بما حدث لحكام أشد منهم قوةً وأعزّ نفراً وأدركوا أن الخلود ليس بطول فترة البقاء بالحكم وإنما بالإنجازات لجنَّبوا شعوبهم مآسى القتل والتشريد والجوع واللجوء إلى دول أخرى إن شاءت أكرمتهم أو أذلَّتهم. الأول أطاح بنظام حكم معاوية ولد الطايع الديكتاتورى(1992-2005)فى انقلاب أبيض بعد أن بلغ السخط الشعبى ذروته واستنَّ سُنَّةً حسنة فرفض ترشيح نفسه لأول انتخابات رئاسية حتى لا يظن أحد أنه استغل منصبه وسخَّر أجهزة وإمكانيات الدولة لضمان فوزه بل وحظر على كل أعضاء المجلس العسكرى الحاكم الترشح لأول انتخابات رئاسية أو برلمانية أو بلدية للسبب نفسه،وفى الموعد المحدد وقبل انقضاء عامين سلَّم السلطة للمرشح الفائز ولد الشيخ عبدالله وأقام فى مقره الريفى برفقة سائقه وطبيبه يستمتع بهوايته المحببة،القراءة ورعى الإبل،ولم يندم حتى عندما رشَّح نفسه للرئاسة عام 2009 بعد انتهاء فترة الحظر ونسى الموريتانيون فضائله فلم يُعطه إلاَّ القليلون أصواتهم فبقى فى صفوف المعارضة حتى لقى وجه ربه الكريم. أما الآخر فقد انحاز للجماهير الغاضبة على نظام حكم جعفر نميرى وسارع بالإطاحة به عام 1985 وأعلن بوضوح أن المجلس العسكرى لن يبقى فى الحكم أكثر من سنة واحدة تجهز خلالها الأحزاب نفسها لانتخابات برلمانية حرة بعد وضع دستور جديد يغير نظام الحكم ويجعل منصب الرئيس شرفياً والسلطة الحقيقية فى يدى رئيس الوزراء الذى سيكون مرشح الحزب الحاصل على أغلبية الأصوات بمفرده أو بالتحالف مع أحزاب أخرى.وقبل حلول الموعد ناشدته الأحزاب أن يمهلها وقتاً إضافياً لاستكمال استعداداتها لخوض الانتخابات التى كانت فيما يبدو قد نسيتها فى عهد نميرى(1969-1985)إلاَّ أنه أصرَّ على تسليم السلطة فى الوقت المحدد فلم تجد مفراً من إجراء الانتخابات فى موعدها وتسلَّم الحكم منه الصادق المهدى زعيم حزب الأمة الفائز بأعلى الأصوات وأحمد الميرغنى رئيساً للمجلس الأعلى للدولة عن الحزب الاتحادى الذى جاء فى الترتيب الثانى بنسبة الأصوات،وكانت تجربة محل تقدير واحترام كبيرين استمرت ثلاث سنوات حتى دبَّرت الجبهة الإسلامية انقلاب 1989 الذى أطاح بالنظام الديمقراطى. على النقيض منهما بلغ روبرت موجابى رئيس زيمبابوى من العمر أرذله(93 عاماً)واعتلت صحته وشوهد مراراً يتدلى رأسه على كتفه أوصدره نائماً فى المؤتمرات ولم يقنع بسبعة وثلاثين عاماً قضَّاها فى السلطة وأصرَّ على ترشيح نفسه لانتخابات 2018 حيث سبق أن أعلن أنه سيحكم مدى الحياة لأن الزيمبابويين الذين تدهور مستوى معيشتهم بشدة وارتفعت نسبة الفقر بينهم إلى 93% والبطالة إلى 80% لا يرضون بغيره بديلاً،بل إن زوجته جريس قالت:حتى إذا مات يمكنه أن يخوض الانتخابات وهو جثة ويكسب أصواتاً!.أما رئيس أوغندا يورى موسيفينى فخرج على قومه فى يناير الماضى بمناسبة مرور 31 سنة على تولِّيه السلطة قائلاً:(لست خادماً عندكم وإنما مناضل من أجل الحرية ونفسى ومعتقداتى وإذا كان هناك مَن يعتقد أنه منحنى وظيفة فهو يخدع نفسه). وفى تشاد أجَّل إدريس ديبى الإنتخابات البرلمانية التى كانت مقررة فى 2015 مرةً أخرى قائلاً فى فبراير الماضى:(فى وقت أصبحت فيه البقرة عجفاء ليس بإمكاننا عمل شىء)فى إشارة إلى أن حالة الميزانية لا تسمح بتوفير المال اللازم لها بسبب انخفاض عائدات البترول نتيجة تدهور أسعاره،وهو الذى قال لأنصاره لدى فوزه بفترة حكم خامسة فى إبريل2016:(الشعب قال لكم حالاً إنه يريد مواصلة المسيرة مع مرشح كل التشاديين)،والسؤال:لماذا توافرت الأموال لانتخابات الرئاسة وعجفت البقرة عند انتخابات البرلمان؟!.ومثله سعى جوزيف كابيلا رئيس الكونغو-كينشاسا للتشبث بالسلطة بكل ذريعة ممكنة ولما اشتدت رياح الإحتجاجات انحنى مؤقتاً أمامها واتفق مع قادة المعارضة على إجرائها فى نهاية العام الحالى متأخرةً عن موعدها بنحو 14 شهراً ثم خرج وزير الميزانية ليقول إن حكومته لن تتمكن من تدبير 1٫8 مليار دولار تكلفة إجرائها فى محاولة مكشوفة ليبقى كابيلا بالحكم وكأن 17 سنة لا تكفيه!. كثيرون هم الحكام الأفارقة الجاثمون فوق صدور شعوبهم لما يقرب أحياناً من 50 عاماً مثل تيودور أوبيانج فى غينيا الإستوائية وساسو نجيسو فى الكونغو- برازفيل وبول بيا فى الكاميرون وعلى بونجو فى الجابون ويبدو أنهم لم يتعظوا بما حدث لأمثالهم الذين أُطيح بهم ويعيشون مطاردين فى المنفى ومنهم يحيى جامع (جامبيا) الذى قال إنه سيحكم مليار سنة وبن على (تونس) وولد الطايع (موريتانيا) وحسين حبرى (تشاد) ومنجيستوهيلا-مريم (إثيوبيا) وبليزكومباورى (إفريقيا الوسطى) وباسكال ليسوبا (الكونغو-برازافيل) وتومانى تورى (مالى). لمزيد من مقالات عطية عيسوى