لايعنيني كثيرا إن كان حزب الحرية والعدالة يريد السيطرة علي الصحافة بما يسمي معايير اختيار رؤساء تحرير الصحف القومية. فالحزب ينفي والآخرون يؤكدون, فالسؤال الأهم بافتراض حسن النيات هو هل هذه هي الطريقة الصحيحة في اختيار رؤساء تحرير الصحف القومية بصرف النظر عن أهداف من ابتدعوها. الحقيقة هي أنها اختراع غير مسبوق بل هي إبداع من إبداعات الهواة وليس المحترفين في عالم الصحافة والديمقراطية معا,55 مطبوعة قومية عامة ومتخصصة سوف تختار رؤساء تحريرها لجنة واحدة الأغلبية الساحقة من أعضائها علي أكثر التقديرات يقرأون بعض هذه الصحف ولم يسمعوا يوما بالبعض الآخر. علي شاشة التليفزيون تابعت رئيس اللجنة الذي هو رئيس لجنة الثقافة والإعلام بمجلس الشوري. رجل له كل التقدير والاحترام ولكن حديثه يكشف عن معرفة غائبة بعالم الصحافة المعقد والشائك مهنيا وسياسيا. فالرجل لم يعرف الصحافة إلا قارئا لبعضها. إلي جواره جلس أحد رجالات الصحافة المصرية المرموقين لكنه كان لينا سهلا متحفظا في تقييمه للاختراع الصحفي الذي جاء به مجلس الشوري. كان تاريخه الطويل في أروقة الصحافة جديرا بأن يدفعه إلي نقد أكثر جدة وحدة أعلم أنه يمتلك جيدا أدواته ولكنه لم يفعل لأسباب يعرفها ولم أفهمها. وإذا كانت المعايير التي ابتدعتها اللجنة الموقرة هزلية فإن مناقشتها اشبه بالهزل نفسه في مواقف الجد. سوف أتجاوز هذه المعايير التي لم أسمع بها في أي نظام صحفي في العالم علي كثرة ما درست من أنظمة الإعلام في دول كثيرة من الغرب والشرق. كان أولي بمجلس الشوري أن يوفر جهده الذي أنفقه شهورا في تطوير معايير مثيرة للشفقة من أجل التفكير في الأوضاع الغريبة للصحافة المصرية القومية ونزيف خسائرها وتراجع مهنيتها وتأثيرها محليا وعربيا وعالميا والبحث عن مخرج لهذا التضخم الذي أصابها بالترهل. ومن باب أولي أن يهتم مجلس الشوري بأمره المنظور أمام القضاء وكان عليه أن ينتظر مصيره قبل أن يقدم علي هذه الخطوة الغريبة والمريبة. لن تخسر الصحف القومية كثيرا فيما لو استمر رؤساء التحرير الحاليون في عملهم عاما آخر أو عامين حتي ننتهي إلي علاج ناجع لكل أوجاع تلك الصحف فنضعها علي طريق التحدي الحقيقي الذي تواجهه الصحافة المطبوعة بوجه عام والصحافة القومية بوجه خاص. وكان بوسعه أن يعهد للصحفيين أنفسهم في كل مطبوعة انتهت مدة خدمة رئيس تحريرها أن يختاروا بأنفسهم من يقود عملهم الصحفي أو علي الأقل يعهد لرؤساء الأقسام وكبار المحررين بهذا الاختيار حتي نصل إلي تصور كامل. ما فعله مجلس الشوري الآن هو ذاته الذي فعله مجلس الشوري من قبل ولكن تحت رداء زائف من الديمقراطية. تقاعس المجلس في السابق عن أوضاع المؤسسات الصحفية القومية التي كانت تتدهور تحت سمعه وبصره واهتم باختيار القيادات الصحفية التي تعمل من أجل أهداف أخري. واليوم يغفل مجلس الشوري أوجاع المؤسسات الصحفية ذاتها ويهتم فقط باختيار القيادات الصحفية لأهداف أخري أيضا. لن يعفي الرئيس الدكتور محمد مرسي القول بأن هذا الذي يجري هو شأن من شئون مجلس الشوري الذي لايخضع لولايته ولكن بوسعه عرفا وقانونا ودستورا أن يختلف مع مجلس الشوري وأن ينتصر للصحافة المصرية في هذا الموقف الذي يهدد الصحافة القومية. وقد سبق أن فعلها مبارك ولم يكن منتخبا فلماذا لايفعلها الرئيس المنتخب الآن؟ علي أن القضية أخطر كثيرا من الصحافة القومية ومستقبلها. نحن علي أبواب أخطار أكبر فيما لو خضعت مؤسسات التعليم والثقافة والوعظ لمثل ذلك المنطق المعوج. ربما يتولي غدا وزارة التعليم الحزب الحائز علي الأغلبية وكذلك وزارة الثقافة والأوقاف. وباسم الشعب الذي انتخبه سوف يقوم بصياغة سياسات التعليم والثقافة والوعظ حتي يفوز حزب آخر وباسم الشعب أيضا سوف يعيد صياغة تلك السياسات ويصبح المصريون فيما يتعلمون ويفكرون ويعرفون ويتعبدون حقلا لتجارب الأحزاب وأفكارها من أقصي اليمين وحتي أقصي اليسار. منتهي العبث الديمقراطي. الأمر يقتضي وضع استراتيجيات الإعلام والتعليم والثقافة والوعظ الديني من قبل خبراء مستقلين يضعون تراث مصر الحديثة ومصالحها العليا واحتياجات أبنائها ويؤكدون هويتها التي تبلورت, لا أن يستحدثوا لها هوية. المزيد من مقالات د. حمدي حسن أبوالعينين