تؤدي الجامعات دورا مؤثرا في محيطها قد يتجاوز إصدار الدراسات والبحوث، إلى المشاركة بقوة في تنمية المجتمع، وهو ما تسعى إلى تحقيقه جامعة الإسكندرية، التي تحتفل، هذا العام، بمرور 75 عاما على إنشائها، بتقوية أدوارها التنموية، التي تشمل المحافظات المجاورة ، وهو ما جسدته في ملتقاها البيئي الثامن، الذي اختتمه قبل أيام، وأوصى بتفعيل استخدامات الطاقة الشمسية والطاقة المتجددة بجميع منشآت الجامعة، وتطبيق مفهوم المدن الخضراء في العاصمة الإدارية الجديدة، وإعادة النظر في التركيب المحصولي، والاستفادة من محدودية المياه، وتطبيق أساليب الإدارة البيئية في الصناعة لتحسين «البصمة البيئية». عُقد الملتقى تحت شعار «المدن الخضراء المستدامة»، وافتتحه الدكتور عصام الكردي رئيس الجامعة، وشمل مؤتمرا للخبراء، وحلقات عمل، ومعارض متنوعة، وتكريما لعدد كبير من خبراء الجامعة، على اختلاف تخصصاتهم، كما تحدث فيه عدد من الخبراء، والتنفيذيين. البشر.. والخضرة وفي البداية قالت الدكتورة هدى مصطفى وكيلة وزارة البيئة: لابد من إعطاء الأولوية لتطوير قدرات الكوادر البشرية من أجل إحداث طفرة في النوعية البشرية من أجل التنمية المستدامة التي تعمل على إحداث التوازن بين الأضلاع الثلاثة للتنمية، والمدن الخضراء، بحيث تقوم على مراعاة مدخلات البيئة واستخدامات الموارد كالطاقة والمياه، فالمدينة المستدامة يجب أن تكون قادرة على إطعام نفسها مع اعتماد ضئيل على المناطق الريفية، وكذلك استخدام موارد غير تقليدية للطاقة. من جهته، قدم الدكتور أحمد حسام الدين حسن، أستاذ هندسة البيئة بالمعهد العالي للصحة العامة، عرضا لتطور الاهتمام الدولي بمفاهيم البيئة والتنمية المستدامة منذ مؤتمر ستوكهولم عام 1972 ثم مؤتمر الأممالمتحدة للبيئة عام 1992، ومنذ وضعت «جرو هارلم برونتلاند»، وزيرة خارجية النرويج، مفهوم الاستدامة، وهو أن تلبي التنمية احتياجات الجيل الحالي دون أن يؤثر ذلك على مستقبل الأجيال القادمة. وقدم الدكتور أحمد تعريفا بالاقتصاد الأخضر الذي يهتم بصنع الوظائف اعتمادا على البيئة، وصنع التجارة، والأسواق الخضراء، مشيرا إلى التحديات التي تواجه مجتمعنا في مجال التنمية، وأبرزها نقص إنتاجنا من الغذاء، إذ بلغت وارداتنا منه 30 مليار دولار عام 2010، علاوة على نقص المياه الحاد بنحو 45 مليار متر مكعب، كما تواجه المنطقة العربية مشكلات نقص العدالة الاجتماعية والتصحر والجفاف والتلوث. وفي سياق متصل، تحدث الدكتور هشام سعودي، أستاذ العمارة بكلية الفنون الجميلة، عن المدن والعمارة الخضراء، مشيرا إلى أنه لا يُوجد في الإسكندرية سوى منطقتين خضراوين في هذه المساحة الكبيرة التي ورثناها من الأجيال السابقة، لكن الجيل الحالي ليس له أي إسهام فيها، وعندما نقارن بين البيوت الريفية والبدوية القديمة، وبين ما نفعله كمتخصصين، فليس أمامنا سوى أن نضع النموذج الذي يعتمد على «العلم»، الذي لم يعد معترفا به في مجتمعنا الاستهلاكي. دورنا البيئي أما عن الدور المهم والمتميز الذي تؤديه جامعة الإسكندرية في هذا الصدد، فيشرحه الدكتور عصام الكردي، رئيس الجامعة، قائلا: «هو خدمة البيئة سواء في إعداد الطلاب أو مجال الدراسات العليا والأبحاث التي تخدم البيئة البحثية، بالإضافة إلى المشروعات البحثية ذات الجانب التطبيقي التي تصب مباشرة في البيئة، من خلال 55 وحدة ذات طابع خاص، ولها العديد من الأنشطة الإنتاجية والاستشارية بالإضافة إلى مراكز التميز بالجامعة التي لا يُوجد لها مماثل في الجامعات الأخرى مثل مركز الآثار الغارقة الموجودة بالإسكندرية القديمة، بحوض الميناء الشرقي، والساحل الشمالي الغربي. ويوضح أن أبرز المشروعات التطبيقية التي تمارسها الجامعة حاليا هو مشروع لتحلية المياه، حيث يوجد مركز للتحلية بمنطقة «فوكة»، ومشروع لاستخدام الطاقة الشمسية في توليد الكهرباء الآمنة بمزرعة كلية الزراعة بأبيس. وبالنسبة للدور الذي تؤديه الجامعة في حل مشكلات المجتمع اليومية قال الكردي: حلا لمشكلة الزحام والتكدس؛ قدم المركز الهندسي الاستشاري بكلية الهندسة مخططا كاملا، لإعادة تخطيط طرق وشوارع المحافظة؛ للتغلب على مشكلة التكدس المروري، من خلال فتح محاور جديدة، وتوسيع المحاور الموجودة حاليا، ومقترحا كاملا لتطوير خط سكك حديد أبي قير وترام الرمل، وتوسعة الرقعة الحضارية للمحافظة، عن طريق رفع هذا الخط في مسار علوي، الأمر الذي يؤدي لتقليل زمن التقاطر، ورفع كفاءة استخدامه، مما يقلل الضغط على شوارع المحافظة. ويشير إلى أنه يُوجد بالجامعة قسم علمي متميز هو قسم «هندسة الموانئ» بكلية الهندسة، الذي يقدم دراسات هندسية في حماية الشواطئ، وإنشاء الأرصفة البحرية وحمايتها من التيارات البحرية، بأسلوب مبتكر، وهو إنشاء حواجز للأمواج المغمورة التي وُضعت في قاع البحر بمناطق التيارات البحرية، للحد من تأثير التيارات البحرية والأمواج العالية، التي وصلت إلى 12 مترا، بعد توسعة الكورنيش بواسطة ردم شاطئ البحر. ويضيف أنه إلى جوار ذلك، قدمت الجامعة كل دراسات التربة الخاصة بالمزارع السمكية بالإسكندريةوالمحافظات المجاورة، ويجري تطوير كل المستشفيات الجامعية، وعددها عشرة مستشفيات، كما تم إنشاء المجلس الطبي للجامعة لرفع كفاءة الخدمة الطبية وقدرات العاملين وأعضاء هيئة التدريس من الأطباء، بهدف التكامل مع مستشفيات وزارة الصحة والقوات المسلحة والتأمين الصحي؛ لتقديم خدمة طبية مميزة لأهالي المحافظة والمحافظات المجاورة. أنشطة متنوعة أخيرا، ضمت فاعليات الاحتفال معرضا افتتحه كل من: د. محمد سلطان محافظ الإسكندرية، ورئيس الجامعة، وضم إنتاج 29 مركزا متميزا بالجامعة ومشروعاتها، و39 مشروعا بحثيا مرتبطا بالبيئة، و49 وحدة ذات طابع خاص. وشملت الفاعليات أيضا الاحتفال بيوم الأرض، وتنظيم حلقات عمل عدة، ومسابقات لطلاب المدارس والجامعة، عن البصمة البيئية، ومعرضا لمكتبة الإسكندرية، وسيارة للتوعية من جهاز شئون البيئة.