ترددت كثيرا فى الكتابة عن هذه القضية التى تثير لدينا حساسية شديدة سواء لارتباطها بفتاوى لبعض رجال الدين، أو لإمكانية استغلالها للتشكيك فى سلامة الموقف المصرى من القدس، فى ظل ترصد الكتائب الإلكترونية التى تعمل على اجتزاء بعض الاخبار لإثارة الرأى العام دون مناقشة موضوعية لها، إلا أن تصاعد أنشطة المنظمات اليهودية المتطرفة ( أمناء جبل الهيكل – عائدون لجبل الهيكل ) ودعوتهم اليهود خلال احتفالاتهم بعيد الفصح لتقديم «قرابين الفصح»، حيث اعتقلت الشرطة الإسرائيلية العشرات من المستوطنين المتطرفين لمحاولة تهريب قرابين لذبحها بالساحة المقدسة، بالتزامن مع تكرار اقتحام وتدنيس المستوطنين ساحة المسجد الأقصى فى حماية سلطات الأمن التى منعت المسلمين من دخول القدس تحسبا من حدوث مواجهات بين الطرفين، قد دفعتنى للتصدى لهذه القضية، خاصة مع انشغال القيادات الفلسطينية فى رام اللهوغزة بتبادل الاتهامات حول المسئولية عن معاناة سكان قطاع غزة، وتشديد إجراءات الحصار وقطع الكهرباء عن سكان القطاع . وقد جاء نداء الرئيس الفلسطينى فى القمة العربية الأخيرة بالأردن للأمة العربية والإسلامية بالسماح للمواطنين بزيارة القدس دعما للمسجد الأقصى، مرتبطا بإدراكه حجم التهديدات التى تتعرض لها المقدسات المسيحية والإسلامية فى القدس، ومحدودية قدرة الفلسطينيين فى الذود عنها نتيجة الانقسامات التى يشهدها البيت الفلسطينى، وانشغال معظم الدول العربية بمشكلاتها الداخلية وصراعاتها الإقليمية، بصورة أضعفت قدرة الجانب العربى على متابعة وإجهاض المحاولات اليهودية لفرض أمر واقع على الأرض يستحيل معه المطالبة بأى حقوق تاريخية أو سيادية فى القدس مستقبلاً. تجدر الإشارة إلى أن الخلاف فى مسألة زيارة القدس يعبر بالأساس عن موقف سياسى وليس دينيا، لأن الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم أوصى بشد الرحال إلى المسجد الأقصى أولى القبلتين وثانى الحرمين الشريفين، وكون هذا المسجد أسيرا للاحتلال الإسرائيلى يجعل الجهاد لتحريره بجميع الأدوات والوسائل واجبا شرعيا ووطنيا ، كما أن قرار قداسة البابا شنودة الثالث بمنع زيارة الأقباط الأراضى المقدسة، وقرار المجمع المقدس فى عام 1980 بعدم التصريح بسفر رعايا الكنيسة للقدس جاء احتجاجا على قيام سلطات الأمن الإسرائيلية بتسهيل استيلاء الرهبان الأحباش على دير السلطان التابع للكنيسة القبطية فى القدس، ورفض الحكومة الإسرائيلية تنفيذ قرارات المحكمة العليا بالقدس بإعادة الدير للكنيسة المصرية. وقد ارتبطت صياغة مواقف الدول العربية والإسلامية من مسألة زيارة القدس بالتحولات السياسية فى المنطقة، فى ظل الحساسية التى يتسم بها التعامل مع هذه القضية، وهو ما حرصت بعض القيادات الدينية على استغلاله للتعامل معها من منطلق دينى «حلال وحرام عبر فتاوى دينية، وتشجيع الجماعات والتنظيمات والحركات الإسلامية فى المنطقة للمزايدة على مواقف الحكومات العربية وإحراجها، مع توظيف الشعارات الدينية لدغدغة مشاعر المواطنين وكسب تعاطف الشعوب الإسلامية مع مواقفها، رغم أن التطورات الأخيرة التى شهدتها البلاد خلال السنوات الأخيرة قد أكدت عدم نزاهة ومصداقية تلك التنظيمات، وتأثرها بأجندات خارجية لاتعبر بالضرورة عن قيمهم ومعتقداتهم، ويأتى على رأس تلك التنظيمات جماعة الإخوان الإرهابية التى استغلت القضية الفلسطينية لتحقيق أطماعها الذاتية من خلال جمع الأموال لصالح التدريب العسكرى بدعوى الدفاع عن المقدسات الإسلامية، ورفعها كشعار لتوظيف الدين فى خدمة أغراضهم السياسية، ومن ثم أخذت عنها جماعات التطرف العنيف التى ترى أن «الطريق إلى القدس» يمر عبر عواصم الدول العربية، وبالتالى وفرت غطاء شرعيا لتنفيذ العمليات الإرهابية فى الدول العربية، كما لجأت إلى اتخاذ أسماء على غرار «أنصار بيت المقدس، وأكناف بيت المقدس» لكسب التعاطف الشعبى مع أنشطتها التى لم تشكل تهديدا فى يوم من الأيام لإسرائيل التى تحتل بيت المقدس. كما أن حركة حماس التى تمثل الذراع العسكرية لتنظيم الإخوان التى .. اعترضت على خيار السلام الذى تبنته حركة فتح ومنظمة التحرير الفلسطينية . وقد تجلت مزايدات جماعة الإخوان وربيبتها حماس فى ردود الفعل التى أبدتها على زيارة فضيلة الدكتور على جمعة مفتى الديار المصرية السابق للمسجد الأقصى عام 2012 والتى نظمتها المملكة الأردنية عبر أراضى السلطة الوطنية الفلسطينية، حيث انتفضت التيارات السلفية وقيادات جماعة الإخوان وعلى رأسهم مفتى الجماعة فى قطر « يوسف القرضاوى « للتعريض بفضيلة المفتى والإساءة إليه والمطالبة بإقالته، مع تشجيع طلبة جامعة الأزهر المنتمين للجماعة والتيارات السلفية على مهاجمة دار الإفتاء ومشيخة الأزهر فى صورة تكررت كثيرا بعد ثورة 30 يونيو لأسباب أخرى، وبما يؤكد أن ردود الفعل التى وقعت كانت مخططة ومرسومة لتوظيف الزيارة سياسيا من قبل جماعات الإسلام السياسى، وبالتالى يجب ألا تشكل مواقف تلك الجماعات قيودا على مساعى الدول العربية لتقديم الدعم لسكان القدس فى مواجهة إجراءات التهويد للمدينة المقدسة والتضييق على المقدسيين لإجبارهم على مغادرة أراضيهم ومحاولات إغرائهم لبيع ممتلكاتهم بالقدس. وفى تقديرى فإن تشجيع السياحة الدينية إلى القدس يمكن أن يشكل آلية مستقرة لتعزيز ارتباط العرب بمقدساتهم الدينية، ومصدرا مستمرا لتمويل صندوق القدس لمساعدة المقدسيين على مواجهة إغراءات رجال الأعمال اليهود، فضلا عن تأكيد المساندة الشعبية والمعنوية لهم من خلال زيارات المسلمين والمسيحيين للأماكن المقدسة عبر الأراضى الأردنية والفلسطينية، وفضح الممارسات والانتهاكات الإسرائيلية حال رفض سلطات الأمن السماح لتلك الطوائف بزيارة المقدسات الدينية، وكسب مساندة القوى الدولية للمطالب العربية باستعادة السيادة على المناطق المقدسة، مع وضع قضية القدس فى مقدمة اهتمامات السياسة الخارجية للدول العربية والإسلامية، وتأكيد عدم التهاون إزاء أى انتهاكات أو تجاوزات إسرائيلية بحقها، وعلى القيادات السياسية والدينية فى الدول العربية اتخاذ القرارات التى تتواءم مع التحولات السياسية التى تمر بها القضية الفلسطينية، وعدم التأثر بمحاولات اليهود تصوير تلك الزيارات على أنها من مظاهر التطبيع الدينى مع إسرائيل، وهو الأسلوب الذى تلجأ اليه القوى اليهودية والصهيونية لتحجيم قدرتنا على اتخاذ هذا القرار. لمزيد من مقالات لواء. محمد عبد المقصود;