الواو مٓوْلود حدانٓا وحْدانا عٓمُّه وخالُه ولا حٓدّ يِحْدى حِدانا ولا غِيرنا فى القول خالُوا ------ لا تْقُول لى كانى ومانِى دا الواو أصله جنوبى ليه قُول يُومُه بْيومانِى جا قْناوى ولّا جا نُوبِى ...................................................اشتهر أهل الصعيد بفن الواو فى مجالسهم ونواديهم، ولقد حفظ لنا التاريخ أسماء قوّالين وحٓفٓٓظة لهذا الفن التراثى العريق، برعوا فى قول هذا الفن وحفظه، أمثال الشيخ على النابي وزوجته، والشيخ أحمد القوصي، والشيخ حسن القفطي، والشيخ حسين زوط، والشيخ حسن الفرشوطي، والشيخ عبد الله لهلبها الإسناوي، ومحمد عبدالواحد، وأبو كراع، والشيخ السقلّي، والشيخ حسين الحكيم، وآخرين. يقول على النابي لزوجته حينما اشتد عليه المرض وطالت رقْدتُه فى الفراش : إن كان رقٓادى تٓعٓبْكِي وسْراج النّٓيٓا بات قا يِد ها تِى حبابك تَعٓا ابْكي على طٓريح الوسٓايد فتردّ عليه زوجته: والله الرّقاد ما تٓعَبِْني يا بُٓو الْعِمِيمٓة النّضيفٓة أنا بَا هِدّ وابْنِي ولْدٓك ماهُوّاش خٓليفٓة تقصد (ماهوّاش خليفة فى قول الواو).. فقد كانت هى «قوّالة» مثل زوجها. وإلى هذا الحدّ عزّ عليها ألاَّ يحسن ابنهما هذا الفن فباحت بهمها، وزوجها على فراش الموت، لأن المقام ليس مناسبا لهذا، بل كان لمواساة زوجها فى محنة مرضه، لكنها لشدِّة حبها لهذا الفن، باحت بمكنون صدرها. ويقول عبد الله لهلبها الإسناوى: يلِّلي هٓواكِي هوّسنا ما نٓفٓعْنٓا طبّا وْحٓجٓايِب فكر علِينٓا هٓوى اسْنا وساكِنات الحٓجٓايِب و«الواو» فن شعري شعبي، نشأ وترعرع وانتشر فى صعيد مصر فى فترة سابقة، وهو فن قول غير مدوّن (فن شفاهي انتقل إلينا بواسطة من أحبوه، وحفظوه فى صدورهم.. ومبتدعو هذا الفن هم أناس. أمّيون. لا يعلمون شيئا عن القراءة والكتابة، وفن الواو هو شعر مقطوعي، يخالف القصيدة التقليدية فى التكوين، أى عبارة عن مقطوعات قصيرة، وكل مقطوعة تتكوّن من بيتين شعريين فقط، أى من أربع شطرات (وهذا هو سبب اندراج فن الواو تحت مظلة نظام التربيع الواسع)، وتسمى هذه المقطوعة «قُولٓة»، وكل قولة تؤدى معنىً. متكاملا، ولذلك تعتبر كل قولة مستقلة ولا تحتاج للقولة السابقة عليها ولا القولة التالية لها، وقد استقل هذا الفن الشعرى بأحد البحور الشعرية الخليلية - نسبة إلى الخليل بن أحمد الفراهيدي صاحب دوائر بحور الشعر العربي- أى ببحر شعرى خاص به، وهو «البحر المجتث»، الذى منه قول «ابن عروس»: لا بِد مِن يُوم مٓعْلوم تتْرد فيه المِٓظاِم أبْيٓض علي كُلّ مٓظْلُوم أسْودْ علي كُٓلّ ظاِم والوحدات الموسيقية التى يتكون منها هذا البحر الشعري والتي يسمونها في عِلْم العٓروض- التفعيلات الشعرية(هي مُستٓفْعِلُن فاعِلاتُن) فى كل شطرة من البيت الشعري، ويُقصٓد بها تتالى الحركة والسكون فى القول، وهذه المربعات وعاء للحكمة، وتلخيص لمعان كبيرة ذات طابع فلسفي فى الموروث، وكانت أبرز الأغراض الشعرية لهذا الفن هى الشكوى من الزمان، وغدر الخلّان، وبعض الغزليات، وكانت هذه الحِكٓم تتردد على ألسنة البسطاء، الذين حفظوا لنا هذا الفن التراثي دون وجود وسائل حفظ – مثل الآن - سوى الصدور والذاكرة الشعبية المتفوقة، وكما نرى، فإن اللغة - هنا - بسيطة وعميقة وتوحى بالسهولة، مما يُطمع فيها -الآن- غير الموهوبين.. فلغة «فن الواو» تحتاج إلى وعى كبير بالفن القولي.. خصوصاً وسط جمهور تربّى على جماليات هذا الفن، وتدرّب على طرائقه.. فبالرغم من وضوح المعانى التى تتضمنها هذه الأشعار، فقد استمدّت - تلك الأشعار - جاذبيتها، ومقوّمات خلودها من صياغتها الشعرية، ذات الأسلوب الأخّاذ صياغة وألفاظا وتراكيب، إذ من الثابت أن أهل «الصعيد الجُوّاني يتحاورون بلغة شاعرة بطبعها، وتعبيراتهم تكون - فى الغالب - محمّلة بأبعد من ألفاظها. انظر إلى قولهم : مالُه الهوى زاد وسْمِي مِن يُوم بعادْهُم بٓدالِى سٓمّت ولٓدْهٓا عٓلى اسْمِى خايِفْ تحِبُّه بٓدالِٓى وانظر إلى قولهم : خايِف أقُٓول لُه يقُول لٓهْ والقلْب مرْعُوب وخٓايِف أبقِى قُولِيلُه يا قُٓلّة حِين تِوْردى ع الٓشّفايِف هذا ما يقوله - على السليقة - الرجل الأميِّ، ولا يخفى علينا ورود هذه القوافي المحلّاة بالجناسات التامة، حيث أصبحت القوافي ليست حرفا واحداً، بل كلمتين تُنطقان بنفس الكيفية وتختلفان فى المعنى، مثلما ورد فى المربع الأول - على سبيل المثال - (بدالى) الأولى، أى «بدا لى»، بمعنى ظهر لى وبان، و(بدالى) الثانية بمعنى «بدلاً منى» وكذلك ما ورد فى المربع الثاني، عبارة « يقول لٓهْ) بمعنى «يرد. بقوله «لا» وهى دلالة رفضه لما قال له، وكلمة «يا قُلّة» هو «نداء للقلة» ومناطق الجمال هنا مثيرة، ومنها حذف ما هو معلوم - كما يقول البلاغيون، فى جملة (خايف أقول له يقول له)، التى تعني (خايف أقول له «بتحبّني» ؟ يرد يقول لي «لا».. لا أحبك)، ومنطقة الجمال الثانية تمثلت فى «أنسنة القلة» ومخاطبتها فى استخدام أسلوب النداء (يا قلة).. أما الصورة الشعرية المبهرة فتتمثل فى عبارة) حين توردى ع الشفايف) إذ المفروض هو أن الشفايف هى التى ترد على القلة لتشرب منها، أما وأن القلة - هنا - هى التى ترد على الشفايف فكأن القلة هى العطشانة والشفايف هى الماء الذى يروى العطشان .!