* تدشين صفحة جديدة من الشراكة الاستراتيجية بعد تباعد الإدارة الأمريكية السابقة * التعاون الاقتصادى والعسكرى وإحياء عملية السلام وحفاوة ترامب أبرز المكاسب
مائة وأربع وأربعون ساعة كانت عمر الزيارة التاريخية للرئيس عبد الفتاح السيسى إلى العاصمة الأمريكيةواشنطن، بعد ان عاد إلى مطار القاهرة صباح أمس، لتدشن هذه الزيارة مرحلة جديدة من التقارب والتعاون بين مصر والولايات المتحدة، ليعيد إلى ملف العلاقات الاستراتيجية بين البلدين الزخم الذى انقطع على مدار نحو عقد من الزمان، ولتكتسب أمريكا - كما قال رئيسها الجديد دونالد ترامب - حليفا وصديقا جديدا يتمثل فى شخص الرئيس السيسي.
وأربعة وعشرون لقاء كانت كفيلة بتحقيق نتائج مبشرة للزيارة، وذلك بالوصول إلى عقل الإدارة الامريكية بل ومراكز صناعة القرار سواء كانت مع أعضاء الكونجرس الذى عقد الرئيس ثمانية اجتماعات مع قياداته ورموزه، أو مع الشخصيات العامة البارزة والمؤثرة فى المجتمع الامريكي، أو مع مجتمع الأعمال والمال ومؤسسات التمويل الدولية التى تتخذ من واشنطن مركزا لها. ولعل أبرز لقاءات الرئيس كانت القمة المشتركة مع الرئيس ترامب التى ستؤرخ لعهد جديد يفتح صفحة جديدة من التعاون الاستراتيجى بين البلدين، وعلاقات اقتصادية وتعاون عسكرى لمواجهة الإرهاب والتهديدات التى تواجه منطقة الشرق الأوسط، فضلا على إحياء عملية السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين، والى أطلق عليها الرئيس قضية القرن. وخلال القمة التاريخية التى شهدت حفاوة بالغة بالرئيس السيسي، أماط الرئيس ترامب اللثام عن طبيعة العلاقات الاستراتيجية التى سترسمها الإدارة الأمريكية بالنسبة لمصر، وكانت اهم المكاسب التى تحققت على لسان الرئيس ترامب قوله إن التعاون العسكرى مع مصر سيكون الأكبر وأكثر من أى وقت مضي، وقد أعرب الرئيس الأمريكى عن تقديره العميق لإنجازات الرئيس، وأكد التزام بلاده بدعم مصر ومساندتها فى مواجهة التحديات، وتجاه تحقيق الرخاء على أرضها ومساندة جهودها فى التنمية والإصلاح الاقتصادي، وقد اتفق الرئيسان على تنفيذ آلية لتعزيز العلاقات الاستراتيجية بين البلدين. وكان الرئيس السيسى قد بدأ الزيارة واختتمها فى الوقت نفسه بلقاءين مع مؤسسات التمويل الدولية، حيث كان أول لقاء له منذ ان وطأت قدماه واشنطن مع جيم يونج كيم رئيس البنك الدولي، الذى ثمن جهود مصر فى التنمية المستدامة، وأكد رغبة البنك فى تمويل المزيد من المشروعات فى مصر، وفى نهاية زيارة الرئيس، التقى بمديرة صندوق النقد الدولى كريستين لاجارد، التى أشادت بالقرارات الشجاعة لمعالجة الاختلالات الهيكلية فى الاقتصاد المصري، فى حين أكد الرئيس التزام مصر بتنفيذ برنامج الإصلاح الاقتصادى الذى سبق أن اقره الصندوق. وتأتى زيارة الرئيس إلى الكونجرس ضمن أبرز ما تحقق من إنجازات خلال الزيارة، حيث التقى على مدى نحو 5 ساعات مع بول ريان رئيس مجلس النواب، وميتش ماكونيل زعيم الأغلبية الجمهورية بمجلس الشيوخ، وأورين هاتش الرئيس المناوب لمجلس الشيوخ، وديفين نونز رئيس لجنة الاستخبارات بمجلس النواب وأعضاء اللجنة، وإد رويس رئيس لجنة الشئون الخارجية بمجلس النواب، وبوب كوكر رئيس لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ، وقد استعرض الرئيس موقف مصر ورؤيتها الداخلية والخارجية، حيث شرح لهم أن مصر تقف فى الخطوط الأولى للحرب ضد الإرهاب، واكد أهمية الدور الأمريكى فى إحياء عملية السلام، كما رد على أسئلتهم التى أثاروها بشأن الحوقى والحريات فى مصر، وهى الجهة الوحيدة خلال زيارة الرئيس التى فتحت النقاش حول هذه القضايا، وقد أكد الرئيس أن مصر مهتمة بتعزيز الديمقراطية وسيادة القانون وترسيخ دولة المؤسسات، وقد اشاد أعضاء الكونجرس بالإصلاحات التى تمت فى مصر خلال الفترة الأخيرة ودورها الرئيسى فى استقرار المنطقة. كما التقى الرئيس السيسى بمحل إقامته مجموعة من رؤساء اللجان المؤثرة فى الكونجرس والنواب البارزين، ومنهم كاى جرينجر رئيسة اللجنة الفرعية لاعتمادات الدفاع بمجلس النواب، وماريو دياز بالات رئيس اللجنة الفرعية للنقل والاسكان والبنية الأساسية، والسيناتور جون ماكين رئيس لجنة الدفاع بمجلس الشيوخ، وليندسى جراهام رئيس لجنة الاعتمادات بالمجلس، وتيد كروز عضو لجنة الخدمات العسكرية (صاحب المواقف المؤيدة لمصر)، وقد أكدوا للرئيس أنهم سيواصلون دعمهم لمصر، وأعربوا عن ثقتهم فى قدرتها على مواجهة التحديات. ولعل أهم محطات زيارة الرئيس كانت فى الغرفة التجارية الأمريكية، التى التقى خلالها رؤساء ومديرى 12 من كبريات الشركات الأمريكية، الذين أعربوا عن رغبتهم فى توسيع مشروعاتهم فى مصر، وأكدوا أن الإصلاح الاقتصادى يضع مصر على الطريق الصحيح، كما التقى الرئيس بمقر إقامته بجيف أمليت المدير التنفيذى لشركة جنرال الكتريك، ومارلين هيوستن المديرة التنفيذية لشركة لوكهيد مارتن المتخصصة فى صناعة الطائرات الحربية ومنها «إف 16»، وليان كاريت المدير التنفيذى لشركة بوينج. وحول التنسيق بشأن قضية القرن التى كانت محور لقاءات الرئيس خلال الزيارة، اجتمع مع العاهل الأردنى عبد الله بن الحسين، فى مقر إقامتهما، واتفق الزعيمان على مواصلة التشاور لدفع المفاوضات بين الفلسطينيين والإسرائيليين. ولم ينس الرئيس سفراء مصر بالخارج، حيث التقى عددا كبيرا من رموز وممثلى الجالية المصرية بأمريكا، وشرح لهم الآثار الايجابية للقرارات الاقتصادية الاخيرة، وكيف وضعت مصر على المسار السليم، وأظهرت قوة تحمل الشعب المصري، وشدد على أن مصر حريصة على عدم التمييز بين مواطنيها على أساس ديني، وأشار إلى أن تجديد الخطاب الدينى سوف يستغرق وقتا طويلا. ومن الإدارة الأمريكية، استقبل الرئيس السيسي، ريكس تيلرسون وزير الخارجية، والذى أكد التزام الإدارة الجديدة بدعم مصر وشعبها وكذلك تعزيز التعاون فى مجال مكافحة الإرهاب. كما استقبل هيربت ماكماستر مستشار الأمن القومى الأمريكي، الذى أشاد بجهود الرئيس فى مكافحة الإرهاب، فى حين أكد له الرئيس أن تطوير التعاون العسكرى بين البلدين من شأنه أن يحقق المصالح المشتركة ويساهم فى مواجهة تحديات المنطقة. كما التقى الرئيس دان كوتس مدير الاستخبارات الوطنية ، وستيف منوشن وزير الخزانة الأمريكية، الذى أكد للرئيس دعم بلاده لجهود مصر فى الإصلاح الاقتصادى الشامل. وقبيل ختام زيارة الرئيس لواشنطن التى استمرت ستة أيام، زار الرئيس السيسى وزارة الدفاع فى مقر «البنتاجون» والتقى جيمس ماتيس وزير الدفاع وعددا كبيرا من قيادات الوزارة، وشرح لهم الرئيس رؤية مصر حول مكافحة الإرهاب، وأشار إلى أن تمدده فى المنطقة قد جاء نتيجة تفكك مؤسسات الدول الوطنية، ومن جانبه أعلن ماتيس أنه يعتزم زيارة مصر قريبا لمواصلة التباحث حول تعزيز التعاون العسكرى القائم بين البلدين، والتى من المقرر أن تتم خلال الشهر الجارى كما صرح السفير علاء يوسف المتحدث الرسمى باسم رئاسة الجمهورية. وقد حرص الرئيس على الاجتماع بمجموعة من الشخصيات المؤثرة فى المجتمع الأمريكي، ضمت مسئولين سياسيين وعسكريين سابقين وقيادات مراكز الأبحاث ودوائر الفكر وقيادات المنظمات اليهودية، والذين رحبوا بتوجه الإدارة الأمريكية الجديدة لإعادة الغلاقات مع مصر إلى مسارها الصحيح، وشرح الرئيس لهم كيف أن تصريحات الرئيس ترامب عن مصر قد لاقت ترحيبا واسعا لدى الرأى العام، وأكد لهم أن الدولة المصرية تراعى التوازن بين الإصلاحات التى تتخذها من ناحية، التصدى للإرهاب من ناحية أخري، وأشار إلى ثقته فى أن المجتمع الأمريكى يدرك حجم التحديات التى تواجهها مصر جيدا. فيما اختص الرئيس قناة «فوكس نيوز» الإخبارية بإجراء حوار شامل، أجاب خلاله عن جميع الأسئلة التى تشغل الرأى العام والإعلام الأمريكى بشأن مصر، حيث أكد أنه لا ديكتاتورية فيها، وأن الشعب المصرى لن يقبل برئيس ضد إرادته، وشدد على أن المنطقة العربية قادرة على تحقيق أمنها القومي، وأنه يجب دعم الجيوش الوطنية لتنفيذ مهامها.