فى مقاله فى الأهرام (29 مارس 2017) بعنوان «إنها الحرب الاعلامية» أشار المفكر الاستراتيجى الدكتور عبدالمنعم سعيد إلى أكثر من معركة تخوضها مصر: معركة ضد الإرهاب، ومعركة لمواجهة الأزمة الاقتصادية وتوقف أمام معركة ثالثة هى المعركة الإعلامية التى لا تختلف عن المعركتين الأمنية والاقتصادية، و «العدو» فى كل المعارك متعددة الأوجه، هدفه النيل من استقرار البلد وله هدف آخر هو التأثير على العقول. ودعا إلى إستراتيجية واضحة وحاسمة لتحقيق النصر فى كل المعارك، ووضع آليات وطنية شاملة تسهم فيها المؤسسات والهيئات والأحزاب والجمعيات وتستخدم فيها الأدوات الحديثة والمعلومات الصحيحة، وقدم مقترحات لابد أن تجد استجابة عاجلة مثل نشر كتاب أبيض يحكى قصة «رابعة» الحقيقية، ونشر تقرير لجنة التحقيق بقيادة القاضى الجليل الدكتور فؤاد عبدالمنعم رياض عن أحداث العنف التى جرت فى مصر بعد ثورة 30 يونيو، ونشر التحقيقات والمحاكمات والشهادات والأصول والصور الخاصة بأفعال الإخوان. وليت ما قاله الدكتور عبدالمنعم سعيد يجد استجابة خاصة عن الإعلام وأنه ليس مجرد كلمات وطنية تقال فى المناسبات، وليس الإعلان الذى ينتج حماسا مؤقتا، ولكنه أى الإعلام فى جوهره الاتصال من خلال محتوى غنى بالمعلومات يدفع الإنسان إلى التفكير بطريقة تختلف عما كان يفكر بها من قبل.. والإعلام الذى يطالب به الدكتور سعيد هو مواجهة البرامج بالبرامج والحجة بالحجة والمنطق بالمنطق، وأن تكون مواقفنا وقراراتنا ومعلوماتنا فى المقدمة ولا أحد قبلها. ولو كان الأمر بيدى لأعدت نشر المقال فقد يفيد التكرار فى تعديل مسار الاعلام التقليدى الذى أثبت عدم جدواه إلا فيما حققه الاعلاميون من شهرة وأموال. ويدعونى هذا المقال المهم إلى الإشارة إلى كتاب للأمريكى فرانسيس ستونر سوندرز الذى أعاد طبعه المركز القومى للترجمة مع مقدمة للدكتور عاصم الدسوقي. ومن عنوان الكتاب نرى أن الحرب علينا هى فى حقيقتها حرب باردة شاملة متعددة الميادين، حرب اقتصادية، وحرب سياسية وضغوط، وحرب عسكرية مع الإرهاب المدعوم من «الأعداء» الذين أشار إليهم الدكتور عبدالمنعم سعيد، أما الحرب الاعلامية فإنها ضمن الحرب الثقافية التى تهدف إلى السيطرة على العقول والقلوب وعلى مجمل الحياة الثقافية، وتوجيه الفن والأدب للتأثير على الوعى والوجدان القومى من خلال الرواية الأدبية والدراما والسينما والتليفزيون والمعارض الفنية والحفلات الموسيقية. ولخص الدكتور الدسوقى رؤيته للنظام العالمى الجديد بأن هدفه تغيير الثقافات الوطنية وهذا ما جعل الحكومة الفرنسية تتخذ اجراءات للحفاظ على ثقافتها من التحلل والذوبان. وإذا كان هذا الكتاب يشرح بالتفصيل ما قامت به شبكات واسعة وشديدة التأثير من رجال المخابرات وخبراء الاستراتيجية السياسية والمؤسسات الرسمية والجامعات وكان ذلك فى وقت الحرب الباردة فى الخمسينيات والستينيات فإن هذه الحرب الثقافية الشاملة مازالت مستمرة وبخاصة فى منطقتنا التى تعانى حربا ساخنة وعصابات مسلحة ومدعومة سياسيا وعسكريا واعلاميا، كما تعانى ضغوطا اقتصادية. الكتاب يتحدث عن ذراع التجسس السرية التى تمثلت فى منظمة الحرية الثقافية ومكاتبها المنتشرة فى 35 دولة وتصدر أكثر من 20 مجلة ذات نفوذ وتنظم المعارض الفنية وتمتلك مؤسسات اعلامية وتعقد مؤتمرات دولية تحضرها شخصيات بارزة وتكافئ الفنانين والموسيقيين بالجوائز ، ويتحدث عن حرب الدعاية والتحرك المنظم لنشر معلومات وأخبار وأفكار وطرح قضايا بعينها والتخطيط للتأثير على الأفكار والسلوك وتجند اعدادا من الأكاديميين ومراكز البحوث، مما جعل المفكر الأمريكى آرثر كويستكر يطلق عليها اسم »شبكة الدعارة الأكاديمية الدولية«، ويتحدث عن استخدام الدين كسلاح فى هذه الحرب الثقافية الشاملة الى حد جعل مفكرا امريكيا مثل كويستلر يقول «إن الإيمان شئ رائع لا يقدر فقط على زحزحة الجبال بل إنه يقدر على ان يجعل الإنسان يصدق أن سمكة الرنجة فرس رهان» ويتحدث الكتاب ايضا عن مؤتمرات عن الديمقراطية وكتب عن قيم الحرية ومؤتمرات عن الحرية الثقافية وكلها عناوين صحيحة ولكنها تستخدم كوسائل مراوغة تدس السم فى العسل. لمزيد من مقالات رجب البنا