فى القمة العربية بعمان، جاءت كلمات العديد من القادة العرب وبها إصرار على أن الحل فى سوريا مرهون بتسوية سياسية تتوصل إليها الأطراف المعنية ويشارك فيها كل مكونات الشعب السوري، وأن الحل العسكرى غير قابل للتطبيق. وفى بيان القمة الأخير تم التأكيد على هذه المعاني، وبما يعنى ان العالم العربى كله يؤمن بالتسوية السياسية المرهونة بتطبيق القرارات الدولية لاسيما القرار 2254، والتى تقود الى واقع جديد ينهى الازمة ويسمح للشعب السورى أن يعيد بناء دولته ومؤسساتها المختلفة. الإدراك الجماعى العربى على هذا النحو جيد إجمالا، ولكنه من الناحية العملية ينقصه عدة أمور جوهرية، أهمها غياب تام للآليات التى سوف يتم من خلالها الوصول إلى تسوية سياسية شاملة. وأهم عنصر فى هذه الآليات هو أن تتوقف الدول الداعمة لمجموعات المعارضة المسلحة عن التمويل والإمداد بالأسلحة والدعاية، والتى تؤدى فى النهاية إلى استمرار الحرب، وثانيا هو تغييب كامل لدور الجامعة العربية فى عملية التسوية السياسية المعروفة بأسم جنيف، وآخرها جنيف خمسة، وفى انتظار ستة وسبعة إلى أن تتبلور الصفقة أو أن تفرض على الحضور. وهنا قد يتطوع البعض بالقول أن الأزمة فى سوريا لم تعد أزمة عربية بحيث يمكن للجامعة العربية أن يكون لها دور نيابة عن العرب ككل، وهو صحيح تماما، ولكن القبول به على هذا النحو الذى انتهت إليه قمة عمان، يعنى قبول العرب ضمنيا لأن يبقى مصير سوريا مرهونا بالقوى الدولية والإقليمية التى استباحت الأرض السورية لأهداف خاصة بها قبل أن تكون أهداف الشعب السوري. وإذا كان هناك من يلقى باللوم على حكومة بشار الأسد لأنها استدعت قوات ومسلحين من إيران والعراق ولبنان كما استدعت أيضا قوات نظامية روسية لدعم النظم فى مواجهة المعارضة المسلحة وتنظيم داعش الارهابى، فاللوم بالقدر ذاته يقع على كل من استدعى تدخلات تركية وأمريكية وبريطانية وفرنسية ومن دول عربية معينة لكى يتم الاستقواء بها فى مواجهة الأسد وجيشه بغية إسقاطه، وتقديم سابقة خطيرة فى تغيير النظم الحاكمة. وتقاسم اللوم على هذا النحو يجعل الفريقين مسئولين تاريخيا ومعنويا وسياسيا وقانونيا عن الحرب وما خلفته من معاناة ودمار. هذه الخلاصة عن الموقف العربى تجاه الأزمة السورية، يعنى أنه يقبل فى النهاية بموقف المتفرج، أو قبول البعض دون إعلان بموقف اللاعب ولكن من تحت الطاولة. وكلاهما امتداد للحظة الغفلة التاريخية والسياسية التى قبلت فيها الدول الأعضاء طرد سوريا وإقصاءها عن موقعها الطبيعى فى الجامعة العربية، وبالتالى فتح الباب على مصراعيه أمام التدخلات الإيرانية والتركية والروسية والأمريكية، حتى وصلنا إلى أن الضامنين الثلاثة الآن للهدنة التى يجرى متابعة أحوالها فى مباحثات الاستانة، هم روسياوتركياوإيران ولا طرف عربيا بينهم. وبالقطع فإن الأمريكيين موجودون سواء فى ولاية الرئيس السابق أوباما، أو فى عهد ترامب الجديد، وهم يؤثرون بأشكال مختلفة سواء على مباحثات الأستانة الخاصة بدعم الهدنة رغم عدم وجودهم فيها، وعلى مفاوضات جنيف حتى ولو بدا أن المبعوث الأممى ستيفان ديميستورا هو المنوط به تنظيم المفاوضات وتذليل العقبات التى تعصف بها. وآخر موقف أمريكى فى هذا الصدد ما يتعلق بمصير الرئيس بشار الأسد، والذى لم يُعد حسب تصريحات المندوبة الأمريكية فى الأممالمتحدة ورئيسها وزير الخارجية ركس تيلرسون، يشغل بال الإدارة الأمريكية، إنما الأولوية هى لمحاربة تنظيم داعش والجماعات الإرهابية المتحلقة حوله، أما مصيره فيقرره الشعب السورى ولو على المدى البعيد. وأيا كانت الأسباب أو التفسيرات التى تشرح هذا الموقف الأمريكى الجديد، فما يهمنا هو نتائجه وتداعياته على حل الأزمة السورية سلميا. ومن تلك النتائج ما يتعلق بنظام الأسد، فما دامت الولاياتالمتحدة أعادت موقفها على هذا النحو، فقد أصبحت قريبة من الموقف الروسى والإيرانى عمليا، وموقفها الجديد يمثل انتصارا معنويا وسياسيا للرئيس بشار نفسه ولنظامه، أما المعارضة السورية فمن الطبيعى أن تُصاب بخيبة أمل كبري، وترى الأمر مُربكا وضاغطا، وبعض مسئوليها لم يُصدقوا بعد أن أمريكا ترامب ليست هى أمريكا أوباما. فبالرغم من قصر مدة إدارة ترامب، فقد أخذت عدة مواقف بارزة ذات دلالة مهمة، كالتركيز على دعم قوات سوريا الديمقراطية «قسد» بالسلاح والمستشارين العسكريين، وهى القوات التى يشكل غالبيتها الأكراد وبعض العرب من السُنة، والاعتماد عليها فقط فى تحرير الباب ومنبج والاستعداد لتحرير الرقة من مسلحى داعش، فى الوقت ذاته إقصاء القوات التركية، رغم إلحاح أنقرة ورئيسها أردوغان، من المشاركة فى تحرير الرقة، وكذلك إبعاد قوات «الجيش السورى الحر»، والمكفولة برعاية أنقرة ودولتين عربيتين، وبما كشف عن ملامح سياسة أمريكية جديدة، بات معها القبول باستمرار الرئيس بشار أثناء المفاوضات السياسية وغالبا بعدها أيضا، نتيجة طبيعية تخصم من القوة السياسية والمعنوية لمطالب المعارضة السورية المسلحة ورديفها السياسي، بل وتطرح عليها سؤالا دقيقا وحاسمايتعلق بموقف هذه المعارضة السورية من مواجهة تنظيم داعش وجميع الجماعات المسلحة غير السورية. وبينما تجد المعارضة السورية المكفولة برعاية أنقرة نفسها فى حال لا تُحسد عليه، فالدولة الكفيل، أى تركيا، فتتصرف بمرونة كبيرة، وتتخذ الموقف ونقيضه فى أقل من عدة ساعات، وبوصلتها السياسية مرهونة بالاتجاه الأمريكى أولا وأخيرا، ففى يوم 30 مارس تعلن عن انتهاء عملية درع الفرات لأنها حققت أهدافها ومنعت خطرا كرديا، وفى اليوم التالى وبعد زيارة وزير الخارجية الأمريكيةلأنقرة فتعلن عن بقاء جنودها على الأرض السورية. ولا عزاء للمعارضة التى ترهن وجودها لدول تسعى فقط وراء مصالحها مهما تشدقت بالمبادئ والمُثل. لمزيد من مقالات د. حسن أبو طالب;