أعيش فى قلق دائم، وأشعر أننى سائر فى طريق مسدود، ولا أرى حلا لمأساتى، فقررت أن أبعث بها إليك عسى أن تشير علىّ بما يخرجنى من هذه الدوامة، ويساعدنى على تصحيح مسارى واتخاذ خطوات إيجابية فى نهر الحياة، فأنا شاب عمرى خمسة وثلاثون عاما، ولى شقيقة وحيدة تصغرنى بعام، ونشأنا فى كنف والدين فاضلين ربيانا على الفضيلة والأخلاق الحميدة، وكان أبى يعمل فى جهة سيادية، أكسبته طبيعة عمله بها الصرامة والنظام والدقة، وانعكس ذلك على تصرفاتنا، وقد أحيل إلى التقاعد وأنا فى الخامسة من عمرى، فلم يفكر فى عمل آخر، واكتفى بمعاشه وراتب والدتى فى تدبير متطلبات المعيشة، وتفرغ لتربيتنا، ولاحقنا فى كل تصرفاتنا، وما أكثر المرات التى رفض فيها خروجى من المنزل مع أصدقائى، لأنهم من وجهة نظره لا يصلحون للصداقة، وأذكر عبارته المعتادة التى كان يقولها لى فى لهجة قاطعة «الوحدة خير من جليس السوء»، وبمرور الأيام ضعفت علاقاتى بأغلب أصدقائى وانفضوا من حولى واحدا بعد الآخر إلى أن بقيت وحيدا طوال فترة المراهقة، وعندما خفف والدى قيوده عنى لم أستطع الاندماج معهم، إذ صار لهم أسلوبهم الذى يختلف عن أسلوبى سواء فى الكلام، أو حتى النكات والعبارات التى تتردد على ألسنة الشباب، ووجدتهم يتحدثون عن الأماكن التى يقضون فيها أوقات فراغهم، ويستمتعون بالسهر فيها، وهى أماكن لم أسمع عنها من قبل، وكان طبيعيا وحالى كذلك ألا تكون لى علاقات عاطفية، ولا حتى مجرد الاحتكاك بالجنس الآخر، ولم يكن لنا أقارب فى نفس سننا أنا وأختى، ولذلك كنا نقضى أيام الأعياد فى المنزل، ولا يزورنا أو يطرق بابنا أحد، ومع هذه الحياة المغلقة ركزت فى دراستى، وتفوقت فى الامتحانات، ووفقنى الله إلى دخول الجامعة، وحققت ما كنت أصبو إليه فى التعليم، لكنى لم أنجح كثيرا فى الاندماج مع زملائى، وتكوين صداقات بالمعنى الحقيقى لمفهوم الصداقة، ووجدتنى مشدودا إلى فتاة رأيت فيها زوجة المستقبل، وبذلت محاولات مضنية للتقرب منها، لكنى لم أستطع أن أنال إعجابها، فلم أيأس، وواصلت إلحاحى عليها، حتى وافقت على أن أتقدم لخطبتها، وطرت فرحا برضائها عنى بعد طول معاناة، وأسرعت إلى أبى أزف إليه البشرى السعيدة، فإذا به يصدمنى برفضه لها دون إبداء الأسباب، وبعد صراع طويل معه بين القبول والرفض، استجاب لمبدأ الخطبة أولا لفترة، ثم يكون وقتها لكل حادث حديث، فاعتبرت أن مجرد موافقته عليها إنجاز كبير، وخطبتها، ثم توفى أبى، وأتممت زواجى بها، لكن هذا الزواج لم يدم سوى بضعة شهور حيث طفت إلى السطح مشكلات عديدة نابعة من اختلاف طباعنا، وعدم وجود أى خبرة لدىّ فى «التعامل الناجح» مع الجنس الآخر، ولم تكن هى الأخرى قادرة على الحياة تحت سقف واحد مع شخص لم تحبه قط، وإنما تزوجته مدفوعة بالإلحاح عليها، وظل فى داخلها يقين بأن استقرار حياتنا الزوجية على هذا النحو مستحيل مادامت لا تٌكن لى المشاعر التى تربط بين كل زوجين، وساهم أيضا فى انفصالنا السريع عدم توفيقنا فى علاقتنا الخاصة، وهكذا افترقنا ومضى كل منا إلى سبيله، وقضيت نحو عامين فى معاناة وإحباط شديدين، وأغلقت كل الأبواب على نفسى، وحصرت حياتى فى الذهاب إلى العمل والعودة إلى المنزل والجلوس أمام الكمبيوتر، ثم رشحت لى جدتى لأمى عروسا قريبة لزوجة خالى، ولما التقيتها ارتحت إليها، ووجدتها مطيعة، وهادئة الطباع، وأحسست براحة نفسية تجاهها، وقلت فى نفسى «إننى لست بحاجة لأكثر من ذلك الآن»، وخطبتها ثم جاءتنى فرصة عمل فى دولة خليجية، فسافرت إليها والتحقت بالوظيفة التى تعاقدت عليها، ولم تتح لى الفرصة للعودة إلى مصر سريعا لكى أتم ارتباطى بها، فوكلت من ينوب عنى فى إتمام إجراءات الزواج، ولحقت بى بعد أسابيع، وشعرت لأول مرة بطعم الزواج الذى لم أذقه مع مطلقتى، ورزقنى الله بولد، وظننت أن الدنيا سوف تبتسم لنا، ولكن ذات مرة سألت زوجتى: هل أنت سعيدة ومرتاحة معى؟، فصعقتنى بقولها إنها أغلب الوقت غير مرتاحة، وحاولت جاهدا أن أعرف سبب تغيرها فلم تعطنى جوابا، وكنت كلما أعدت عليها السؤال تٌحول مسار الكلام إلى موضوع آخر، ثم شيئا فشيئا تبدلت تصرفاتها معى، وعرفت العصبية والردود السخيفة طريقها إليها، وتغيرت عاداتها تماما، فأصبحت تستيقظ من النوم متأخرة، وتهمل إعداد الطعام، ولازمها عدم الرضا فى كل خطواتها، وكررت على مسامعى كثيرا أنها لو كانت تعلم بمسئوليات الزواج الثقيلة لما تزوجت، مع أننى أساعدها فى ترتيب المنزل والقيام بشئونه قدر إمكانى، فبعد عودتى من عملى أنصرف من تلقاء نفسى إلى المطبخ، فأجهز الطعام، وأدعوها إلى أن نتناوله معا، وأنا فى قمة الرضا والطمأنينة. وهناك متغير آخر طرأ عليها هو رفضها علاقتنا الخاصة بدعوى أنها تعانى آلاما لا تتحملها، فحدثتها فى أمورنا بصفة عامة، وبأننا يجب أن نحل ما يعترضنا من عقبات أول بأول حتى لا تتفاقم، ويصبح من المستحيل علاجها، وصبرت عليها عامين عسى أن تعود إلى سابق عهدها معى، ولكن هيهات أن تفعل ذلك، وقاسيت الأمرين من رفضها علاقتى بها حيث تباعدت المسافات بين لقاءاتنا لدرجة أنه لم يعد يجمعنا الفراش سوى مرة واحدة شهريا، وبعد مناقشات طويلة ولين من جانبى إلى أقصى حد، أقنعتها بأن تزور طبيبا متخصصا فى أمراض النساء بالبلد العربى، ثم كررنا زياراتنا إلى أكثر من طبيب فى مصر عندما جئنا لقضاء إجازة الصيف بها، ولم يصل أى منهم إلى سبب محدد لما طرأ على حالتها الجسمانية من تغيرات جعلتها ترفض اقترابى منها، أما رد فعلها لكلام الأطباء فقد تمثل فى جملة واحدة هى «روح اتجوز من واحدة ثانية»، وبالطبع كنت أسمع كلامها ولا أرد عليه، إذ لا أتخيل أن أصنع ما تشير علىّ به، ليس لأننى لا أستطيع الزواج، ولكن لرفضى الارتباط من أجل الغريزة الجسدية فقط، ولما فاض بى الكيل تحدثت مع والدتها فيما تطلبه منى، فحاولت أن تتدخل لمعرفة ما يدور بداخلها، وما استجد عليها فى علاقتنا، لكنها لم تفلح فى إعادتها إلى ما كانت عليه قبل هذا التحّول الغريب. وذات يوم فاجأتنى برفضها العلاقة نهائيا.. يعنى ولا حتى مرة واحدة فى الشهر، وقالت أنها اتخذت هذا القرار من جانب واحد، ولن ترجع فيه مهما تكن الأسباب، فانفجرت فيها بأن ما تفعله معى لا يتحمله أحد، فلم تهتم أو تلقى بالا لكلامى، فردت علىّ بأن الحل الوحيد هو الانفصال عنها، ثم بعث الله من يصلح أحوالنا، ووجدتها تستجيب لزيارة طبيب شهير أشار علىّ به أحد أقاربنا، فزرناه ووصف لها دواء ساهم فى حل هذه المشكلة بنسبة كبيرة، وعادت معى إلى الدولة الخليجية، وقضينا ستة أشهر فى حياة هادئة، ثم تبين أنها تعانى أنيميا حادة ونزيفا مستمرا، واصطحبتها إلى الطبيب فوصف لها علاجا فعّالا ساهم فى تحسين صحتها، ومضت الأمور على ما يرام، ولما حل موعد إجازتى جاءت إلى مصر قبلى لكى تقضى أيام العيد مع أسرتها، أما أنا فقضيتها بمفردى فى الخارج، ثم عدت إلى مصر، وأمضينا نحو أسبوعين فى فسح يومية بمناطق سياحية وجدت فيها متنفسا من الحياة المغلقة فى الخليج، وفى صباح أحد الأيام فاجأتنى بطلب الطلاق قائلة: إنها عاشت صراعا نفسيا منذ سفرها معى فى الرحلة الأخيرة إلى الخارج قبل تسعة أشهر، وأنها حسمت هذا الصراع بقرار الانفصال!، فمادت بى الأرض وأحسست بدوار شديد، وخارت قواى تماما، فجلست بعض الوقت فى صمت تام، ثم أخذتها إلى والديها، وهما يعرفان الله ويصليان الفروض فى أوقاتها فى حين أنها لم تٌصل أبدا وأفضيت لهما أمامها بكل ما فعلته معى، ثم غادرت منزلهم على أن أعود إليهم بعد يومين، وفى الموعد المحدد كنت هناك، ففوجئت بهجومهما علىّ، وتصيدهما أخطاء لى، منها أننى عصبى، وأقسم بالطلاق كثيرا مع أننى لم أنطق به إلا مرة واحدة فقط طوال زواجنا الذى استمر خمس سنوات، كما اتهمانى بضربها باستمرار، ونسيا أنهما يتحدثان معها يوميا عن طريق «الإنترنت» ويجدانها سعيدة دائما، ولم تشك أبدا منى، ووجدتنى قد تعرضت للخداع والضلال، فانفجرت فيهما وأبلغت أباها بموافقتى على طلبها، وانتظارى اتصالا للاتفاق فيه على حقوقها، وبعد يومين جاءنى رده بالحرف الواحد: « أنا بصراحة مش قادر عليها، وهية مش قادرة تصفى، وانت قلتلى حقوقها مش حتضيع» فرددت عليه بأننى أريد حضانة إبنى، فرفض بشدة، فطلبت منه إمهالى بعض الوقت للمراجعة والوصول إلى قرار نهائى فى هذه المسألة، وفور عودتى إلى منزل والدتى وجدتها منفعلة وتصرخ فى الهاتف، وعرفت أن حماتى تتشاجر معها، فأخذت منها السماعة، وأبلغت والدة زوجتى بأننى اتفقت مع حماى على كل التفاصيل، فسبتنى، فرددت عليها الشتائم بأكثر منها، وسافرت إلى الخارج بمفردى، وفوّضت خالى الأكبر فى التفاوض معهم، ومر شهر دون أن أعرف ما دار بشأن مصير هذه الزيجة، وذهبت والدتى إليهم، والتقت بزوجتى، وسألتها عن سبب موقفها منى برغم أننى لم أخطىء فى حقها أبدا، فردت عليها بأنها تعانى الحرمان من العلاقة الخاصة بين الزوجين، وأننى أمارسها بشكل يحرمه الدين رغما عنها، وأنها تريد نفقة قدرها عشرة آلاف جنيه، ونقلت إلىّ والدتى هذه الأكاذيب، فقلت لخالى بأنها مادامت تريد الانفصال فلتتنازل عن حقوقها وفقا للشرع، لكنه لم يبلغهم بذلك، بل أن أخوالى جميعهم وهم أربعة، مالوا إلى تصديق ما ادعته علىّ بحجة فشل زواجى الأول والتربية المتزمتة التى رباها لى والدى، ووجدتهم يتبادلون الكلام والأحاديث بأن الشاب الذى خرج «ولف ودار» وجرب كل شىء قادر على النجاح فى حياته!.. واندهشت لهذا الكلام، فأنا إنسان طبيعى، وهى تعرف الحقيقة جيدا، وعلى استعداد للذهاب معهم إلى أى طبيب يرغبون فى عرضى عليه، ولكن لا يليق أبدا ما قالته فى حقى لكى تنفى عن نفسها تهمة التقصير فى حقوقى الزوجية. لقد مر أربعة شهور على وجودى بمفردى فى البلد العربى، وأكتفى بسماع الأخبار عما يحدث من جانب زوجتى وأهلها، وأتألم لمواقف أقاربى المخزية، كما تناثرت أخبار جديدة عن أن زوجتى كانت تبيت النية على عدم العودة إلى الخارج، إذ علمت من صديق لى قولها لزوجته أنها لن تعود معى مرة أخرى، وأنه خجل من أن يبلغنى بذلك، وتأكدت من أنها أرادت البقاء فى مصر لكى تتخلص من مسئوليتها نحو بيتها وزوجها وابنها الذى تركته لأبويها لتعمل فى إحدى الشركات، وأنها بادعائها علىّ ما ليس فىّ، تمنع أى شخص من مواصلة مسعاه معى للصلح، ولكى تكون فى عيون أهلها مظلومة وأنا مفتر عليها، ووجدتنى أتذكر ما قالته مرارا وهى تضحك: «أنا مش لايق عليا الجواز أنا لو أعرف إن الجواز كده، ماكنتش اتجوزت ماكنت بروح الشغل وارجع، وقاعدة عند أبويا وخلاص». إننى أبعث برسالتى إليك، وأسألك المشورة، فلقد طلبت الطلاق بالفعل، وأرفض تطليقها ليس تمسكا بها، ولكن لأنه لا يعقل أن تحصل المدعية الكاذبة على أموال ليس لها فيها أى حقوق، وكثيرا ما أسأل نفسى: إن حدث وعادت إلىّ، كيف ستكون المعاملة بيننا؟، ثم أفكر فى ابنى، وكيف أرتب مستقبله بعد انفصالنا..إن الخيوط متشابكة، وأعيش جحيما مزدوجا بين فشلى مرتين فى الزواج، ووجود ابنى مع مطلقتى، وموقف أقاربى الذين يصدقون الشائعات والأقاويل بغير سند ولا دليل، وأسأل نفسى كيف سأمضى إلى زيجة ثالثة، وماذا ينتظرنى فيها؟.. أرجوك أن ترد علىّ فى أسرع وقت، فاليأس يكاد يقتلنى. ولكاتب هذه الرسالة أقول : عندما تكون البداية خاطئة، فإن الخطوات التى تترتب عليها تصبح غير مأمونة العواقب، وقد أدركت ذلك فور قراءتى السطور الأولى من رسالتك، فالزواج لا يكون أبدا بالإلحاح، وأى علاقة عاطفية من طرف واحد مصيرها الفشل مهما بذل الطرف الراغب فيها من محاولات لنيل رضا الطرف الآخر.. هذه قاعدة بديهية لكنك تجاهلتها تماما وتزوجت زميلتك برغم اعتراض والدك الذى أيقن قبل رحيله أنها لا تصلح لك، لكنه وافق على خطبتكما أمام إلحاحك وهو متأكد أن هذه الزيجة لن تكتمل لعدم التوافق الواجب توافره للارتباط، وشاء القدر أن يلقى وجه ربه بعد فترة من الخطبة، وأصبحت الفرصة سانحة أمامك لتفعل ما يحلو لك، فتزوجت فتاتك التى لم تجد فيك ما يغريها بالاستمرار معك، فانفصلت عنك بعد شهور معدودة، وبدلا من أن تتعلم الدرس وتتريث فى الزواج الثانى، انخدعت فى عروس جديدة لمجرد أنها بدت أمامك مطيعة وهادئة خلال أيام إجازتك القصيرة، وبلغ استعجالك الزواج بها مداه، فلم تنتظر إلى أن تتمم عقد القران والزفاف عند مجيئك فى الإجازة، وإنما أوكلت أحد أقاربك فى القيام بالإجراءات اللازمة للزواج، فكان الخطأ الثانى الكفيل بالإطاحة بالزوجة الثانية، فالأساس الهش لا يتحمل البناء، وينهار مع أول ريح تعصف به، وما أعتى الرياح التى واجهتها نتيجة عدم التخطيط السليم لحياتك ومستقبلك. وربما تظن أن المال وحده هو الذى يجلب السعادة ويغرى الزوجة بالبقاء مع زوجها، فالحقيقة أن من تنجرف وراء الزواج للسبب المادى وحده، تسعى فى أقرب فرصة للخلاص من زوجها بعد أن تأخذ منه ما تريد إذا استطاعت ذلك، أو تنفد بجلدها من زيجة غير سعيدة، وهذا ما حدث معك، حيث اعتقدت أنك قادر بمرتبك الكبير فى البلد العربى على الزواج بمن تشاء، وأن الغنى وحده يسيل له لعاب البنات، ولكنها رؤية خاطئة جلبت عليك المتاعب من كل جانب. ومما استوقفنى فى رسالتك أن زوجتك أمضت معك شهورا لم تشك خلالها تصرفا ولا سلوكا منها غير طبيعى، وهذا يعنى أن كلا منكما كان يتجمل أمام الآخر، فلما ظهرت طباعكما الحقيقية، بدأت فى النفور منك، وبدلا من أن تحاول علاج الأسباب التى تدفعها إلى ذلك، ومن ثم طلبها الطلاق، إذا بها تفضحك فى كل مكان، ولدى أهلك وأهلها، فأوصلت الأمور بينكما إلى مرحلة «اللاعودة»، ولعلها هى وغيرها يتعلمن الدرس بأنه لا يوجد رجل تفصيل على مقاس خيال كل امرأة، فهذا الرجل ليس له وجود، ولن تستطيع امرأة أيا كانت أن تجرى عملية تجميل قسرية لنفسية من ارتبطت به، ولابد أن يتم كل شىء بالتفاهم، والتنازلات التى تساعد على استمرار علاقتهما الزوجية. والحقيقة اننى أجد فى تصرفاتكما معا حماقة لا دواء لها، فلا رأى ولا عقل فى علاجكما الأمور والمسائل والمشكلات التى نشبت بينكما، ولذلك لا حل لها فى ظل هذا التفكير الساذج والتشهير بشريك الحياة، وفى ذلك يقول الشاعر: لكل داء دواء يستطب به إلا الحماقة أعيت من يداويها وترتبط بذلك العصبية المفرطة التى تسيطر عليكما، فلم تستطيعا التحكم فى أعصابكما وتهورتما فى اتخاذ القرارات المصيرية، ومن الصعب ثباتكما على موقف معين، بالإضافة إلى أنه من الواضح أن زوجتك مدللة كما تبين تصرفاتها، ورد فعل أهلها «الطيبين» على حد تعبيرك، فالتدليل يفسد الحياة الأسرية، إذ أن الزواج فى نظر «الدلوعة» يعنى الانتقال من بيت الأهل إلى منزل الزوج فقط مع بعض التغيرات الفسيولوجية التى ستطرأ عليها، وغير ذلك لا تقتنع بأى تغيير، ومن ثم تصبح زوجة بالإسم فقط، وتخشى القيام بأبسط الأعمال المنزلية، ولا تتحمل أى مسئولية من المهام التى تؤديها كل الزوجات، وهذا ما فعلته زوجتك معك، فتحملت عنها الكثير من الأعباء المنزلية، ومع ذلك تمادت فى موقفها المعاند لك، وامتد امتعاضها منك إلى العلاقة الخاصة، فتحولت حياتك إلى جحيم، ومن الطبيعى فى ظل هذه التركيبة العجيبة أن تكون النهاية الحتمية هى الطلاق. أيضا فات زوجتك أن المرأة سكن للرجل، وأنها المهتمة دائما بشئون زوجها وبيتها لقوله تعالى «هُوَ الَّذِى خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا» [الأعراف 189]، كما أنكما لم تكتما أسراركما الزوجية، ولم تلتمسا العلاج فى السر، وفى ذلك تدمير لحياتكما معا، وأذكر ما روته أسماء بنت يزيد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فى ذلك إذ قال «وكفى بهذا تنفيرا، وأى تنفير»، بمعنى أن افتضاح أمركما تولد عنه النفور وانعدام التوافق النفسى، وانقطاع التواصل الروحانى بينكما، وقد استغرق ذلك وقتا زمنيا طويلا، فالكراهية لا تتولد فى لحظة واحدة، بل تظهر عندما تتوافر أسبابها وبواعثها، وقد حاول كلاكما التغطية على أوجه الاختلاف والشقاق ولكن النار ظلت مشتعلة تحت الرماد حتى تفجرت الخلافات، وبات من الصعب احتواؤها، وعلى جانب آخر فإن الواجب على المرأة أن تمكن زوجها منها على الوجه الذى أباحه الله، فإن لم تفعل من غير ضرر فإنها تكون عاصية لربها، كما أن كرهها علاقتهما الخاصة ليس مبررا لرفضها، وينبغى النظر فى سببه، فإذا كان راجعا إلى الزوج، يجب أن يعمل على إزالته، وإن كان مرضا عضويا أو نفسيا عند الزوجة، لابد من علاجها عند أهل الاختصاص، وعلى الزوج كذلك أن يتحمل مسئوليته، ويتفقد أحوال زوجته وحالتها النفسية والبدنية قبل أن يجمعهما الفراش، وليتعاونا سويا فى هذا الشأن بحب وود، حيث يتطلب الأمر وضوحا وصراحة، وعلى كليهما أن يتفهم حال الآخر، وأن يصلا معا إلى حل يريحهما ويحفظ أسرارهما بعيدا عن تدخلات الأهل التى تعيق «المراكب السائرة» كما يقولون. وإنى أستغرب موقف أخوالك، فبدلا من أن يؤازروك فى محنتك، انفضوا من حولك، وصارت مشكلتك مع زوجتك على كل لسان، مثلما حدث مع مطلقتك التى لم تقض معها سوى شهور معدودة، وبكل وضوح أقول لك: لا حل أمامك سوى الطلاق، فلا تعاند نفسك، واعلم أن البتر هو العلاج الأمثل لزيجة بهذا الشكل، ولتعطها حقوقها الشرعية، وليس معنى أنها الكارهة أن تصر على أن تطلب هى الخلع، فلو أنك أجبرتها على ذلك سوف تكسب بعض المال، لكنك ستخسر صورتك أمام الآخرين، ولا تنس أن لك ابنا منها يحتاج إلى التربية والرعاية، وأن ينشأ فى كنفكما معا، فاعمل حساب أنكما سوف تلتقيان كثيرا من أجله، ويبقى مهما ألا تتزوج للمرة الثالثة إلا بعد التأنى الشديد، ووضع النقاط على الحروف والتعافى من التجربتين المؤلمتين اللتين خضتهما على غير هدى، وإياك أن تفضى بأى أسرار جديدة إلى أقاربك، واستعن على قضاء حوائجك بالكتمان وفقا لما أوصانا به رسول الله صلى الله عليه وسلم، فآفة الثرثرة هى التى تؤدى بالإنسان دائما إلى الهلاك، وفقك الله، وسدد خطاك، وهو وحده المستعان.