بدلا من أن يحرك الجوع أمعاءه، حرك ملكاته. كان فى الرابعة عشر ة من عمره عندما ضرب الجفاف والمجاعة دولة مالاوى فى جنوب أفريقيا عام 2002. وسط الخراب والعوز الشديد وعجز الأب على دفع مصاريف الدراسة، لم يكن أمام الصبى خيارا إلا ترك المدرسة. عندما وجد نفسه بلا دراسة وبلا عمل، فكر فى طريقة يوظف بها شغفه بالكهرباء لمساعدة أهله فى رى مزرعتهم الصغيرة. لم تعد الراديوهات التى يقوم بتصليحها لأهل القرية تدر عليه ربحا. شيء غريب.. جائع.. ولا يشغل نفسه بالتفكير فى الطعام الذى يتكون من وجبة واحدة فى اليوم عبارة عن هريسة الذرة. وبدلا من الطعام انفتحت شهيته على القراءة. وبدأ يتردد على مكتبة المدرسة المجاورة لبيتهم يفتش فى كتب العلوم والفيزياءعما ينبغى عمله. شدت انتباهه طواحين الهواء المرسومة على غلاف أحد الكتب العلمية المفضلة لديه. استغرق فى قراءة الموضوعات المتعلقة بمصادر الطاقة وكيفية صنع طواحين الهواء. ولما لا وبلاده الفقيرة فى الطعام، ثرية بالرياح! تملكته رغبة شديدة فى تسخير تلك الرياح بعمل طاحونة هواء. ............................................................ «ويليام كامكوامبكا William Kamkwambka» مواليد عام 1987، فى قرية «ويمبي» شرق مدينة كاسونجو فى مالاوي. مخترع ومهندس وكاتب. عام 2002 صمم طاحونة هوائية، ثم مضخة ماء تعمل بالطاقة الشمسية لإمداد القرية بالمياه العذبة. وكان أول احتفاء به خارج بلاده عام 2007 فى أروشا بتنزانيا حيث سافر إليها بدعوة من «تيد العالمية TED»، وقوبلت كلمته التلقائية الصادقة هناك بالتصفيق الحاد. وحاز إعجاب كل من استمعوا إليه. وجاءته المساعدة من جهات عديدة لاستكمال دراسته الثانوية التى انقطع عنها. ولنقرأ معا ما كتبه فى إحدى مدوناته باللغة الإنجليزية عام 2007. «اسمى «وليام كامكوامبكا» عمرى تسعة عشر عاما، من قرية ويمبى ولغتى هى تشيتتشوا Chitchewa اللغة المحلية الأصلية للملاويين. كما أتحدث الإنجليزية اللغة الرسمية للبلاد. أنا من عائلة فقيرة مثل كثير من العائلات فى مالاوي, وفى أفريقيا. عندما انقطعت عن الدراسة، بسبب الفقر الذى نعانيه، اجتاحتنى رغبة جامحة فى عمل شئ مفيد. ترددت على مكتبة المدرسة المجاورة لبيتي. ولأننى أحب الفيزياء رحت أقلب فى صفحات الكتب أبحث عما يمكننى عمله لكى أساعد أهلي. قرأت عن الطاقة ومصادرها وكيفية استغلالها. وكان أكثر ما استوقفنى هو طواحين الهواء التى رأيتها مرسومة على غلاف أحد الكتب بعنوان استخدام الطاقة Using energy وفى هذا الكتاب قرأت عن طريقة بسيطة لعمل طاحونة هواء. استهوتنى الفكرة وبحثت عن الموضوع فى كتب العلوم الأخري. وبعد أن فهمت الفكرة قررت تنفيذها. لكن المشكلة التى واجهتنى هى عدم توافر النقود اللازمة لشراء الأجزاء والمواد التى أصنع بها الطاحونة الهوائية. وكان على أن ألجأ إلى المواد المتاحة البسيطة وكان معظمها من قطع الغيار والخردة وتلك الأشياء التى يتخلص منها المزارعون ولقد جمعتها من أماكن تجميع النفايات مثل إطار دراجة، أنابيب بلاستيكية، مولد كهربائى لدراجة، مروحة جرار، ونجحت فى صنع طاحونة هوائية فى الخامسة عشر من عمري، ومن وقت لآخر كنت أرجع للكتب وأدخل بعض التعديلات لأرفع من كفاءتها وزيادة الطاقة التى تتولد عنها. ونجحت فى إضافة أجزاء جديدة إليها، وهى قادرة الآن على توليد طاقة تضيء بضع لمبات وتقوم بتشغيل أكثر من راديو وتساعد فى شحن الهواتف المحمولة. فى عام 2006 وأثناء زيارة دكتور «هارتفورد متشازيم Dr.Hartford Mchazime» للمدرسة، وهو نائب مدير المنظمة التعليمية MTTA التى تمد المكتبة بالكتب، سمع بمشروعي، وأبدى رغبته بزيارة بيتى ورؤية ما صنعته، ونتيجة انبهاره بعملى جاء مرة ثانية لزيارة طاحونتى وبصحبته عدد من الصحفيين، أهمهم «سانجوانى موافوليروا Mwafulirwa Sangwani» من جريدة «الديلى تايمز» المالاوية وهى من أشهر صحف البلاد. من هنا جاءت شهرتي، وبدأت تجمع لى التبرعات للعودة إلى المدرسة واستكمال دراستي. من أسبوعين فقط اشتريت أول كمبيوتر لي. ومن خلاله استطعت التعرف على المواقع التى تفيدنى فى استكمال معلوماتى عن الطاقة الشمسية وطواحين الهواء». عام 2014 كتب بالإنجليزية فى مدونته «من خلال مؤسسة مشروع تشغيل طواحين الهواء. عملنا بهمة على تطوير قريتى وخاصة المدارس الموجودة، وقمنا ببناء فصول جديدة فى مدرسة ويمبى الابتدائية، وأدخلنا نظام العمل بالطاقة الشمسية الذى يسمح للتلاميذ بالمذاكرة فى الليل، وأمددنا التلاميذ ب«اللاب توب» لندربهم فى سنهم المبكرة على مواكبة تكنولوجيا العصر. وبنفس الهمة أدخلنا العمل بالطاقة الشمسية لمدرسة كاشوكولو الثانوية وأصبح لهم شبكة اتصالات محلية. وبالعلاوة على العمل فى المدارس. عملنا على تحسين مستوى المعيشة للفلاحين بالقرية. حيث عملت فى الصيف الماضى على توليد الطاقة من روث البهائم «البيوجاز» ليستخدم كوقود بدلا من الحطب الذى يقضى على الأشجار. وقمنا بتدريب الفلاحين على الاستخدام الأمثل للطلمبات وتصليح الأعطال لتفادى تلوث المياه وما ينتج عن ذلك من أمراض خطيرة. وامتد نشاطنا لإنشاء فرق رياضية تنافس بعضها بين مدارس القرية والقرى الأخري. والآن وأنا فى الخارج بعيدا عن مالاوى لا أتحدث فى المؤتمرات التى أدعى إليها عن انجازى فى طواحين الهواء، ولكن عما نحاوله من أجل تنمية مجتمعنا. أحاول فى دراستى فى الخارج الموازنة بين ثقافات هذه البلاد وبين ثقافتنا. بعد تخرجى قريبا سأرجع إلى بلادى بعد اكتسابى خبرة ستساعدنى على حل المشاكل التى تواجه مجتمعاتنا. بالإضافة إلى أننى أخطط لتأسيس مركز لرعاية المخترعين. كما أننى لن أتخلى عن مبدئى والتزامى بمساعدة أهل بلدى فى استخدام الطاقة المتجددة من رياح وبيوغاز وشمس». وكان ويليام قد حصل على منحة دراسية إلى الولاياتالمتحدة وتخرج فى عام 2014. وفى فيلم تسجيلى طويل للمنتج والمخرج «Ben Nabors» بعنوان «ويليام وطاحونة الهواءWilliam and windmill» وهو الفيلم الذى حاز جائزة عام 2013 فى مهرجان للسينما. يبدأ الفيلم بتقديم ويليام لنفسه إلى المشاهدين ويقول إن عمره عشرون عاما، وبأنهم فى مالاوى يعتمدون على الزراعة وخاصة التوباكو، وهو من قرية ماستالا التى يسكنها ستون عائلة. وعائلته تتكون من عشرين فردا. وعندما سئل عن سر تفكيره فى مشروع الطاحونة الهوائية. أجاب بأن صورة الطواحين الهوائية التى رآها هى التى اجتذبته، ووفرة الرياح المجانية فى مالاوى «فكرت كيف يمكن أن يصنع واحدة لضخ المياه، ولتوليد الكهرباء. كنت فى الرابعة عشرة من عمرى عندما صممت على نقل الفكرة من الكتاب إلى بيتي. استغرق ذلك منى شهرين لإنشاء أول طاحونة هوائية أقوم بتركيب أجزائها بيدي. عندما رأوها ظنونى فى بادئ الأمر «ميسالا misala» وهى كلمة بلغتنا تعنى أننى فقدت عقلي. لكنهم حين سمعوا الراديو يعمل، ورأوا اللمبة تضاء فى بيتي، أيقنوا جدية عملي، وشعروا بأهميته. وكان أول ما سمعوه من الراديو هو موسيقى وأغان مالاوية اهتزوا على نغماتها إعجابا. حين ذهبت إلى المكتبة لاحقا، سألنى أمينها إذا ما كانت الكتب التى أقرأها واستعيرها من المكتبة هى التى ساعدتنى فى عمل الطاحونة. وعندما هززت رأسى بالإيجاب كاد يرقص من الفرحة». بعد تسعة أشهر من هذه المقابلة نجح ويليام فى تصميم طاحونتين للهواء أكثر فاعلية من الأولى للإضاءة ولضخ المياه. كما ساهم فى عمل طلمبة تعمل بالطاقة الشمسية لتمد القرية بالمياه العذبة. وحفر بمساعدة أهل القرية بئرا عميقة. صدر له كتاب عن سيرته الذاتية بالإنجليزية فى 2009 بعنوان «الولد الذى سخر الرياحThe boy who harnessed the wind»، وهو من أكثر الكتب مبيعا للصغار والكبار، من أول طبعة له إلى آخرها فى يناير 2016، وفى الإعلان عنه قالوا: «كتاب للمخترع الشاب المالاوى «ويليام كامكوامبكا» والصحفى «برايان ميلر» والمصورة «اليزابث زونون». وهو ليس كتابا ملهما لصغار القراء فقط، لكنه أيضا محفزا قويا لهم على الابتكار. فالكاتب نفسه بطل القصة التى يرويها بالصور». ويليام ليس إلا نموذجا واحدا من نماذج عديدة لشباب المخترعين الأفارقة الذين دفعتهم ظروفهم المعيشية الصعبة إلى الابتكار وإلى الاختراع. ومن هؤلاء الشباب نذكر على سبيل المثال «إيفانز واندوجوEvans Wandogo» من غرب كينيا لقد نشأ فى قرية محرومة من الكهرباء وكان يقطع مسافات طويلة لشراء الكيروسين الذى تضاء به المصابيح التى يسمونها بالسواحيلية «كوروبوا Koroboi»، وكان ينبعث منها دخانا كثيفا يعمى الأبصار. بمساعدة الحرفيين فى قريته استطاع تصميم مصابيح تعمل بالطاقة الشمسية. وهى المصابيح المتداولة الآن على نطاق واسع فى كينيا ومالاوى ويسمونها موانجا بورا Mwanga bora وتعنى بالسواحيلية الإضاءة الجميلة. ومن غانا «أسيدو عبودو Asidu Abudu» مخترع ومهندس عصامي، اخترع العديد من الأجهزة وصلت لأكثر من خمسة وعشرين جهازا منها أجهزة منزلية تساعد فى القطع والطحن، وجهاز لمساعدة العاجزين على تناول الطعام، وجهاز لغلق محرك السيارة بالمحمول، كما اخترع كاميرا مراقبة لتتبع مسار السيارات خلال الهاتف الجوال. ومن «سيراليون كلفن دويKelvin Doe»، وهو مخترع ومهندس عصامي، وبدأ شغفه بالكهرباء فى سن مبكرة وفى سن السادسة عشر استطاع عمل بطارية قادرة على إضاءة مجموعة من البيوت فى محيط بيته من حمض وصودا ومن أجزاء معدنية جمعها من مصادر مختلفة. أما المهندس الكاميرونى «آرثر زانج Arthur Zang» اخترع وهو فى الرابعة والعشرين من عمره «كمبيوتر طبي» صغير بحجم الهاتف الجوال لرسم القلب للمرضى بالمناطق البعيدة عن العمران، ومن خلال «الأنترنت» تصل المعلومة إلى الطبيب المختص للتشخيص. وقائمة العباقرة والمخترعين الأفارقة لا تنتهي.