الاقتصاد محرك رئيسى لحركة الحياة فى أنحاء العالم. وفى السعى لمعرفة ما ستكون عليه حالة الاقتصاد العالمى فى عام 2017 تم التوصل إلى عدة نتائج هامة. فهناك توقع بتعاف طفيف لنمو الإقتصاد العالمى فى عام 2017 مع التحسن فى الدول الصاعدة الرئيسية، مثل روسيا والبرازيل مقارنة بعام 2016 الذى شهد تباطؤا فى نمو الاقتصاد العالمى. وتم التحذير من استمرار الركود فى اقتصادات الدول المتقدمة، مثل الولاياتالمتحدة والإتحاد الأوروبى، وهو ما يمكن أن يثير مزيدا من المشاعر المناوئة للتجارة ويعوق النمو فى ظل ظهور تيارات راغبة فى تطبيق التوجهات الحمائية وعرقلة، وربما منع، تدفق السلع من الدول الأخرى وهو ما إذا حدث فسيؤدى إلى صراعات تجارية وتبادل إغلاق للأسواق مما يعرقل نمو التجارة الدولية وبالتالى يؤثر على عمليات الإنتاج والنمو فى الدول المتقدمة وعلى النقيض من تلك التوقعات المقلقة المتعلقة بالدول ذات الإقتصاديات المتقدمة وضع صندوق النقد الدولى توقعات أكثر تفاؤلا لباقى دول العالم. وفيما يتعلق بالإقتصاد العالمى ككل فإن التعافى مازال متقلبا منذ ثمانية أعوام عندما إندلعت الأزمة المالية العالمية. ومازالت هناك مخاوف من تأثير «الركود المزمن»، خاصة فى الاقتصادات المتقدمة، مثل الولاياتالمتحدة والإتحاد الأوروبى، حيث يمكن أن يثير على المستوى السياسى مزيدا من الدعوات «الشعبوية» المطالبة بفرض قيود على التجارة ومعارضة استقبال المهاجرين. ومن المتوقع أن تعرقل تلك القيود العمليات الإنتاجية والنمو والابتكار. فبدون حماية لفرص تعزيز الاندماج التجارى بين دول العالم ستكون هناك عودة إلى الممارسات التجارية القديمة مثل التدابير الحمائية والتقييد والتى ستؤدى إلى تعميق الركود فى الاقتصاد العالمى وتطيل من أمده. وعلى الرغم من تلك التقديرات المقلقة للأمريكيين فإن هناك توقعات من الصندوق بأن يشهد الإقتصاد الأمريكى عام 2017 حالة من تعافى النمو فى ظل تراجع الأعباء بانخفاض أسعار الطاقة (النفط) وقوة الدولار. وفيما يتعلق بالشرق الأوسط فإن التقارير الدولية تشير إلى استمرار تأثر الإقتصاد والتجارة بتبعات عدم الإستقرار والصراعات. ولكن يبدو أن للتشاؤم نهاية. فوفقا لتقارير البنك الدولى فمن المتوقع أن يتحسن النمو الاقتصادى للمنطقة ككل بشكل طفيف خلال العامين الحالى والمقبل 2017 و2018 ليبلغ 3.1% و 3.5% على التوالى، وذلك مع قيام الحكومات فى كل دول المنطقة بتبنى تدابير وإصلاحات لتنويع أسس اقتصاداتها بعيدا عن الإعتماد على النفط وحده. وتشمل التدابير المتوقعة إلغاء دعم الطاقة، والحد من التوظيف فى القطاع العام وخفض فى دورة الأجور، وخصخصة الشركات المملوكة للدولة، وتنويع إيرادات الموازنة وعدم الاعتماد على النفط وحده كمصدر وحيد وسهل للإيرادات. وعن حالة إقتصاديات الشرق الأوسط بالإضافة إلى أفغانستان وباكستان تمت الإشارة إلى التأثير القوى لانخفاض أسعار البترول والصراعات المستمرة، محليا وإقليميا، على حالة ومستقبل الاقتصاد فى المنطقة. فأجواء عدم التأكد الناجمة عن الصراعات فى كل من ليبيا والعراق وسوريا واليمن أدت إلى تراجع ثقة المستثمرين فى المنطقة بوجه عام. كما ترك إنخفاض أسعار البترول أثره على مستوى الصادرات والنشاط الاقتصادى فى الدول التى تعتمد فى إيراداتها بشكل رئيسى على صادراتها من النفط. ولكن إذا كان انخفاض أسعار البترول عالميا قد أثر على إقتصاديات الدول المصدرة فإنه فى ذات الوقت أدى إلى تخفيف الأعباء عن دول المنطقة المستوردة للبترول ومشتقاته. التقديرات غير المؤكدة المتعلقة بنمو الإقتصاد فى المنطقة تشير بتفاؤل إلى تحقق نمو بمعدل يتراوح بين 3٪ و4٪ خلال عام 2017. كما تمت الإشارة إلى تحقيق عدة دول فى المنطقة تقدما فى ضبط أوضاع المالية العامة بها، ولكنها ستكون فى حاجة لبذل المزيد من الجهود علي المدى الزمنى المتوسط لوضع الموارد العامة على مسار سليم. كما أعلنت عدة دول عربية عن خطط لتنويع إقتصادياتها بعيدا عن البترول وإستحداث فرص عمل للسكان الذين تتزايد أعدادهم بشكل سريع. وفيما يتعلق بأسعار البترول فهناك توقعات بأن ترتفع أسعاره فى عام 2017 حيث سيتجاوز سعر البرميل 51 دولار وتشير الدراسات المستقبلية المتعلقة بالأسواق أن سعر برميل البترول لن يتجاوز 60دولارا حتى عام 2021. ولكن فى ظل حالة عدم التأكد قد تتغير الأسعار بشكل يصعب التكهن به. تقديرات الصندوق تشير إلى أنه ووفق للأوضاع الحالية فإن التحول الإقتصادى سيستغرق فترة زمنية وسيكون تنفيذ خطط تنويع إقتصاديات الدول بحاجة إلى العناية والإستمرارية حتى تكلل بالنجاح فى ظل أجواء غير مشجعة مثل مخاطر الإستقرار المالى من نقص السيولة ومخاطر تدهور جودة الأصول. ويرى الخبراء أن الأداء المحبط لاقتصاديات دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وربما الاقتصاد العالمى، يرجع فى جانب منه إلى زيادة الهجمات الإرهابية وانتشار التطرف العنيف. وبدراسة قاعدة بيانات الأجانب الذين ينضمون إلى تنظيم «داعش» وأسباب عمليات الإنضمام إليه، تم التوصل إلى أن العوامل الأكثر قوة التى تدفعهم إلى الإنضمام هى تلك المرتبطة بنقص «الاحتواء الاقتصادى» والاجتماعى فى دولهم الأصلية. ولذلك فإن تعزيز مستوى الإحتواء، قد يخفض مستوى التطرف العنيف ويحسن أيضا من الأداء الاقتصادى لدول المنطقة. ويبقى الأمل معقودا على تحسين التعليم والتكنولوجيا والبنية الأساسية لزيادة الطاقة الإنتاجية مع تخفيف حالات عدم المساواة فى المجتمعات وتحسين التوفيق بين المهارات المتوافرة ومتطلبات سوق العمل، والحد من المعوقات أمام دخول الأسواق.