هذا الكتاب ...يستحق قراءة خاصة وأعنى بها ما جاء بين السطور. فعنوانه الذى اختاره كاتبه هو « ديمقراطية أمريكا وحقوق الإنسان» يجعله يبدو للوهلة الأولى وكأنه كتب خصيصا للمهتمين والباحثين فى الشأن الأمريكي، إلا أنه فى الواقع يعد سؤالا مهما حول فهمنا لأمريكا، وهو سؤال صعب لا يقبل الإجابات المتعجلة، فهناك فرق كبير بين المعرفة والفهم. نعرف أن الولاياتالمتحدة صاحبة تاريخ معروف منذ اعلان الاستقلال ووصول جورج واشنطن للحكم كأول رئيس للجمهورية. فمنذ ذلك التاريخ، تحددت هذه الولايات الشابة الممتدة صاحبة الخيرات الزراعية والكيان الاقتصادى الواعد الذى كان يكفى للوصول إلى فكرة الدولة المستقرة التى تستطيع تحقيق تقدما، إلا أنها ومنذ بداية القرن العشرين بدأت سيرة من يراقب الأحداث، ليشتبك معها،فجاء هذا الاشتباك والمشاركة بعد حربين عالميتين بمثابة وضع جديد لميزان القوى الدولية. قفزة كبيرة بل هائلة تحسب لها، ولهذا سكنت عقل مصطفى سامى الصحفى و مراسل جريدة الأهرام على مر عقود- وهو أمر يجب أن يضع فى الحسبان عند قراءتنا هذا الكتاب المهم الذى يعنى خبرة اهرامية و رصيدا قدمته السنوات لمحرر دؤوب مثابر لا يقف عند حدود البديهيات- ليقدم فى النهاية هذا الكتاب المهم الذى اختار له عنوانا آخر وهو لماذا تكرهوننا، سؤال شهير يجيب عليه كتاب أمريكيون. إذن يبدو أن لهذا الكتاب منهجا وتساؤلا عن أمريكا من هي، وخاصة أن كثيرا من المؤلفات التى ينتجها الغرب تبدو عملة صعبة بل مستحيلة بالنسبة للغالبية من الشباب الطموح، كما أن الانتخابات الأمريكية الأخيرة أعادت طرح هذا السؤال فى قراءة لرؤية جديدة مختلفة لكثير من ملفات السياسات الخارجية سواء بالنسبة للقضية الفلسطينية، العلاقات مع الصين، أمريكا اللاتينية و الملف النووى الايرانى وغيرها من القضايا. هو كتاب فى العمق يتعرض فصله الأول «أمريكيون ينتقدون سياسة بلادهم» إلى انتقادات لمفكرين أمريكيين لسياسة بلادهم، ويتوجه مباشرا إلى تحليل شخصية هيلارى كلينتون المرشحة السابقة للرئاسة عبر إدوارد كلاين الصديق المقرب لأسرة كلينتون لسنوات فى كتابه( الحقيقة وراء هيلارى كلينتون) الذى يتابع مسيرتها منذ الطفولة، وحتى أصبحت محامية فى واحدة من أكبر شركات المحاماة فى مدينة لتل روك فتحقق ثروة طائلة. ليست هيلارى وحدها، فهناك المؤلفان إيريك أولترمان ومارك جرين فى كتابهما «كيف خدع بوش أمريكا» اللذان يتعرضان فيه لشخصية الرئيس الأمريكى جورج بوش الابن الذى قال عام 1986 أنه لا يعتبر نفسه فى عداد المثقفين، وهذا الجهل لا يثير لديه أى احساس بالنقص. لا غرابة فيما يقول فقد جاء إلى الدنيا وفى فمه ملعقة من ذهب لكونه ينتمى إلى أثرياء تكساس، ولكن السؤال: كيف و بعد هذا الكم من الأخطاء و التوعكات السياسية التى أصابت حكم بوش فى الفترة الأولى لحكمه، يعيد جماهير الناخبين التصويت له رئيسا لأربع سنوات أخري؟!.. أما ديك شينى مهندس غزو العراق و أفغانستان فيقدم مذكراته « خلال سنوات عملي» التى وصفتها كونداليزا رايس وزيرة الخارجية السابقة بالعمل التافه، ومع هذا تقدم رايس كشف حساب لثمان سنوات من العمل تحت قيادة جورج بوش فى مذكراتها «اللؤلؤة السوداء»، وتقول بصراحة أن ثورات الربيع العربى تؤكد بعد نظر بوش و اهتمامه بنشر الديمقراطية فى الشرق الأوسط. وأما كتاب « أحلام من والدي» لباراك أوباما فيشرح لقارئه كيف تكونت شخصيته و مواجهته صعوبات الحياة قبل توليه الرئاسة. ولكن ليس هذا هو كتاب رؤساء الولاياتالمتحدة،ولكنه كتاب السياسة الأمريكية التى لعبت دورا فاعلا فى تغيير البنية السياسية لبلاد مثل العراق الذى تتعرض الكاتبة كريستينا أكسويث لأحداث غزوه بالتفصيل فى كتابها « العراق الجديد». صحيح أن العراق عانت من الغزو، ولكن المعاناة بدأت مع موجة من الانحياز الاعلامي.فلم يكن سعيد الصحاف وزير الاعلام العراقى -كما يقول برنارد جولدبرج المراسل الاعلامى الشهيد فى كتابه «الانحياز»- أكثر من تلميذ فى مؤسسات الخداع الاعلامى الأمريكى التى يديرها أباطرة الصحافة. وهو ليس الكاذب الوحيد ، فبيانات التليفزيون الأمريكى هى أيضا كاذبة. وهى أشياء توضح خطورة تأثر الاعلام بذلك واتصح على أذهان الشعب الأمريكي. مازلنا فى الفصل الثانى من الكتاب نبحث تأثيرالنفوذ الأمريكى على العالم، وواحد من هذه الكتب « أربيسك أمريكاني» للكاتب الجزائرى أحمد بسادة يراجع دور واشنطن فى ثورات الربيع العربي، و إن كانت المعلومات التى خرجت من واشنطن كما يقول مصطفى سامى تؤكد أن الولاياتالمتحدة فاجأتها هذه الثورة. أما كتاب «حلم ايريل» للفرنسية ألكسندرا شورتزبرود، فيتصور عودة ايريل شارون للحياة ليتساءل من بنى هذا الجدار العازل العنصري. ليست هذه فقط كل حدود التأثير الأمريكي، فهناك الكثير من القضايا والتأثيرات التى قد تمتد حتى إلى تكنولوجيا الهندسة الوراثية. ولهذا كله يعد كتاب جدير بأن يقرأ، وأن يوضع على مكتب صاحب القرار.